اعتبرت الروائية المصرية والمحررة بجريدة ''أخبار الأدب''، منصورة عز الدين، أن المشهد الثقافي والأدبي المصري يعيش في مرحلة انتقالية، خاصة في سوق الكتاب، الذي عرف خلال السبع سنوات الماضية ''ثورة ناعمة على السائد''، وذلك منذ بروز مكتبات حديثة على النمط الغربي كما هو الحال بالنسبة لتجربة مكتبة ''ديوان'' التي أكدت حضورها ونجاحها في المشهد الثقافي لأنها وفرت فضاءً شاسعا للقراءة والإطلاع لفئات وشرائح مختلفة· ولم تنكر المتحدثة في الندوة الأدبية التي عقدت بمقر ''الجزائر نيوز'' أن البداية كانت ''فئوية''، لأن المكتبة الأولى أقيمت بحي الزمالك الراقي، أين كان روادها من أبناء الطبقة المخملية ومنتسبي المدارس الأجنبية (الأمريكية - الإنجليزية - الفرنسية···)، حيث أتاحت لهم إمكانية الإطلاع على الأدب العربي، واكتشافه، بجانب إطلاعهم على الأدب الأجنبي الذي يأتون أساساً لقراءته· وقد توسعت الفكرة لاحقاً لتغطي أكثر من شريحة وفئة، حيث تتوفر المكتبة ذاتها اليوم على أكثر من 6 أفرع في مختلف أحياء القاهرة والجيزة· بالمقابل، تقول صاحبة ''ما وراء الفردوس'' إن هناك عوامل قد جدّت في العملية الإبداعية وخاصة في الكتابة الروائية، حيث أضحى للميديا دوراً أساسيا ليس في التسويق للعمل فحسب، بل حتى في تحديد قيمته الأدبية والإبداعية وفي جلب النقاد له· بل أن''الكاتب'' في أغلب الحالات يصبح هو ''المعيار الوحيد''وليس العمل، وذلك من جهة قدرته على الترويج (show)، فيما تقلص دور النقد تماما، أو أصبح ملازما لدور ''الشو''، الأمر الذي أفرز كتابات خفيفة الظل والقيمة الأدبية مقابل ''ترويج إعلامي ثقيل ومنظم لها'' بشكل يوحي عدم براءة تلك الحملات الموجهة لصالح أعمال لا ترقى إلى تبوأ تلك المكانة· من جهتها، ترى ''أمينة زيدان'' الروائية والمشرفة على النشر بوزارة الثقافة المصرية، أن المشهد ليس قاتما بالمطلق، لكنه يشهد تحولات عميقة قد تؤثر في العملية الإبداعية ككل، مؤكدة أن غياب دور النقد الحصيف والمحترف - إلا فيما ندر - يؤكد عمق الإشكالية· وتضيف ''الحائزة على جائزة نجيب محفوظ للرواية''، أن انهيار سلطة الكتابة ناتج عن التحولات التي يعرفها العالم لجهة تعدد وانتشار الوسائط الإعلامية الحديثة، التي أصبحت تتيح النشر دون الخضوع لأي من معايير الجودة المطلوبة، فضلا عن أن معظم أدوار النشر أصبحت مجرد مشاريع تجارية تسعى للكسب المادي ولا يؤرقها العائد الأدبي· وترى زيدان ''أن النقاد يسعون خلف الأسماء المشهورة والمروجة تجاريا، عوض استكشاف المواهب الحديثة والواعدة، وإن حدث وتناولوا أعمالها، فهم يتعمدون وضع مجموعة من الكتاب في سلة واحدة للحديث عن تشكل ظاهرة'' أكثر منه دراسة موضوعية لخصوصية كل مبدع·· وتستثني أمينة زيدان بعض الأسماء النقدية من تلك القائمة، وعلى رأسها، ''جابر عصفور'' الذي قالت إنه يبذل جهودا مقدرة في اتجاه تحكيم ثقافة النقد المعرفي''· من جهته، يرى الشاعر والناقد المصري، شعبان يوسف، أن هناك عدة عوامل إيجابية في المشهد، خاصة فيما يتعلق باتساع فضاءات القراءة، من حيث فتح مكتبات جديدة، وتنظيم حفلات التوقيع للإصدارات الجديدة، التي أصبحت تمثل ثقافة وتقليدا جديدا قد يساهم في مرحلة ما في عملية الاحتفاء بالإبداع بعيدا عن الجوانب الشكلية التي أصبحت تسيطر على المشهد ككل· ويشدد شعبان على أن هناك ظواهر سالبة أضحت تجد مكانها في الراهن الثقافي المصري والعربي، منها ظاهرة ''حمى الجوائز'' التي أضحت تكتسح المشهد، ففي حين ظلت جوائز الدولة تمنح للأعمال الركيكة والمهادنة للسلطة، خرج بعض رجال الأعمال لينشئوا جوائز بأسمائهم، كما هو الحال بالنسبة لجائزة نجيب ساويرس، التي لا يمكن الاعتداد بمصداقيتها، مضيفا ''للأسف الشديد أن أكثر الجوائز مصداقيةً هما جائزتا الجامعة الأمريكية التي تحمل اسم نجيب محفوظ، وجائزة البوكر العربية''· وينفي شعبان أن تكون ظاهرة ''تضاعف عدد الطبعات تعبر عن مقروئية حقيقية''، مشككاً في الأرقام التي تعلن عند الطبع، وذلك في غياب معيار حقيقي لعدد كل طبعة من الطبعات·· إلا أن ذلك لا ينفي، يقول شعبان، ''أن هناك إقبالا حقيقيا تجاه النشر''، وإن كانت أدوار النشر قد تخلت عن دورها الجوهري ونحت نحو ''المنفعة التجارية''، مؤكدا ''أن هناك انتكاسة حقيقية في هذا المجال''··، حيث أصبح الناشر يتوجس حتى من العناوين الاعتيادية خشيةً من الخسائر المادية من جهة، أو نتيجة لسيطرة ''التدين الشكلي'' على المجتمع من الجهة الأخرى، ويدلل على ذلك بأحد الناشرين الذي رفض نشر مخطوط لأحد الشعراء الكبار فقط لأنه تحت عنوان ''الشعر والميتافيزيقية''·