''يمكن القول إن مظاهر ''الفتنة الكبرى'' التي نشبت بين مصر والجزائر منذ الإعداد للمباراة المعنية، والتي تستمر إلى اليوم، ترجع في حقيقة الأمر إلى ما أدعوه هنا ب ''التفريغ اللاشعوري'' لشحنة من الانفعالات السلبية التي أخذت تتراكم منذ ما لا يقل عن ثلاثة عقود من الزمن في وجدان كل من أهل مصر وأهل الجزائر: شحنة من الشعور بالضيم والدونية''، بهذا خرج المفكر المغربي الكبير الدكتور محمد عابد الجابري عن الصمت إزاء ما حدث في الأسابيع الأخيرة بين الجزائر ومصر إثر المباراة الرياضية التي هزم فيها المنتخب الجزائري نظيره المصري وتأهل من الخرطوم إلى المونديال. مباراة أفرزت أزمة بين البلدين سيما على الصعيد الإعلامي بالدرجة الأولى، وهي الأزمة التي ألقت بظلالها على مستويات أخرى وخرجت على حدود العقل والمنطق وما تفرضه العلاقات بين الدول خاصة من الجانب المصري الذي غرقت ترسانته الإعلامية في عمومها في بئر الشتم والقذف المجاني للجزائر بلدا وشعبا وحكومة وتاريخا· مقاربة الجابري التي يقرأ فيها هذه الأزمة، والتي وصفها ب ''الفتنة الكبرى'' على غرار الفتن التي عرفها التاريخ الإسلامي وعلى رأسها الفتنة الكبرى القديمة بين ''علي ومعوية '' رضي الله عنهما وذلك حسب ما جاء في صحيفة ''هسبريس '' المغربية نهاية الأسبوع الفارط، في البداية يؤكد الجابري قائلا: ''أستطيع أن أغامر فأؤكد أنه لو جرت هذه المباراة بين الجزائر والمغرب (اللذين لم تعد تربطهما سياسيا سوى حدود مغلقة وتوترات معلنة) لكان الوضع يختلف تماما: سيجد المغاربة في الجزائر والجزائريين في المغرب ترحيبا كبيرا جدا، أو على الأقل فاترا ولكن مكبوتا، وذلك حسب ما سيكون عليه موقف السلطات في هذا البلد أو ذاك''· ويضيف الجابري في هذا السياق ''في جميع الأحوال لا أتوقع أن يحدث لا في الجزائر ولا في المغرب، مثل تلك التعبئة الإعلامية التي سبقت المباراة ورافقتها وامتدت بعدها، في كل من مصر والجزائر، والمؤكد أنه لن تُرشَق (أو تُرجم)، لا قريبا من مطار الجزائر أو مطار المغرب ولا بعيدا عنهما، الحافلة الحاملة للفريق المنافس القادم إلى مكان المباراة''· محمد عابد الجابري، ولدى تحليله للظاهرة وهو يتساءل ''لماذا'' خلص إلى اجتهاد مؤداه أن مرد ما حدث يرجع إلى ''ما أدعوه هنا ب ''التفريغ اللاشعوري'' لشحنة من الانفعالات السلبية التي أخذت تتراكم منذ ما لا يقل عن ثلاثة عقود من الزمن في وجدان كل من أهل مصر وأهل الجزائر''، قبل أن يضيف موضحا ''شحنة من الشعور بالضيم والدونية، أو بفتور في الإحساس بالكرامة والأمل في المستقبل'' · الجابري يمضي في تحليله للظاهرة، فيعتبر أن هذا الشعور هو ما يسميه الجزائريون ب ''الحفرة'' بعد وضعية انتصار كبير للثورة الجزائرية وحالة من العظمة· ونفس الرأي يذهب إليه الجابري فيما تعلق بمصر، إذ يقول ''نفس الشعور بالضيم والدونية عاشته وتعيشه مصر منذ أزيد من ثلاثة عقود، أي منذ أن كفت مصر عن أن تكون ''أم الدنيا''، لا على مستوى تاريخ الفراعنة وميراثه الرمزي، بل منذ أن تدنى وضعها في العالم العربي، وبالتالي في العالم كله، بسبب ما حدث في حرب ,1967 مع الاعتقاد، عن حق، بأن ذلك الذي حدث لم يكن بسبب إفراط مصر بالاهتمام بنفسها (ولو أن شيئا من ذلك قد يكون حصل بالفعل) ولكن بسبب ممارستها لدورها ك ''أم الدنيا'' في العالم العربي والإسلامي: تنويرا وتثقيفا وتثويرا وتسليحا وتحريرا·