هناك ثقبٌ ماكرٌ في مكان ما، في هذه المجرة المشاغبة، تتسلل منه أنهار الوقت خفية عن الرغبات الغافلة للسيدة الحقيقة، سأحاول ما استطعت سده بصمغِ الفن، لأرى، هكذا ليصير الناسُ كلهم سواسية حتى أمام أنفسهم، لا أحد سيفكر بالماضي، ولا بالآتي، سينشغل الإنسان حينها بحاضره، بحاضره الحاضر الماثل فحسب، وسترون آنذاك كيف سيتغير الإنسان كثيرا، وكم سيكون جميلا، لما يهشم كل المرايا. ولعلَها الحقيقة أن تكون معزوفة نشاز مؤقتة، تلحنها أصابع الكينونة على وتر اللحظة لأوركسترا الوجود الأصم، معزوفة يحتاج كل من يقترب من لحن ثوانيها ومن إيقاع دقائقها، إلى أن يرتّب فوضى وقته المنثال ليكون نسخة أصلية منها وعنها، هكذا كي يثب إليها في لحظةٍ * ليست توأما وإنما ذاتًا مُثناة * تتناسخ من صُلب لحظتها. الحقيقة أيها الإنسان شجرة ٌ لا يفهمُها إلا منطق ظلها مهما ظهر مختلفا عن شكلها وعن لونها، إنها شجرة تَكفر بها حتّى تلك الغابات الراهبات المؤمنات بالخُضرة. الحقيقة أيها شمسٌ لا يستوعبها سوى ضوئها، لما لا يتطلب الاستيعاب شكًّا أو يقينا، لما يكون الإيمان دائريّا كشكل الضوء تماما. الحقيقة صوتٌ لا يتهجاه مثلَ صداه مَهما نقص أو زاد، و ظلامٌ لا تدركه إلا النجوم النائمة المستريحة في وثير سَريره. الحقيقة أيها الإنسان معزوفة تعرف قدرها الكمنجات التي أطلقتها، قبل أن تفقد ذاكرة اللحن، ولحنٌ لا يأويه مثل حِضن أبيه المزمار. يحتاج الإنسان أن يكون فردا من عائلة الحقيقة ليفهم، يحتاج إلى كروموزومات تجذبه بلا ريح وبلا أيدٍ، وإلى قرابة دم ليقترب ويزدحم بلا معتقلات أو محتشدات. وأرجوحة هو العقل في كل ذلك، أرجوحةٌ لا تسقرُّ على موضعٍ، لكنها من سرعة صعودها ونزولها، التي تتجاوز بُطء الظلام وسرعة الضوء معا، تبدو وكأنها أكثر من ثابتة. العقل أرجوحة حجرية منوعة من معدن الريحِ، لا تلبث تُحركها أيادي رغباتٍ عاتية للإنسان، لا تمل تدفعها إلى جهتها وإلى عكسه: العقل أرجوحة لا تسير أبدا إلى جهة العمق، لأن العمق عدوها الوحيد الذي يملك أن يدق رقبتها. العقل ليسَ جبلاً شامخا ثابتا، ولا سماءً واثقة بمِلكيتها الكاملة والحصرية للعلو، فصعودا أيها العقل اللاهي الطائش إذن وهبوطا بنا، حتى تنقضي طفولتك، لنرشد. يرشد الإنسان في الإنسان فقط لما تتقطع كل حبالِ أرجوحة عقله المُحلقة تحت كعب السماء، لما يرتطم على أرض ذاته الصلبة، حينها تصحو الأرجوحة من وهم يقظتها. جامعة تيزي وزو