عندما اصطدمَ قادةُ اتّحاد "الكُذّاب" الجزائريين برئيسهم السابق، قبلَ نحو سبع سنين عجاف، اجتمعوا في جنح الليل وقرّروا الانقلابَ عليه، لأنّه استأثرَ بالقرار ولم يعد يستشيرهم لا في صغيرة أو كبيرة؛ لا في ميزانية التسيير ولا في مواصفات السكرتيرة المحتمل توظيفها. وتشاوروا فيمن يُمكنُ أن يخلفه في الرئاسة، على أن تتوفّرَ فيه كلُّ مواصفات الرئيس: شخصية ضعيفة، اللاكفاءة، الانصياع، الأصول الإبداعية المشكوك فيها، الجبنُ، محدودية المستوى العلمي. فوقعَ الاختيارُ على "فلان"، ونصّبوه في اليوم الموالي "زعيما" لفترة انتقالية، ريثما ينعقد المؤتمر، وتتّفقُ الجماعة على انتخاب رئيس حقيقيّ، ذي وزن وقيمة في المجال، ويُمثّلُ "الشريحةَ" أحسنَ تمثيل. عندما جلسَ "ثلاثةُ أرباع الرئيس" على الكرسيّ، شعرَ بدفء غريب يخترقُ جسدَه، وبمرور الأيام استأنسَ للمكان، ولم يعد يذهبُ إلى بيته إلاَّ في المناسبات والمصائب، وقرّرَ بصفة نهائية أن يقيمَ إلى الأبد على هذا الكرسيّ العجيب الذي ينبعثُ منه دفءٌ تصعبُ مقاومةُ سحره، فراح بدوره وفي "جنح الليل"، يُفكّرُ في الطريقة التي تحقّقُ رغبته بالبقاء زعيما أبديا وليس مجرّد مكلّف برئاسة انتقالية. فجمعَ أشباهَه منَ "الكذّابين" في كامل تراب الجمهورية، منَ المطعون في نسبهم إلى فصيلة "الكذّاب"، وعدّلَ القانونَ الداخليّ للتنظيم، ودعا في غفلة عن "الناخبين الكبار"، إلى مؤتمر استثنائيّ وجدَ فيه القادةُ أنفسَهم "أقلية"؛ فبايعته الأغلبية "زعيما" شرعيا، وحقّقَ بذلك حلمه بالبقاء "رئيسا".. ومنذئذ لم يعد يفكّرُ إلاَّ في كيفية "الخلود" والموت "كذلك". لم يستوعب "القادة" السابقون كيفَ أصبحوا في "رمشة" عين، خارج مركز صنع "الكذب"، فانتفضوا، وهدّدوا، واشتكوا، وندموا كثيرا على الإطاحة بزعيم "الأقلية الساحقة"، فهو على الأقلّ كان يتوفّر على "الصفة النوعية"، وإلى ذلك كانَ رجلا "شبعانا" وأنيقا، يختارُ بعناية ألوان هندامه و«ماركتها"، ويعرفُ جيّدا متى يتحدّث ومتى يصمتُ، فإذا كذبَ صدّقه الجميع، وإذا شربَ أمتعَ وأكرمَ.. ونكايةً فيهم أسّسَ تنظيما جديدا لل "كُذّاب الرسميين" وطلّقَ الهواةَ إلى الأبد. وعندما يئست الجماعةُ من محاولاتها الفاشلة استعادة الصرح، بالدعوة إلى الاعتصام بعين المكان، ورفع لافتات هتك عرض "الشرعية"، وخرق "القوانين"، والتزوير واستخدام المزوّر وانتحال الصفة، وإبرام صفقات مخلّة بالتشريع الجاري...؛ تفكّكت وتوارت عن الأحداث والأنظار. شرعَ الزعيمُ الجديد في تغيير أقفال المقرّ، وجلبَ له حراسا من مسقط رأسه، يمنعونَ "الكّذّاب" وأشباههم من الدخول، وحرصَ على أنَّ المسألةَ صارت "عائلية" بحتة، فعقد "قرانه" العُرفيَّ على "السكرتيرة"، وحوّلَ المكتبَ إلى غرفة نوم، والبهو إلى غرفة استقبال، أمّا قاعة "المحاضرات" فقد أصبحت بقرار عائليّ سيّد "صال دي فات"، تمكّنُ مداخيلها من تأمين فاتورات الكهرباء والماء، والمصروف اليومي منَ المأكل والمشرب، فيما تتولى الوزارةُ الوصية تكاليف الرحلات السياحية إلى الخارج، ومهام تشويه صورة البلد لدى الأصدقاء والأعداء. وقرّرَ بالمناسبة أن يكونَ تنظيمه في الصفوف الأولى للمطبّلين والمزمّرين والمطالبين بالاستقرار والاستمرارية؛ لأنَّ التغييرَ قد يأتي ب "كذّاب" عديمي الخبرة، يتسبّبون في انفلات الأمن، وتدخّل "الصادقين" الأجانب في الشأن العائليّ. وقد بلغَ الأمرُ هذا الحدَّ، أنا لا أستبعدُ أن تُطالبَ البرمائية "عقيلة"، في إطار "كوطة" النساء التي أقرّها كبيرُ القوم، للحفافات وطيابات الحمام، بحقّها المشروع في قيادة التنظيم، باعتبار شجاعتها في مواجهة عدوّات الاستمرار، وتفانيها في الدفاع عن الحقوق البرمائية للطحالب وأسماك القرش والكائنات الشبيهة بالبشر. وإنّي على يقين بأنها ستعيدُ الاعتبار لكلّ الزواحف المهمّشة و«المحقورة"، فتنصّبُ "عمّي لخضر" كبيرَ المستشارين، وتكلّفه بنشر الوعي والروح الوطنية وعبادة الأصنام. ويومها سيصابُ "زعيم الأقلية السحيقة" بجلطة دماغية، تُقعده تماما عن الكتابة والتفكير في المستقبل. صدّقوني، لقد شاهدتُ فرحات "بوخنونة" في 2008 يرفع يدَه في جلسة المصادقة بالبرلمان، ولم اُصدّق يومَها أنّه وصل "هناك"، وأشاهدُ اليومَ "عقيلة" الحفافة" وزميلتَها "الفام دوميناج" بالمكان ذاته، ترفعان سقفَ المجازفة بالتاريخ والمستقبل.. فاللهمَّ لطفك، ولا تجعل هذا البلد "فندقا" للمتشرّدين بدون مسكن ثابت، وارحمنا يا أرحمَ الراحمين.