في ظل هذا الصمت الرهيب، يقتل شعب خلسة عن الأعين وينتزع نزعا من الوجود، لا يحمل السلاح بل الصبر والإصرار على التشبث بالحياة والأرض التي أبصر النور على ترابها. أقلية “الروهينغيا" المسلمة التي تعيش في دولة ميانمار، هذه الدولة التي كانت مارقة ومنبوذة من الأسرة الدولية -نظرا لسجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان- وانتهاك القانون الدولي في هذا الخصوص، تحت سيطرة حكم العسكر وسطوة الحديد والنار المسلطة لقرابة ثلاثة عقود من الزمان، والتي بدأ المجتمع الدولي يغفر لها ويفسح أمامها المجال للعودة إلى حضيرته، وينفض عنها غبار حقبة من التهميش جراء سجلها المتخم بالأفعال المقيتة في مجال حقوق الإنسان، وبدأت تظهر بمظهر الدولة التي تتصالح مع المجتمع الدولي وتصحح مسار نظامها، لكن مازال هذا النظام يغض النظر -أو بمباركة غير مباشرة منه- عن أفعال مجبولة بالجرم المشهود تقترف ضد أفراد أقلية تعيش في هذه الديار وبمباركة من الرهبان البوذيين، والذين يقودون حملة تطهير عرقي ضد هذه الأقلية التي تستوطن “الميانمار". وفي أوضاع مأسوية إلى درجة يمكن وصفها ب “الإبادة الجماعية الممنهجة" والتطهير العرقي لطائفة من مكونات المجتمع بميانمار، والذي فاق كل الأوصاف -فالأخبار الواردة من هذا البلد- تشير إلى استمرار التنكيل بالمواطنين من الأقلية المسلمة “الروهينغيا"، والتي تعيش في هذا البلد منذ قرون، لكن السكان الأصليين لم يرقهم وجود هذه الإثنية بينهم، لذا يقمون بأعمال إرهابية مروعة في حقهم، قصد تهجيرهم وإبعادهم عن الوطن الذي كانوا يعتقدون أنه ملاذهم -ليس لهم موطن آخر يحتمون به- فأصبحوا عرضة إلى إبادة بكل المقاييس، والغريب أن هذا السلوك الممنهج يحدث أمام لامبالاة المجتمع الدولي، الذي أتخمنا ب “التباكي" على احترام حقوق الإنسان في مواقع عدة، حيث تكمن غايته، فأين القادة الذين يبشرون بالربيع، متى تبزغ شمس ربيع أقلية -أدار لها الجميع ظهره- أين الذين يتشدقون ببسط سلطان العدل، أم أن البصيرة لا تتسع للنظر إلى ما يجري بميانمار، أو زاغت عن رؤية “القذارة" البعيد عن الضوء، رغم أنها ترتكب في وضح النهار، لأن مرتكبيها يعلمون علم اليقين أن الجرم المقترف في حق الضعفاء في الأرض والمعذبين من طرف بني جلدتهم، لا يطالهم العقاب في محراب العدالة، والصمت المطبق على جرائمهم دليلهم في الإفلات من العقاب، فأين هم دعاة احترام حقوق الإنسان من هذه الجرائم التي ترتكب في حق أقلية وأمام أعين الجميع، والتي هي موثقة من قبل المنظمات الحقوقية، والتي لم يلق نداؤها صدى بمسامع صناع القرار على المستوى الدولي لإغاثة أطفال وشيوخ عزل من أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم أمام همجية الذين تعايشوا معه في الوطن لمدة فضاق بهم تواجد أقلية بينهم تختلف عنهم في المعتقد، رغم أن المواثيق الأممية لا تعترف بالتفرقة في المعتقد، وتقر بأن جميع بني البشر سواسية في العيش وحرية المعتقد والرأي. