شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. الأديب مصطفى صادق الرافعي يعد من الرموز الذين لا يُشق لهم غبار في مجال الأدب العربي، أصيب بالصمم في الثلاثين من عمره، ولكن ذلك لم يكن عائقا في سبيل تلك الشهرة الأدبية الواسعة التي حققها الرفاعي. حيث يعد الرافعي من كبار الكتاب العرب، ومن كبار كتاب المقالات، كما يعد من الأدباء الإسلاميين الذين خدموا الإسلام بأدبهم وشعرهم. ولد الرافعي في قرية بهتيم بمصر، في جانفي 1880، عمل والده عبدالرزاق رئيسا للمحاكم الإسلامية الشرعية في كثير من الأقاليم، حتى عمل رئيسا لمحكمة طنطا الشرعية. عرف عنه الشدة في الحق، والورع الصادق، والعلم الغزير. وأمه هي ابنة الشيخ الطوخي من أصول حلبية، وكان والدها تاجرا تسير قوافله ما بين الشام ومصر، وأقام في قرية بهتيم. عجّ منزل والده بالعلماء من كل حدب وصوب، وزخرت مكتبة والده بنفائس الكتب، وأتم حفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من عمره. انتسب الى مدرسة دمنهور الابتدائية، ثم انتقل إلى مدرسة المنصورة الأميرية، التي حصل منها على الشهادة الابتدائية وعمره آنذاك سبع عشرة سنة. أصاب الرافعي مرض لم يتركه حتى أضعف سمعه وفي سن الثلاثين أضحى أصم تماما. اضطره المرض إلى ترك التعليم الرسمي، واستعاض عنه بمكتبة أبيه الزاخرة، إذ عكف عليها حتى استوعبها وأحاط بما فيها. عمل في عام 1899 ككاتب محكمة، نظم الرافعي الشعر في بدايات شبابه، قبل بلوغه العشرين من عمره، وأصدر ديوانه الأول في العام 1903 الذي كان له صدى عظيم بين كبار شعراء مصر، إذ كتب فيه البارودي والكاظمي وحافظ ابراهيم شعرا، كما أرسل له الشيخ محمد عبده وزعيم مصر مصطفى كامل له مهنئين.. وبمستقبل باهر متنبئين. وفي العام 1912 رحل إلى لبنان، حيث ألف كتابه "حديث القمر"، وصف فيه مشاعر الشباب وعواطفهم وخواطر العشاق في أسلوب رمزي على ضرب من النثر الشعري البارع، وبعد وقوع الحرب العالمية الأولى، ونزوع المستعمر إلى تحويل جميع خيرات البلاد لهذه الحرب، ما ترك أهلها ضحايا للجوع والفقر، ما جعل أرقام هؤلاء تزيد على ضحايا الحرب ذاتها. نظر الرافعي حوله فرأى بؤسا متعدد الألوان، مختلف الصور والأشكال، فانعكس ذلك كله في كتابه "كتاب المساكين". في العام 1924 أخرج كتاب رسائل الأحزان، عن خواطر في الحب، ثم أتبعه بكتاب السحاب الأحمر الذي تحدث فيه عن فلسفة البغض وطيش الحب. تلا ذلك كتابه "أوراق الورد" ذكر فيه حنين العاشق المهجور، ومنية المتمني وذكريات السالي، وفن الأديب وشعر الشاعر. في العام 1934 بدأ الرافعي يكتب كل أسبوع مقالة أو قصة، ليتم نشرها أسبوعيا في مجلة الرسالة، التي أجمع الأدباء والنقاد على أن ما نشرته الرسالة لهو أبدع ما كتب في الأدب العربي الحديث والقديم، جمع أكثرها في كتاب "وحي القلم". إستطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمس وثلاثين سنة انتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي. كان الرافعي ناقدا أدبيا عنيفا حاد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس. توفي الرافعي عن عمر يناهز 57 عاما، ففي يوم الإثنين العاشر من ماي من العام 1937 استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا.