اليوم فقدت الجزائر أمة وليس رجلا واحدا. باحث كتب في تاريخ الجزائر من 1516 إلى 1962، أي منذ دخول الأتراك إلى خروج فرنسا مهزومة من بلادنا. وهو مشروع بحث ضخم، التزم به وتحمّل مشقته، وسدّ بذلك فراغ كبير كان من المفروض أن تتكفل به الدولة وليس شخصا واحدا. الا أن الدكتور سعد الله، ظل مقتنعا بجدوة خطوته، وهذا ما لامسته عندما حاورته مطولا في 2008، وقد سعد بذلك كثيرا، وأجدني اليوم فخورا ومتألما في نفس الوقت، لأن الكتاب سيعرف طبعته الثالثة قريبا، بعد نفاذ الطبعتين الأولى والثانية. أبو القاسم سعد الله هو أول جزائري يحوز على دكتوراه في التاريخ، رفقة زميله ورفيقه عمار طالبي، وكانا عضوين في مجمع اللغة العربية، وقد عرف شخصيات تاريخية على غرار عبد الكريم الخطابي، الذي التقاه في بداية الخمسينات بالقاهرة، لمّا كان المقاوم المغربي مشرفا على مكتب تحرير المغرب العربي. اللقاء ذاك، كان الوسيط فيه العلامة الجزائري البشير الابراهيمي الذي كانت تربطه علاقة طيبة بسعد الله. لا أدري إن كانت كلها معتمدة بالشكل الذي يليق بالرجل وبقوة أبحاثه ومصداقيتها وعلميتها أيضا. والأكيد أن أعماله هي مصدر ومرجع آلاف الطلبة، الذين تخرجوا على يده. كان يقول لي إن الإنسان في حياته اما خيران، إما أن يقبل بتقلد مسؤولية ما أو أن يتفرغ للبحث في شتى أنواع العلم والمعرفة. والمسؤولية والعلم لا يلتقيان. ظل المرحوم زاهدا عن المسؤوليات، رغم العروض التي قد يجدها غيره مغرية، واعلم أنه في عهد قاصدي مرباح اقترح كوزير للثقافة ورفض، كما استدعاه يوما العربي بلخير وطلب منه قبول نفس المنصب إلا أن سعد الله اعتذر. كان يقول "الله خلقني لأبحث". للأسف أدخل المستشفى مرات عدة، ولم تتفطن المؤسسات العمومية الكبرى على الأقل لهذا الرجل الذي فقدناه إلى الأبد. ولولا تبادل الأخبار على شبكة الفيسبوك، لظل مرضه حبيس أهله وجدران المشفى. أصلا لم يكن يحب تضخيم الأمور، كان متحفظا ومتواضعا، وهو الشاكي من آلام فظيعة في العمود الفقري، وما ضره أكثر نسبة الملح المنخفضة في الدم، فدخل الإنعاش أكثر من مرة للأسف. لا شك في ذلك، نحن بحاجة إلى كل الرصيد المعرفي من كتب ووثائق تركها المرحوم.