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته ومواده القانونية ملزمة للجميع باحترام وجاهة الحقوق المقننة بموجب النصوص التي تزخر بها المنظمات الدولية ذات الصلة، والتي لا تقبل التأويل أو التمييز في التطبيق، بغض النظر عن الطرف الذي يحتكم إليها، ويستنصر بها لدفع الأذى عنه وعن أي توصيف آخر. لكن يبدو أن المجتمع الدولي الذي يرفع السيف حسب الأهواء لزجر من يريد وإعادة من يحيد عن الطريق، يلعب لعبة “الغميضة" مع أقلية “الروهينغيا" المسلمة، وإلا كيف نفسر السكوت المفضوح عن المذابح والجرائم التي ترتكب كل يوم أمام أعين حماة سيف العدل، أم أن عيون العدالة لا ترى ما يجري لأقلية مضطهدة في وطنها، لا ذنب ارتكب من قبلها سوى أنها لا تتقاسم مع بقية الشعب المعتقد الديني، رغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 يكفل لهم حرية المعتقد. شعب يباد عن بكرة أبيه في صمت من الوجود وممارسة تطهير عرقي بكل المقاييس في حقه بالجرم المشهود، شعب أعزل يتعرض إلى جرائم تصنف ضمن “جرائم التطهير العرقي" وفي ظل انتهاك صارخ للمواثيق والعهود الدولية للقانون الإنساني، وعداء سافر للفضائل وفي جلسة مغلقة بعيدة عن أعين ساسة العالم ومنظري الدفاع عن حقوق الإنسان، في الفضاء الذي لم يعد يتسع لأقلية لا تملك ما تغري به المجتمع الدولي المنشغل بالخطورة في المناطق التي تستوعب مصالح الكبار، أما النظر إلى ما يتعرض له أطفال ونساء وشيوخ أقلية الروهينغيا المسلمة، ليس واردا في الحسبان، الكيل بمكيالين حتى في الدفاع عن العيش على بساط الأرض، والذي تكفله كل الشرائع السماوية التي تقر بحق الحياة لجميع بني البشر بغض النظر عن المعتقد الديني أو العرق أو اللون... لقد شاهدنا صورا مروعة لما يحدث في صمت لهولاء العزل الذين يقذف بهم إلى جحيم التشرد والتيه بين حدود الدول المجاورة وأصقاع الأرض وتضييق الخناق عليهم من كل حدب وصوب. واللافت للنظر وغير المستصاغ، هو الصمت المطبق والمريب من قبل الناشطة البرومانية، أون سان سو تشي، الزعيمة المعارضة في ميانمار والحائزة على جائزة نوبل للسلام، والغريب أنها ظلت تتحاشى بانتظام التحدث عن انتهاكات حقوق الروهينغيا، يا سلام على داعية السلام؟! أقلية مسالمة تباد كل يوم أمام أعينها وفي وطنها بأبشع الصور المقرفة وفي صمت رهيب، أو لنقل بالتواطئ من خلال صمتها، الذي فاق صمت القبور، ولم تحرك ساكنا لنصرة أقلية ضعيفة الحيلة، وأخلاقيا وبحكم واجهة جائزة “السلام" هي ملزمة بالتدخل لحماية أناس مستهدفين في حقهم المشروع في الحياة، لم يجدوا من يحتموا به لينصرهم ويدافع عن وجودهم من تطهير عرقي يمارس ضدهم بكل المقاييس. والتعريف القانوني للجرم ومبادئ حقوق الإنسان كتلة واحدة لا تتجزء، وما تتعرض له أقلية الروهينغيا المسلمة بميانمار، تطهير عرقي بكل المعايير القانونية، وهي أفعال موصوفة وتحت طائلة البنود القانونية لحقوق الإنسان ومبدأ المساءلة، بأي ذنب يتم وأد أرواح بشرية لا ذنب لها إلا أنها أقلية في وسط شعب تختلف عنه في الدين، هل الاختلاف في العقيدة جريمة يعاقب عليها الإنسان..؟! أين هم دعاة احترام حقوق الإنسان، أم هم في غفوة عما يجري بميانمار لأقلية مستضعفة في الأرض؟ وضحية تجاهل الذين يرفعون لواء حقوق الإنسان، حسب الطلب.