3 - أنوار العقل كي تكون مسيحيا.. يجب أن تؤمن بأن الله يتجزأ إلى ثلاثة أقسام متساوية في القدرة.. وأن معادلة الواحد يساوي الثلاثة.. عويصة لكنها صحيحة. وكي تعتبر يهوديا أو صهيونيا.. يجب أن تعتقد بوجود إله سماوي خاص.. تنفرد به عن سواك.. يسخر البشر الآخرين من أجل خدمتك.. وإن كنت من لصوص الأرض وقتلة الأنبياء والأطفال. وكي تكون هندوسيا أو بوذيا .. يجب أن تسلم بقداسة البقر والجرذان .. وأن تؤمن باحتمال تحولك من إنسان إلى حمار أو كوبرا سامة.. ضمن دورات حياتية تتكرر إلى ما لا نهاية. وكي تعد ملحدا.. . يجب أن تعتقد أنك وفدت على الدنيا بمحض الصدفة.. وأن جيناتك مشتقة من حشرة.. وأنك منحدر من سلالة قردية على غرار أبناء عمومتك أمثال الشامبانزي والغوريلا والأورانج أوتان.. وأن الحياة حالة عبثية.. تخلو من المعنى.. ولا تستهدف غاية.. ولا تحتاج إلى أخلاق. وكي تكون مواطنا عالميا.. يجب أن تسلم بأن الشركات المتعددة الجنسيات هي آلهة هذا العصر.. التي تطعمك وتسقيك.. ولابد لها من قرابين بحجم شعوب ودول. وكي تكون مواطنا عربيا - من أي طراز -.. عليك التسليم بأن الديكتاتورية البغيضة.. لها قلب رحيم.. وأن الخير كله يتجلى في قرارات الحاكم بأمره.. وأن الزمرة الملتصقة به هي خير عون له على تنفيذ الحكم الراشد. وكي تكون جزائريا.. وطنيا.. عزيزا.. عليك تسليم عقلك للحكومة طوعا أو كرها.. وأن تفترض دائما - دون خجل - أنها أفضل منك .. وأنه لا توجد وراء الحكومة التي نراها.. حكومة أخرى تديرها الأشباح. هذا بالجملة ما يعنيه الانتماء إلى القاسم المشترك الأعظم لهذا العصر.. أعني.. التنازل عن العقل.. وقبول العيش بلا وعي.. والرضا بالسير في الظلام. فأين يقع العقل على خارطة الإسلام؟ ولماذا تنشط التهم التي تنتقص من مكانة العقل فيه؟ ٌ من الافتراءات المتداولة.. أن ينعت من يدعو إلى الإسلام بالظلامي.. بما يفيد أنه يكره النور.. فهو مثل الكائنات الليلية.. لا تتاح له الحركة.. ولا يتحسس مطالبه إلا في الظلام الدامس.. حيث يغادر الموتى قبورهم لاصطياد الأحياء ونقلهم إلى العالم السفلي.. ويتقلص مدى الرؤية إلى أدنى حد ممكن. فالحرب المفتوحة على الإسلام.. حرب على العقل في جانب منها.. فإذا تسنى للشياطين تجريدك من عقلك.. وهو أداة وعيك الأولى.. كان من السهل قذفك في الهاوية.. والحكم عليك بالنزول إلى أسفل حيث لا ترى النور ولا يراك.. تفقد القدرة على الإبصار.. لتعتمد على غرائزك البدائية في الحركة.. وفي فهم ما يحيط بك.. وتقدير غايتك من الوجود اللائكيون في الجزائر.. يملكون ما لا يحصى من التهم الجاهزة.. التي يطلقونها ضد الإسلام.. كلما دعت الحاجة إلى ذلك.. فأنت أيها المسلم.. إذا قلت إن الدين هو معيار الحياة كلها.. قيل عنك إنك من مخلفات القرون الوسطى.. أي إن عقلك لا يتجاوز مستوى التفكير السائد في ذلك الزمان.. وإنك تعادي الحضارة والعلم.. وإنك متشبث بالماضي على حساب مقتضيات الانتساب إلى عصر المعلوماتية والفضاء والهندسة الجينية. هي لغة اللائكيين.. وطريقتهم في ممارسة عقيدتهم.. كلما حل أوان السجود لآلتهم القائمة وراء البحر. ٌ حقائق الإسلام قائمة بذاتها.. فهي الشجرة التي تحصل على غذائها ومائها بفضل جذورها الخاصة.. ولا ينقطع عنها المدد..إلا إذا جاء حطاب يريد اجتثاثها من أصولها. في شأن العقل..تبدو قضية الإسلام واضحة جدا ومحسومة.. فكما نميز بين النور والظلام.. بين الحياة والموت.. كذلك هو الفرق بين من يملك عقله ويتصرف فيه.. ومن يتخلى عنه. ما كان عقل العربي قبل الإسلام.. ليفضل الصنم الذي يسجد له.. فهما يقعان في المستوى نفسه من الخمول والجمود.. بلا وظيفة حية.. وبلا أداء فعال يحمل الإنسان إلى مستوى أعلى من اللات والعزى. العقل العربي التائه.. والعقل العربي السجين.. كانا دائما نقيضين لدين أطل على العالمين بكلمة (اقرأ).. وافترض أن الإسلام والإيمان لا يقعان خارج نطاق العقل.. بل يتحققان به.. ويسموان بمقدار ما يتعلقان به. ٌ اختلف المسلمون في تقدير حدود العقل ومداه.. لكنهم اتفقوا على أنه لا غنى للنقل عن العقل.. وأن النقل الصحيح يغذي العقل ويوجهه.. ويمده بطاقة جبارة على الحركة. علمنا الإسلام أننا حين نفكر.. إنما نصلي.. وحين نتأمل في ملكوت الله.. إنما نشاركه التسبيح بخالقه.. وأن تحرير الوعي من الوهم مقدمة لازمة لتحرير الإنسان من الأوثان المحيطة به.. وأن الخط الفاصل بين البشر والبهائم يرسمه العقل.. فبغيابه يعبر الإنسان إلى الضفة الأخرى. من المسلمات أن ديننا.. لا يمنح الأعمى حق قيادة البصير.. ولا يمكن السفهاء - وهم عامة من استرخصوا عقولهم - من إدارة حياة الناس.. وحربه المعلنة على الأوهام تطوق بإحكام دعاة الدروشة. وبالمثل فهو يتصدى للديكتاتور.. يجرده من فرعونيته.. بدعوة الناس إلى التفكر في مكانتهم عند الله.. وأن ليس للإنسان على الإنسان فضل إلا بالتقوى.. وليس بالكرسي الذي يجلس عليه عنوة.. ولا بوسائل الردع التي يقتنيها بالمال العام. ٌ أنوار العقل في الإسلام.. تشع في كل اتجاه.. وتضيء لمن يسلك في سبيله.. فلا ظلام هنا.. ولا ظلامية.. بل نور ساطع لا تتحاشاه إلا خفافيش اللائكية.. هؤلاء الذين فقدوا القدرة على الإبصار.. فآووا إلى الكهوف.. لا يغادرونها إلا بعد غروب الشمس.. ويسرعون بالعودة إليها قبل طلوعها. لقد كسب ابن آدم الرهان في السماء بالعقل.. فهل يخسره في الأرض بالعقل؟