يعد الدكتور عبدالله الركيبي، الذي رحل في 19 أفريل الجاري، رمز المثقف النبيل. اشتغل بالسياسة والديبلوماسية، لكنه ظل وفيا لوسطه الاجتماعي. وهو المثقف النقدي الذي خدم أفكاره ومبادئه وليس مصلحته الشخصية. وكان بمثابة الكاتب اليقظ في زمن التحوّلات الكبرى والمراجعات. يجمع كل من عرف الدكتور الراحل عبدالله الركيبي، أنه لم يكن من النوع الذي تغرّه مناصب ولا أموال، لطالما عاش زاهدا عن الماديات واعتبرها من الكماليات، وسعى جاهدا إلى تقديم الجديد وإثراء الحقل الأدبي والفكري. محمد ساري: ''كان يرى أن الفرد الجزائري يتحسس من النقد'' قال محمد ساري إن عبدالله الركيبي، بدأ حياته الأدبية مؤلفا مسرحيا. ونشر أول مسرحية له في تونس سنة 1956، بعنوان ''مَصرع الطغاة''. وكان له رأي في النقد الأدبي، محوره أن الفرد الجزائري جد حساس من النقد. يعتبر الدكتور عبد الله الركيبي، حسب محمد ساري، من النقاد القلائل الذين يملكون وعيا نظريا بالمصطلحات التي يستخدمها. ويؤكّد أنه ينبغي على الدراسة الأدبية النقدية أن تتناول العناصر المختلفة التي يتكون منها العمل الفني، سواء من حيث الموضوع أو الشكل أو المضمون حتى تكون الدراسة وافية متكاملة. وكان الركيبي يدعو، حسب ساري، إلى ''منهج متأمل في النقد يستفيد من العلوم الإنسانية كلها، ولكنه يراعي النص بالدرجة الأولى، لا معزولا عن صاحبه وبيئته، بعيدا عن الأهواء والأحكام العامة المسبقة''. وقال ساري إن ''الركيبي كان يعتقد أن الفرد الجزائري حساس من النقد بوجه عام. فما بالك بالأديب الذي يتمتع بفرط من الحساسية؟ أغلب الأدباء لا ينظرون للنقد على أنه عامل يساعدهم على التطور، وإنما ينظرون إليه على أنه هدم لملكاتهم وقدراتهم الأدبية''. والأدباء الجزائريون، حسب الدكتور الركيبي، لا يفضلون إلا المقالات المادحة التي تنوّه بالخصائص المتميزة لإنتاجهم. وأضاف ساري: ''إنها ظاهرة منتشرة في الحركة النقدية الجزائرية بعد الاستقلال، وتسبّبت في الخروج عن القول اللائق المتخلق، إلى الشتم والقذف والاتهامات المجانية، وخلقت خصومات أدبية عنيفة، حيث انتقلت إلى مستوى الأشخاص في علاقاتهم اليومية مع بعضهم البعض''. رابح بوكريش: ''كان شخصا أصيلا غزير الإنتاج'' قال رابح بوكريش، إن المرحوم عبدالله الركيبي ترك أثرا كبيرا في الأدب الجزائري، فقد كان شخصا أصيلا غزير الإنتاج، يسعى إلى البحث والتجديد ويصبو دائما للإضافة والإثراء، كاشفا أنه أهداه، مؤخرا، من مكتبته مجموعة كاملة ونادرة للسان العرب والمتكونة من 18 جزءا. وأضاف بوكريش أنه عايش بعض الوقفات مع المرحوم، ومنها تلك التي جمعته به شهر مارس الماضي، حينما دعاه المرحوم لزيارته، واشتكى بقاءه مستيقظا طوال الليل جراء الضغط الدموي، مردفا ''لقد قال لي إنه مرض العصر، فما عساني أفعل مادام هذا قضاء الله وقدره، وأعلمني بأنه يحس بقرب أجله، وأنه مثل سيارة كوبا التي تعود إلى الخمسينيات من هذا القرن، فتبدو جديدة ولكنها في الداخل غير ذلك''. وذكر بوكريش بأن المرحوم كان من القلة النادرة، الذين لا تغريهم المناصب العليا والمسؤوليات، مواصلا ''والمدهش أنه لم يدخل ولو مرة واحدة إلى المطعم الذي كان مخصصا لأعضاء مجلس الأمة، وحتى المبلغ المقدم للأعضاء لشراء سيارة جديدة رفضه، لذلك كان يقول عنه المرحوم البشير بومعزة، إنه رجل ثقافة''. مصطفى فاسي: ''فضّل العيش في شقة متواضعة بحي شعبي'' قال الدكتور مصطفى فاسي، إن عبدالله الركيبي من طينة نادرة، فقد عاش كريما، محبا لطلبته، عاشقا للحياة الأسرية بين أفراد عائلته، ولا شيء كان يستهويه سوى المكوث في بيته المتواضع بين كتبه. وكان الركيبي، حسب فاسي، زاهدا، تبرع بكتبه لكلية الآداب، وكان صاحب مواقف لا تنسى لما اختير عضوا في مجلس الأمة، فقد رفض أخذ المبلغ المالي المخصص لكراء شقة كما هو معمول به في مجلس الأمة. وقال إنه يسكن في العاصمة، وليس له حاجة لكراء منزل آخر، فبيته المتواضع الكائن بحي شعبي، هو الذي كان يليق به. وأضاف فاسي، أن زهد الركيبي وتواضعه وعدم انسياقه وراء المال، هو الذي جعله يرفض مبلغ الخمسين مليون دينار، التي منحتها وزارة الثقافة كهبة للكتاب والمثقفين. نور الدين السد: ''رفض أخذ مبلغ خمسة آلاف دولار منحتها له جامعة حلب'' قال الدكتور نور الدين السد، أستاذ الأدب بجامعة الجزائر، إن المرحوم عبدالله الركيبي يعد مثالا للإنسان الزاهد الذي لا يغريه المال. وروى الدكتور السد الذي تعرف على الركيبي لما شغل منصب ملحق ثقافي في السفارة الجزائرية في دمشق، أن جامعة حلب استضافت الدكتور الركيبي لإلقاء سلسلة من المحاضرات على الطلبة حول النقد الأدبي، وبعد الانتهاء من المحاضرات جاء المكلف بالمالية على مستوى جامعة حلب، فأعطاه مبلغ خمسة آلاف دولار، كأجر مقابل المحاضرات التي ألقاها على الطلبة، فابتسم الركيبي ورفض أخذ المبلغ، وقال: ''أقترح عليكم أن تشتروا كمية من الكتب للطلبة بهذا المبلغ. وذلك ما كان فعلا''.