على خلفية الإضرابات المتكررة والمتواصلة التي مست كل أسلاك القطاع الطبي على المستوى الوطني في الأشهر الماضية، وكان آخرها الاضراب الشامل الذي عاشته المستشفيات الصحية خلال أيام 6 و 7 و 8 ماي الحالي، وفي الوقت الذي مازال عمال قطاع الشبه الطبي يواصلون إضرابهم المفتوح، وقبل تجديد الإضراب بالنسبة للقطاعات الصحية الأخرى بدءا من 13 ماي على مدار ثلاثة أيام، قمنا بزيارة إلى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة لتفقد أحوال المرضى في بعض أجنحة المؤسسة الاستشفائية، خاصة تلك التي تخص الأمراض المزمنة التي تتطلب متابعة طبية متواصلة، على منوال أجنحة مرض السكري، القلب، وتصفية الدم. وجدنا هذه المصالح تعمل بشكل عادي يوم أمس السبت، لكن ما استرعى انتباهنا هو قلة الوافدين على جل المصالح، وهو يعطي للزائر انطباعا بأن الاضراب الخاص بالأطباء الممارسين مازال مستمرا. اقتربنا في بادىء الأمر من جناح مرضى السكري الذي بدا لنا خاليا، حيث لم نلحظ التواجد الكثيف للمرضى ومرافقيهم، وبالصدفة تحدثنا إلى أحد المتواجدين هناك، وهو كهل في العقد السادس تقريبا، وعلمنا منه أنه قدم من مدينة الأخضرية رفقة أحد أفراد أسرته، الذي أخبرنا أنه لم يجد صعوبة في دخوله ومن ثم التكفل به من طرف الأطباء، إلا أنه سرد علينا المعاناة التي عاشها قبل أيام عندما كان المستشفى مشلولا بالكامل: “لقد حضرت رفقة المريض يوم الاثنين الموافق ل 6 ماي، ولم أتمكن من الدخول إلى جناح مرضى السكري بعد أن وجدت الأطباء وكل الأسلاك الأخرى في إضراب لمدة ثلاثة أيام، وما أريد الإشارة إليه هو أنني لم ألحظ أي مؤشرات توحي بوجود أدنى الخدمات مثلما سمعت بها، لقد كان عدد المواطنين كبيرا وجلهم رجع من حيث أتى دون أن يتمكن من الدخول، بما فيهم أنا، وما كان عليّ سوى مغادرة المستشفى والعودة إلى الأخضرية، وكما ترى فقد عدت اليوم والحمد لله الأمور سارت على أحسن ما يرام". وعندما أخبرنا هذا الكهل الذي بدت على محياه صور الإحباط والقنوط واليأس، بأن الأطباء ومختلف المصالح الاستشفائية سيدخلون في إضراب آخر يوم 13 ماي، لم يتردد في اعتبار ما يحصل اليوم في المستشفيات أمرا غير أخلاقي بتاتا: “رغم أن حق الإضراب مكفول لكل المواطنين مهما كانت مناصبهم وتخصصاتهم، إلا أنني أرى أن المؤسسة الصحية تبقى حساسة بالنسبة للمواطن، طالما أن المرضى لا يستطيعون الإنتظار". لم نرد التعقيب على ما قاله لنا هذا المواطن الكهل القادم من الأخضرية، وفضلنا تفقد أحوال مصالح أخرى، والوجهة كانت مرضى القلب. نفس الأجواء وجدناها هناك، حيث قلت الحركة ولم يرمق أعيننا إلا بعض المرضى الذين سألناهم عن أحوالهم وإن تم التكفل بهم، وكانت إجاباتهم تنم عن الضيق الذي أصابهم على منوال ما أفصحت لنا عنه إحدى السيدات التي وجدناها عند مدخل المصلحة: “لقد تم التكفل بنا اليوم بعد أن انتهى إضراب الأطباء، لكن صدقوني فقد عانيت خلال أيام الإضراب لأنني بقيت أنتظر لساعات طويلة دون أن أتمكن من الدخول، فجل الأطباء والمختصين كانوا في إضراب خارج الجناح". وفيما كنا نهم بالعودة ارتأينا زيارة مرضى تصفية الدم، وهناك تحدثنا مع مريض رفقة والدته قادما من بلدية براقي، وخلافا للإحباط الذي بدا على مرضى المصالح الأخرى فقد علمنا من والدة المريض أنها متعودة على زيارة هذه المصلحة كل 10 أيام، وهي بالتالي لم تعش مأساة الإضراب الذي شل المصالح في الأيام الماضية، غير أنها أكدت لنا أن معاناة المرضى خلال الإضرابات كبيرة خاصة بالنسبة للأمراض المزمنة.