غادرت المنزل حوالي السادسة والنصف صباحا·· لم تكن الشوارع تعاني من الزحمة·· يبدو الظلام شاعريا وهو يتدثر بتلك البقايا من زخات المطر·· يبدو الأشخاص المترجلون على الأرصفة كالأشباح المتحركة·· أضواء السيارات الكاشفة الصفراء والحمراء تثير في نفسك الإحساس بشاعرية الطرقات وشاعرية الصباح·· عندما وصلت إلى مقر الجريدة وجدت الفام دوميناج على أهبة الشروع في عملها، تركتها وعملها واتجهت إلى شارع ديدوش مراد·· إشتريت بعض الصحف وتناولت على رصيف مقهى بشارع ديدوش مراد شايا دافئا، ثم رحت أتأمل في تلك الوجوه الصامتة والعابسة، والمرتسم عليها ذلك الهدوء المزعج·· كانت تلك الوجوه تنتظر في طابور طويل مجيء الطاكسيات التي تكاد لا تأتي·· وكانت تلك الوجوه تنتظر أمام محطة الحافلات في ساحة أودان·· إرتشفت الشاي، ورحت أنظر إلى تلك الوجوه التي كانت بجانبي تقرأ الصحف وتتأمل في الحركة الماضية تحت جنح الظلام البائد·· فكرت في الاتصال هاتفيا بصديقي محمد الزاوي بباريس ليكتب لنا في الجريدة حول الشاب مامي،· فالزاوي زميل قديم، وصاحب رسالة جامعية حول أغنية الراي أنجزها منذ سنوات في معهد العلوم الاجتماعية·· وهو إلى جانب ذلك كان الصحفي الجزائري الوحيد الذي قام بتغطية محاكمة الشاب مامي بفرنسا·· ترددت، لكنني مع ذلك هاتفته فاجأني صوت الريبوندار·· أخرجت من جيبي مفكرتي، ورحت أضع عليها رؤوس الأقلام لأقترحها على الساعة العاشرة على فريق التحرير، وذلك من أجل صفحة خاصة حول الشاب مامي، نسعى من ورائها إلى تحسيس الرأي العام في سبيل إطلاق سراح هذا الفنان الكبير الذي يقبع وراء القضبان الفرنسية·· أكيد أن العدالة فوق كل شيء·· لكن رأينا كيف تضامن الفرنسيون من كتاب وفلاسفة مع السينمائي يولونسكي الذي لوحق بعد 03 سنة من طرف أمريكية حول قضية أخلاقية·· إن مامي هو ملك الجزائر وملك الثقافة الجزائرية، وهو مشهود له من طرف الكثير بالإحترافية والسلوك القويم، ومن غير المقبول أن تدمر هذه الموهبة بهذا الشكل·· بعد وقت قصير، عدت راجلا إلى مقر الجريدة، ورحت أطالع الصحف الصباحية، دائما لا يوجد حل لقضية مريم مهدي·· وفي رأيي أن المسألة يجب أن لا تطوى في ذاكرة النسيان والتناسي، بل يجب على كل ضمير حر ووطني أن يعلن عن مساندته وتضامنه المستمر معها حتى تجد قضيتها طريقا إلى الحل العادل·· وأثارني مقال في جريدة الشروق حول قضية الفريق الوطني، أو ما أسمتها الشروق بالأزمة، وكان العنوان ''هبة جماهيرية للوقوف إلى جانب سعدان·· ونداءات لاحتواء الأزمة''·· الموضوع مفتعل ويدل على بؤس كبير·· إن هذا النوع من الكتابات الطفولية هو الذي يعمل على تأزيم الأمور وبث اليأس والقلق والشعور الأسود·· ثم إذا ما صدقنا أن المدرب الوطني سعدان، فعلا، فكر في الإستقالة، فليذهب إذن إلى بيته، فالفريق القوي ليس في حاجة إلى مدرب خواف، غير مقاوم، ومستعد أمام أية مشكلة لأن يرمي المنشفة·· موضوع آخر تصدر العديد من الصفحات الأولى للجرائد، وهو وضع الولاياتالمتحدةالأمريكيةالجزائر على قائمة الدول المعرضة للمخاطر·· يبدو أن المسألة مبالغ فيها، فالجزائر تمكنت، بشكل منقطع النظير، من تجاوز دوائر الخطر الأحمر·· لكن على أية حال، ليست المرة الأولى التي تضع الولاياتالمتحدة فيها الجزائر في الدائرة المثيرة للأخطار والقلاقل··