أحيا المطرب اللبناني عاصي الحلاني، نهاية الأسبوع الماضي، بمسرح الكازييف سيدي فرج، حفلا فنيا ساهرا، أمام جمهور متنوع رفع له تحية الاعتراف بأنه فعلا فارس لبنان الأصيل. تزامن الحفل مع اقتراب الساعات الأولى من الخامس جويلية 2013، رغم أن كل الترتيبات لا تشير إلى وجود حدث تاريخي بحكم استرجاع السيادة الوطنية. وكان الكازييف لم يكن السانة الماضية المكان المفضل والمختار لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لاحتضان الاحتفالات الرسمية بالذكررى الخمسين للاستقلال؟ وكأن سماء هذا المسرح لم تعج عند منتصف الليل بملايين المفرقعات التي أشعلت ليل الساهرين، في مقابل أزمة اجتماعية خانقة. كل الأمور بدت مختلفة اليوم، حتى عندما دق منتصف الليل، لم يحض العلم سوى بنشيد وطني ووقفة فلة عبابسة وعبدو درياسة. كانت اللحظة باهتة، مثيرة للشفقة وللتساؤل؟ عاصي الحلاني الصوت الجبلي الأصيل الذي ظل متمسكا بطابعه الأول، ورغم التطورات على مستوى الغناء العربي، الذي أفقده الكثير من السحر، إلا أن عاصي بقي الفارس الذي لم يرتجل جواده. وسهرة أول أمس، كان ببدلته السوداء، جميلا في فنه وحضوره. وك "جنتلمان" من الزمن الغابر، أهدى الجمهور أغانٍ للجزائر، وتمنيات بدوام الاستقرار والاستقلال: "بدنا نعشق بدنا نحب بدنا نتعلم نحب الجزائر"، أغنية تتغنى في الواقع بالشام، وتذكر بالمآسي الحالية لسوريا، ولأنه تمنى أن تبقى الجزائر بعيدة عن الجرح، دعا الجميع إلى تعلم حب الجزائر. كم كانت أغنية "احلف بسماها وترابها" الشهيرة آنذاك بصوت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ. لكن عاصي منحها للجزائر في خمسينية استقلالها. فجاءت على قد مقاس الجزائريين كلهم. «عبد القادر يا بوعلام" الأغنية التي رماها عاصي في أحضان الجمهور، فالتقطها هاتفا ملوحا، لم يكن الجميع ينتظر هذه "الخرجة" الجزائرية من الفارس. ولكنه أكد أن حبه للأغنية وللشاب خالد شجعه على خوض التجربة. وقد تناسب صوت الحلاني مع الأغنية فأداها بتوفق وأضاف إليها طلعاته الجبلية، فدب الحماس في قلوب الحضور الذي فشل في احتلال البهو للرقص. كان أعوان اليقظة "يقظين" للغاية. فرض الحلاني الطباع اللبناني للسهرة، رغم وجود إسمين جزائريين معه في السهرة: فلة عبابسة وعبدو درياسة. لم يكن المجال للتفكير فيهما الآن. والفضل يعود إلى الفرقة الموسيقية المرافقة لعاصي. التي كانت المايسترو الثاني على الخشبة. النجم الآخر الواقف وراء النجم الأكبر. العازفون منحوا للحضور صوتا صحيحا ومثاليا، لمثل هذه المناسبات الفنية، التي قل ما نستمتع بها مع الفرق المحلية أو الوطنية؟ أثار عاصي الحماس إذا، ولأجله رفعت الجالية اللبنانية في الجزائر راية الأرز عاليا، وبالرقص والإشارات حاولوا لفت انتباه نجمهم إليهم، لكنهم فشلوا في تجاوز خط "اليقظة" مرة أخرى. فاكتفوا بالرقص على المدرجات متحملين الشحنات التي يبثها فيهم الضارب على الدبكة بكل قوته. الدبكة التي تعد منبع للحياة لكل سكان المنطقة. في الجهة اليمنى من المسرح التاريخي، وقف رجل يحمل الراية السورية، يتوسطها بورتريه بشار الأسد، وبكل ثقة بالنفس راح يرقص ملوحا برأيه في سماء الجزائر المستقلة. كانت السهرة فسيفساء فنية وثقافية، وانسانية وسياسية أيضا، أبانت على وجود جالية سورية قوية، خاصة بعد حملة اللاجئين منذ العام المنصرم. وقد شكل الجميع قاعدة جماهيرية تعامل مع الحلاني بالتساوي، غير مفرق بين هذا وذاك.باقة من الأغاني أدرجها صاحبها في برنامجه الفني: "أنا يا طيف ضيعني نصيبي"، "جايا تستنبل ورايا"، "انا مريت"، "واه عيني"، "الهوى طاير طاير"، رددها الجميع عن ظهر قلب، ورقص على إيقاعها عاصي بأدب كبير. بعد ساعتين من الفرح والمرح، انسحب الحلاني من المنصة، مخلفا نفوسا ما تزال تطالبه بالبقاء، ومعه فرقته التي حملت متاعها الجميل، لتخلي السبيل إلى نظيرتها الجزائرية. هل ستحافظ فلة عبابسة على هذا الجمهور الذي تركه الحلاني وراءه يشكو رحيله؟ أول لقطة: دخول فلة تغني "عيد الكرامة" للراحلة وردة الجزائرية، أول عثرة على المنصة لصوت "السلطانة" ولفرقتها التي لم تكن تحفظ نوبات العمل الشهيرة للمرحومة فتوكي؟ اللقطة الثانية: تذكر فلة أنها عاشت طويلا في لبنان، وأنها خالطت أجواء عاصي الفنية وتعرفه جيدا؟ هل كان ذلك ضروريا لجلب انتباه الناس يا فلة؟