يعيش سكان قرية رافور ببلدية امشدالة الواقعة على بعد 40 كلم شرق ولاية البويرة على صفيح ساخن، منذ 13 جويلية المنصرم، على وقع وفاة شابة متزوجة وفي مقتبل العمر تدعى "زكري صليحة" ومعروفة باسم "يامينة" في ظروف غامضة، وألصقت بها فكرة "الانتحار" بينما عائلة الضحية تؤكد أن ابنتهم تعرضت لعملية اغتيال، ويهدد السكان بشن حركة احتجاجية عارمة في حالة التماطل في إظهار حقيقة الوفاة، حيث طالبوا بفتح تحقيق صريح وجدي لتحديد القاتل وإدانته. "صليحة" صاحبة ال25 سنة وبالضبط من مواليد 14 فيفري 1988، وهي أم لطفل يبلغ سنتين من العمر، تنحدر من قرية رافور والمعروفة ب "إيواقوران"، عثر عليها متوفية في منزل زوجها بقرية آث يخلف ببلدية امشدالة في الأيام الأولى من شهر رمضان، ورغم مرور أكثر من 20 يوما على رحيلها، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف ما يسميه السكان وعائلة الضحية "الجريمة" سيما ما تبعها من غموض وشبهات في طريقة نقل جثة الضحية إلى المستشفى وإعادتها إلى المنزل. وفي هذا الصدد، أكدت عائلة زكري على لسان الأخوين زكري أحمد وزكري شعبان اللذان التقت بهما "الجزائر نيوز" بمنزلهما العائلي بقرية رافور، أن شقيقتهما صليحة نقلت إلى مستشفى امشدالة في غياب مصالح الحماية المدنية ومصالح الأمن والدرك الوطني، مضيفا أن جثة الضحية حولت إلى مستشفى باب الواد بالعاصمة لإجراء عملية التشريح على خلفية خروج الطبيب الشرعي بولاية البويرة في عطلة عمل. وكشف شعبان زكري أنه رافق جثة شقيقته في سيارة إسعاف من مستشفى امشدالة إلى باب الواد "وصلنا إلى منطقة بودواو، تعرضت سيارة الإسعاف إلى عطب، بقينا هناك ساعتين ونصف قبل أن تأتي سيارة إسعاف أخرى لتوصل الجثة إلى المستشفى"، مضيفا "وصلنا في حدود الساعة الرابعة والنصف مساء، لكن الطاقم الطبي أخبرنا أن الجثة يجب أن تقضي الليلة في مستشفى باب الواد إلى غاية صبيحة اليوم الموالي لإجراء عملية التشريح وتحججوا بمغادرة الطبيب الشرعي للمستشفى". والمفاجأة يقول شعبان "حدثت بعدما غادرنا المستشفى عائدين إلى البويرة، حيث سمعنا في حدود الحادية عشرة ليلا أن جثة شقيقتي خرجت من مستشفى باب الواد وتم نقلها مباشرة إلى منزل زوجها بقرية آث يخلف ونجهل إن أخضعت للتشريح أم لا". وفي هذا الصدد، أكد مصدر طبي من مصلحة الاستعجالات بمستشفى امشدالة ل "الجزائرنيوز" أن إجراء تحويل جثة الضحية من مستشفى باب الواد مباشرة إلى المنزل مخالف تماما للقانون، موضحا أنه بعد تحويل جثة الضحية إلى مستشفى باب الواد وإخضاعها للتشريح كان يتطلب أن تعاد الجثة إلى مستشفى امشدالة ولن تخرج منه إلا بوثيقة ترخيص بالدفن يصدرها وكيل الجمهورية، وهذا ما لم يحدث في قضية جثة صليحة التي نقلت من مستشفى باب الواد إلى المنزل ما خلق جدلا كبيرا أوساط السكان والعائلة. وكشف مصدرنا الطبي أن الممرض الذي تكفل بنقل الجثة اعترف أنه يجهل هذا الإجراء. وأكثر من ذلك، أكد الأخوان زكري شعبان وزكري أحمد أن العائلة لم تعلم بخبر وفاة ابنتهم إلا بعد مرور عدة ساعات "أحد معارفنا كان يتواجد في مستشفى امشدالة اتصل بنا وأخبرنا أن شقيقتي توفيت"، مضيفا "سارعنا إلى المستشفى للتأكد من الأمر وأخبرني زوجها أنها انتحرت على باب نافذة غرفة نومها". وأكد الأخوان أحمد وشعبان أن التصريحات المتناقضة والإشاعات المنتشرة التي تبعت القضية زرعت في نفسيهما شكوكا كثيرة عن طبيعة وفاة صليحة. وأكثر من ذلك، والأمر الذي زاد من