كثر الحديث عن غياب الجامعة في مواكبة الفعل المسرحي، في ظل غياب دراسات أكاديمية معمقة حول التجارب المسرحية التي قدمت في الجزائر، وأن للجامعة دورا هاما في عدم ترقية الفن الرابع في بلادنا، وأصبح هذا الحديث متداولا في أفواه الممارسين. لكن لم نسأل أنفسنا ولو لمرة واحدة: ماذا قدمنا نحن للجامعة؟؟ يوجد بعض الممارسين المتخرّجين من الجامعة الذين فضلوا استعمال هذا اللقب فقط للمشاركة في المهرجانات المحلية، الوطنية والدولية بمحاضرات لا تسمن ولا تغني من جوع، فمن أحق باللّوم؟ كانت لي تجربة في المسرح الجامعي مع فرقة “الهيام" المسرحية التي تأسست بشق الأنفس عام 2004، لأنه لم يكن من السهل إقناع عميد كلية الهندسة بالسماح لفرقة مسرحية النشاط في حرم جامعته، هذا العميد الذي استقبلنا بحفاوة بفضل صديق - خارج الجامعة - كان أبوه الحاج قد التحق بمجلس الأمة تلك السنة، ولكن الغريب أن العميد نفسه عدت إليه بعد أسبوع دون صديقي “ولد الحاج" وسألته عن مقر لنادي المسرح فأجابني: “راك حاسبني OPGI". الكلية نفسها فيها صنف العميد وصنف آخر من معدن نبيل، “جمال" نائب مدير الإدارة الذي ساندنا بكل ما يملك من قوة وجاه لفتح النادي. ال 19 ماي 2005، قدمنا أول عرض لمسرحية “خبائث أسكابان" لموليير، بالمسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس، القاعة مكتظة عن آخرها، كل التذاكر بيعت، تذاكر بطابع النادي وبثمن خاص بالطلبة، وأعضاء النادي يتكفلون بالبيع، كان هذا الاتفاق المبرم مع إدارة المسرح. حقق العرض نجاحا وشكل النادي حلقة تواصل بين الجامعة والمسرح، وتولدت علاقة حميمية بين النادي والطلبة، خاصة العشّاق منهم، الذين كانوا يفرّون من ملاحقة رجال أمن الجامعة، فأصبح مقر النادي قبلة للعشاق. ذاع صيت فرقة الهيام المسرحية وأصبح لها شأنا عظيما، والتحقت أنا بقسم الفنون لنيل شهادة الدكتوراه في النقد المسرحي وخصص للفرقة قاعة ودعم للبحث المسرحي من الوزارة الوصية، وسمح للفرقة بتنظيم مهرجان دولي للمسرح الجامعي، وتزايد عدد العشّاق الذين لم يفروا من رجال أمن الجامعة، وطلبات المسارح الجهوية تتوافد لتبرمج في قاعتنا، وأنشأنا مجلة نقدية محكمة، ولم نعد في حاجة لا إلى “الحاج" ولا إلى صديقي “ولد الحاج"، لتأسيس نوادٍ أخرى في الجامعات المجاورة لنسج شبكة فعلية لترقية الفعل المسرحي داخل الجامعة، وإرساء ضوابط للتواصل مع مسارح الدولة. كان هذا ما يجب أن نخصصه لك يا جامعة، لكن الواقع أنه لما قدم عرض “خبائث أسكابان"، التحقت بالمسرح المحترف الذي كان يضم أفضل وأنشط أعضاء النوادي الجامعية، فاندثرت هذه الفرق، وانقطع التواصل مع حوالي 20.000 ألف طالب جامعي. فعذرا جامعة سيدي بلعباس وعذرا يا “هيام".