فى زحمة الفرح بتحرير الجنود من خاطفيهم فى سيناء لم يتوقف أحد أمام حكم البراءة الصادر فى اللحظة ذاتها أمس فى قضية قتل متظاهرى ثورة 25 ينابر بالمرج.. وكأن الأذن المصرية تطبعت على استقبال أحكام البراءة فى قضايا قتل الثوار فصارت خبرا عاديا لا يستفز أحدا أو يثير اهتمامه وغضبه. وهذه نتيجة طبيعية لحالة الصراع المجنون داخل معسكر شركاء الثورة والذى يخوضه البعض باعتباره حربا حتى يوم القيامة، لا ينبغى لها أن تتوقف أو تهدأ، لأن كل فصيل يتوهم قدرته على إبادة الآخر واجتثاثه، بينما خصوم الثورة يعيشون عصرا ذهبيا من التدليل والمغازلة والراحة والسعادة بأن من قاموا بثورة ضدهم يتقاتلون فى معركة حامية الوطيس. إن كلا الفريقين، السلطة والمعارضة يتسابقان فى تقديم ما لذ وطاب من أطباق دعوات التصالح مع النظام الساقط متبلة بشعارات المصالحة الوطنية، بحجة الاستقرار ودفع العجلة للأمام. لقد كانت الأمة كلها مشغولة أمس بقضية إطلاق سراح الجنود، فريق يكدح ويكد فى محاولة تسفيه الإنجاز الذى تم وإهالة التراب على أداء مؤسسات الدولة فى هذه الأزمة، وفريق يدافع باستماتة عما تم ويعتبره نهاية المطاف كضربة قاصمة للفريق المناوئ، وعلى ذلك لم يكن هناك من يرفع صوته غاضبا من استمرار هطول براءات قضايا قتل الثوار. ولو خرجت إلى دائرة أوسع ستكتشف أن الفريقين يخوضان تنافسا محموما فى كسب رضا الدولة العميقة ويزايدان على بعضهما البعض فى دعوات المصالحة، وكلاهما يضع نصب عينيه انتخابات قادمة تتطلب استعدادات وتربيطات ومغازلات وربما صفقات. ومادام الجهد منصبا على استمالة واسترضاء خصوم الثورة والتصالح معهم، أكثر من الاهتمام بإراحة أرواح الشهداء والتصالح معهم فليس لأحد هنا أن يتمحك فى الثورة ويدعى أنه المتمم والمكمل لها، وليكونوا واضحين مع أنفسهم ويعترفوا بأنهم بصدد مباراة فى السياسة والانتخابات والتدافع على السلطة وليس الصراع من أجل الثورة. وبالقدر ذاته الذى يصبح معه انفتاح من يعتبرون أنفسهم (الرموز الثورية) على معسكر الفلول الذي صاروا يدللونه باسم “الأغلبية الصامتة" أمرا مستهجنا ومذموما، فإن تجاهل السلطة لتقرير لجنة تقصي الحقائق الخاص بقضايا قتل الثوار والمتظاهرين، وبقاء هذا التقرير فى أدراج من بيدهم الأمر هو أمر يدعو للاستنكار والاستهجان ويثير علامات الاستفهام والريبة فى وجود إرادة حقيقية فى تحقيق المعنى الجوهري والأساسي للثورة بجعل حق شهدائها ومصابيها مقدما على سواه من ملفات وقضايا. إن الفرحة بالقمح وعودة الجنود وإطلاق مشروعات اقتصادية كبيرة لا ينبغى أن تنسينا أبدا أصحاب الفضل.. تصالحوا مع الشهداء قبل أن تفكروا فى مصالحات مع النظام القديم.