شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. وصفه المغني والممثل الأميركي الراحل "فرانك سيناترا" بالعبقري والأسطورة، وذلك لما قام به من تطوير في عالم الموسيقى. فقد قام برفع مستوى موسيقى الريف "Country Music" إلى درجات أعلى مما كانت عليه وذلك بإضافة أصوات سول Soul إليها. وقد كان تشارلز يقوم بكل من العزف، والغناء، والتمثيل وهو كفيف. وكان قد بدأ في الفقدان التدريجي لنظره عندما كان عمره 5 سنوات ثم أصبح كفيفاً تماماً بعد سنتين من ذلك. وعلى الرغم من إعاقته البصرية إلا أنه لم يتوقف عن الإبداع الموسيقي طوال حياته. ولد راي تشارلز في 23 سبتمبر 1930 في آلباني في ولاية جورجيا في عائلة فقيرة في ظل أجواء الفصل العنصري، في سنّ الخامسة، شاهد بأم عينه غرق أخيه الأصغر، ويرجَّح أنّ تلك الحادثة سبّبت فقدانه التام للنظر بعد سنتين. انتقل الولد الضرير مع أمه إلى ولاية فلوريدا، حيث درس الموسيقى والعزف على آلتي البيانو والألتو ساكسوفون. وبدأ صغيراً يكسب رزقه من العزف على البيانو في إحدى الفرق، وتأثر بالأنماط الموسيقية التي انتشرت في تلك المنطقة، ولا سيما موسيقى السود والفقراء: بلوز، غوسبل، جاز... في عام 1947، انتقل إلى سياتل آملاً بتحقيق نجاح إضافي. وهنا بدأ الغناء والعزف مع فرقته الخاصة، وتعرّف إلى موسيقيّين ومنتجين آمنوا بموهبته الفريدة، بينما بدأ يكوّن شخصيته الموسيقيّة... وقد استقرّ على غناء السول، وخصوصاً ال«آر & بي". في تلك الفترة، أصدر ألبومات عدة حقّقت نجاحاً كبيراً، وأدخلت صاحبها إلى مجتمع البيض. وانتشر عددٌ من أغنياته مطلع الستينيات في كل العالم، فرقص على أنغامها شباب وشابات تلك المرحلة الصاخبة، وقد أتت بصوته أو بصوت العشرات ممن أعادوا غناءها. وفي وقت كانت فيه أعماله تحتل المراتب الأولى في المبيعات والإذاعات، وقع راي في فخّ المخدرات فأدمن الهيرويين الذي أدخله السجن، لكنّه أفلت من هذا الفخّ الجهنّمي الذي تخبّط فيه قرابة عقدين. حاز راي تشارلز "جوائز غرامي" عدّة، بفضل أغنيات باتت اليوم من كلاسيكيات موسيقى ال«آر & بي" والسول. كما نال جوائز كثيرة أخرى خلال مسيرته الغنية. ظلّ هذا المغنّي الضرير، صاحب المحيّا الباسم، نشيطاً يجول العالم ويصدح بصوته الرخيم من وراء البيانو، وقدّم آخر حفلة له عام 2003 ضمن مهرجانات موسيقية عالمية. لكنّ سرطان الكبد ألزمه الفراش في أيامه الأخيرة، قبل أن يصرعه في 10 جوان 2004، في منزله في بيفرلي هيلز (كاليفورنيا). قبيل رحيله، التقى راي تشارلز المخرج الأميركي تايلر هاكفورد الذي كان ينوي تنفيذ عمل سينمائي يتمحور حول حياة هذا المؤلف والمغني، وأعماله. وكما في كل الأفلام التي تتناول شخصية مشهورة في العالم، كانت هناك صعوبة في اختيار الممثل الذي سيؤدي الدور الرئيس في "راي". عندما طُرح اسم المغني والممثل الكوميدي الأميركي جيمي فوكس، التقاه راي تشارلز، وجلسا وجهاً لوجه، كلٌ خلف آلة بيانو. هكذا، قاما بمبارزة أراد منها تشارلز التأكد من موهبة فوكس، لمعرفة قدرته على أداء الدور الرئيس في الفيلم. بعد ساعتين، ابتسم تشارلز ومنح بركته لجيمي فوكس الذي نال أوسكار أفضل ممثل عن دوره في الفيلم... فأهدى الجائزة إلى "راي" الذي كان قد غادر هذا العالم.