فكرت طويلا قبل أن أكتب لك.. أجل فكرت، طويلا، لأنني وأنا أهمّ بالكتابة إليك خالجني شعور غامض مضطرب، وماجت في أعماقي أحاسيس متناقضة ما انفكت تبعث في نفسي أشياء مثل الألم والحسرة والحزن.. ببساطة، لأنك، كنت منذ البداية في نظري مثالا للمرأة النزيهة، الشجاعة، الذكية والبطلة.. أتذكر جيدا، خرجاتك في قلب الإرهاب رفقة رفيقاتك وصديقاتك في شوارع العاصمة، حيث كان بعض الرجال يتمسحون بالحيطان ويدفنون أنفسهم وأصواتهم في سكوت وخنوع بغيضين.. كنت وصديقاتك مثالا كبيرا بالنسبة إلي في الشجاعة والنبل.. كيف لي، أن أنسى ذلك الشعار الشهير الموجه لرئيس الدولة آنذاك ليامين زروال، يا زروال ما تنحيش السروال... كان شعاركم حادا وصادما لكنه رائع يا خليدة.. ولقد لاحظت أنني أخاطبك بدون تلك الكلمات المزيفة التي لا أحبها، ولا أعطي لها وزنا، مثل، معالي الوزيرة... لأنني يوم أحببتك كنت مجرد خليدة، مجردة من الألقاب الفخمة المزيفة والخادعة.. والآن؟! هل لازلت نفس خليدة النقية، الشجاعة، الرافضة للظلم والعدوان؟! طبعا، لا، وأقول ذلك بكل أسف وحزن.. وكذلك بكل غضب وأسى... من ذا الذي غيرك، وأفقدك جوهرك؟! دون شك السلطة، لكن كيف تغير السلطة شخصا مثلك كان رمزا للحرية والشجاعة؟! السلطة في نظري تتمكن من أولئك الذين لا روح لهم، ولا شخصية لهم، ولا تراث، طريق عامر بالنضال والمقاومة.. حسب ظني أنت لم تكوني من طينة هؤلاء.. فما الذي حدث؟! ذات مرة رأيتك في إحدى المناسبات تتصرفين بشكل قاتل وسخيف، فقلت لنفسي "هل هذا معقول"؟! كيف تسقط خليدة الكبيرة إلى هذا المستوى الذي يليق بكل مسؤول لا معنى لوجوده وحياته خارج مسؤوليته، لقد أصبحت تتصرفين كأية طاغية صغير مع مرؤوسيه.. أصبحت لا تسعدين إلا بمن يبرزون لك الولاء بشكل مضحك وتراجيكوميدي.. أحطت نفسك بحاشية من الرجال الصغار، فمنحتهم فتات المائدة وصاروا يفرحونك وهم يسبحون أمامك باسمك.. بعض من تعاونوا معك غضبت عليهم أشد الغضب، وأبعدتيهم عن مراكزهم، فقط لأنهم لم يبدوا لك الطاعة، طاعة العبيد المطلوبة منهم.. لم يعد يهمك لا نهضة الثقافة، ولا صحوة الفن.. كل ما أصبح يهمك هو هذه البهرجة والفولكلور المبتذل الذي يخفي فظاعات في التبذير وتبديد المال العام ونشر الفساد.. لقد شعرت بالحزن، عندما رأيت من كانوا قامات في الأدب والفن كيف تحولوا على يديك مجرد أقزام، ومجرد خدم، يضحكون عندما تضحكين ويعقدون حواجبهم عندما تكشرين... لقد توصلت إلى حقيقة مفيدة، منتشرة لكنها تتسم بالكثير من الابتذال، ومفادها ادهن السير يسير، توصلت أنه عن طريق الإغداق بالمال والمنصب تتمكنين من التحكم في الكثير من الرقاب.. وهذا ما حدث مع العديد ممن وضعتهم على رأس مناصب المؤسسات الثقافية... فقط هناك شخص رائع قدم للسينما الجزائرية خدمات جليلة.. كان على رأس السينماتيك تمكن أن يكون نفسه، أن يرفض تمثيل دور العبد أو الوصيف.. وقال لك، لا.. فعندئذ، كدت لا تصدقين أنك لم تتحولي بعد إلى إله أو نصف إله.. فغضبت غضبتك الشهيرة عليه ورحت تضيقين عليه أزقه وأخرجته من السينماتيك إلى التقاعد بأجر لا يتجاوز 12 ألف دينار.. لكن بوجمعة كاراش صمد وهو شبه الضرير، صمد في الكتابة، في قول حقيقته على طريقته وفي رسم شهادته على الزمن الرديء.. وعلى الذين يسقطون في الطريق... لست أدري إن كانت رسالتي توقظك من سباتك المعسول بالأوهام، أم أن ذلك لا يزيدك إلا إصرارا على اتباع الطريق الضال... مع تحيات المعجبة بك سابقا نون الباز