شكوك العائلة حول حقيقة انتحار ابنتهم يقول أحمد: "عندما وقفت على جثة شقيقتي بالمستشفى لاحظت أثار الضرب والاعتداء على وجهها وتلطخت ملابسها السفلية بالغبار؟". الرواية التي لا تريد عائلة صليحة أن تصدقها هي فكرة "الانتحار"، حيث أكد شقيقها أحمد أنه وفي حالة إجراء تحقيق صريح وجدي من طرف الجهات الأمنية والقضائية سيتم اكتشاف القاتل وملابسات الجريمة، مفندا كل الإشاعات التي تقول إن شقيقته انتحرت كونها تعاني أزمة نفسية وعصبية حادة وأنها مصابة بمرض السرطان، وهي إشاعات - حسبه - تم ترويجها بدائرة امشدالة، إلا أن السكان والعائلة لا يريدون أن يصدقوا ما أسموها "أكاذيب وإدعاءات باطلة" سيما في ظل غياب الأدلة الطبية، حيث أكد أحمد زكري أن شقيقته صليحة لا تعاني أية أزمة نفسية أو عقلية "أتساءل متى تعرضت لهذه الصدمة؟ فهي دائمة الاتصال بالعائلة وتزورنا بصفة متكررة"، مضيفا "إذا كانت مريضة بالسرطان فأين هو الملف الطبي؟ وإذا أصيبت بالجنون من هو الطبيب المختص في الأمراض العقلية الذي يتكفل بعلاجها؟"، ويضيف شقيقها شعبان "نحن نتحدى أي طرف يمكن أن يأتي بملف طبي يثبت هذه الإدعاءات لأننا متأكدين أن صليحة اغتيلت". وكشفت العائلة أنها رفعت دعوى قضائية ضد مجهول بتهمة الاغتيال "لا نتهم أي شخص وما نطالبه فقط هو فتح تحقيق دقيق وصريح لتحديد القاتل وهذا من صلاحيات الجهات المختصة". لم يهضم سكان قرية رافور وعائلة الضحية الصمت الممارس على هذه الجريمة من طرف مختلف الجهات المعنية، حيث نظموا، ليلة الخميس المنصرم، اجتماعا على هامش الاستقبال المخصص لتقديم التعازي بمنزل والديها، وقرروا ممارسة الضغط على الجهات القضائية والأمنية لدفعهم إلى فتح تحقيق جدي للكشف عن ملابسات الجريمة، حيث سارعوا إلى الإعلان عن حركة احتجاجية ليوم السبت، وقاموا بإصدار بيان علقوه في كامل أحياء وأزقة قرية رافور، وبرمجوا غلق الطريق الوطني رقم 15 الرابط بين البويرة وبجاية والخروج في مسيرة شعبية. واستدعى الأمر تنقل رئيس كتيبة الدرك الوطني بامشدالة على جناح السرعة وفي فترات الليل إلى منزل الضحية بقرية رافور وقابل عائلتها والسكان، حيث طالبهم بعدم الاحتجاج واجتناب استخدام العنف، وأكد لهم أن الضحية أخضعت لعملية تشريح ويجب انتظار النتائج، وطمأن العائلة والسكان على أحقيتهم في المطالبة بإعادة عملية التشريح في حالة عدم الاقتناع بالنتائج، وصرح لهم أنه في حالة اتخاذ العائلة قرار إعادة التشريح، سيتم استخراج الجثة ويعاد تشريحها من جديد من طرف طبيب شرعي آخر. ورغم أن السكان الغاضبين في البداية تمسكوا بقرار الاحتجاج واتهموا الجهات القضائية والأمنية بعدم القيام بواجبها في هذه القضية، لكن تدخل رئيس كتيبة الدرك بامشدالة وبعض عقلاء قرية رافور أقنعوهم بضرورة التعقل والاحتكام للعقل. وقرر بعدها السكان تأجيل الحركة الاحتجاجية إلى بعد عيد الفطر، وقدموا مهلة للجهات القضائية والأمنية لفتح تحقيق وكشف الحقيقة في أقرب الآجال. هذا، وقد دعا عقلاء قرية رافور السكان إلى ضرورة تجنب كل أنواع الاحتجاج العنيفة التي بإمكانها أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، حيث أصروا على ضرورة التمسك بخيار الاحتجاج السلمي، خصوصا أن قرية رافور معروفة على مستوى منطقة القبائل أنها من بين أكبر القرى التي لا تزال تحافظ على التضامن الاجتماعي بين السكان وأن ما يسمى "ثاجمعث" هي الركيزة الرئيسية في تسيير شؤون القرية مهما كان نوعها وثقلها.