سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زوجته الثانية كانت جزائرية الأصل وابنته تكمل مساره في مدينته الوردية.. الراحل دومينيك بوديس من صحفي متألق ومسؤول إعلامي ومثقف كبير إلى رجل دولة وحقوقي نزيه
أحدثت وفاة دومينيك بوديس يوم الخميس عن عمر يناهز السادسة والستين قبل أربعة أيام من تاريخ ميلاه السابع والستين صدمة في الأوساط الإعلامية والسياسية عامة، وفي صفوف المعارضة اليمينة المعتدلة خاصة، باعتباره أحد أشهر رموزها الأكثر خصوصية وشعبية، ولا أدل على ذلك ارتباط اسمه بمسار مهني وبمسؤوليات كثيرة ومتنوعة جعلت منه رجلا استثنائيا بكل المعايير. رحيل بوديس الذي توفي في مستشفى فال دو غراس، متأثرا بسرطان قاتل وزاحف لا يرحم، هز الرأي العام الفرنسي في كافة أرجاء فرنسا وفي مدينة تولوز الوردية التي طورها كرئيس بلدية أعيد انتخابه على مدار 18 عاما وخلدها بإنجازات حسنت حياة سكانها كما فعل الراحل الكبير الآخر كلود نوغارو فنيا بأغنيته الشهيرة "تولوز". بعد تجربة صحفية ناجحة في الإذاعة والتلفزيون كمقدم نشرات وكمراسل حربي في بيروت قبل اندلاع الحرب الأهلية وكمسؤول للمجلس الافتتاحي لصحيفة الفيغارو ورئيس بلدية متميز، أصبح الفقيد رئيسا للمجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري بقرار من الرئيس السابق جاك شيراك خلفا لإريفيه بورج اليساري الاشتراكي الذي كان قريبا من الرئيس الراحل فرنسوا ميتران. كان الفقيد صديقا شخصيا لمدة أربعين عاما وحليفا سياسيا لفرنسوا بايرو رئيس تيار اتحاد الديمقراطيين الفرنسيين المسيحي والاجتماعي النزعة "أو دي أف" الذي تحول لاحقا إلى اتحاد الديمقراطيين المستقلين تحت رعاية بايرو وجان لوي بورلو المنسحب حديثا من الحياة السياسية لإصابته بمرض ضيق التنفس فقط كما كان نائبا أوروبيا ورئيسا لمعهد العالم العربي ومسؤولا عن هيئة الدفاع عن الحقوق بتعيين من الرئيس نيكولا ساركوزي. الفقيد كان مثقفا وكاتبا خلف عدة كتب ألفها على هامش تقلده المهام المذكورة والأخرى الأقل خصوصية (أنظر سيرة الفقيد). كان الرئيس فرنسوا هولند لحظة تواجده في المكسيك في زيارة رسمية من الأوائل الذين كرموا الفقيد واصفا إياه في بيان رئاسي مستعجل بالرجل الغيور على الحرية والحقوق والمناهض للظلم والقهر، قائلا: "لدي الكثير من الود والعرفان لبوديس الجريء والمتفاني والمتسامح، وهي الصفات التي ميزت كل حياته السياسية" على حد تعبيره، ويجدر الذكر أن حديث هولند عن الجرأة قد طرحته الصحفية روت الخريف المسؤولة في قناة "بي أف أم" الإخبارية المستمرة التي عرفت الفقيد عن قرب بقولها "إنه كان الوحيد الذي تجرأ بدعوة الرئيس السابق فاليري جيسكار ديستان إلى الانسحاب من التيار الذي جمعهما بعد تقدمه في السن وتركه المجال للطاقات السياسية الشابة". فرنسوا بايرو رفيق درب الراحل كان من أكثر السياسين تأثرا برحيل صديق العمر الذي تقاسم معه نفس الهدف السياسي والإيدولوجي الواحد وقال بايرو إن" بوديس يمثل نموذج السياسي الحريص على المصلحة العامة والمناضل الذي لا يكل من الدفاع عن الحقوق، وبرحيله تنقضي 40 عاما من تاريخ صداقة بدأت عام 1970 حينما كان الفقيد رئيس حركة الشبان الوسطيين". رئيس الوزراء السابق ألان جوبيه ورئيس بلدية بوردو كرم هو الآخر الراحل بوديس مؤكدا على نزعته الأوروبية والإنسانية الاجتماعية والتزامه بالدفاع عن القيم الجمهورية وعلى رأسها العدل ومنوها بنجاحه المهني السابق لتجربته السياسية: "كان صحفيا لامعا ومحبا لمهنته وأنا حزين لرحيله أسوة بأغلبية الفرنسيين". رئيس الوزراء الاشتراكي الجديد مانويال فالز صرح بدوره ناعتا الفقيد "بالمقاوم النزيه والجريء ضد كل أشكال التفرقة العنصرية وبرحيله تفقد فرنسا أحد أكبر الأصوات المدافعة عن الجمهورية". النجم التلفزيوني السابق باتريك بوافردارفور الذي عمل مع بوديس في قناة "تي أف 1" تحدث هو الآخر متأثرا عن رفيق دربه في القناة الفرنسية الشهيرة، مركزا على مهنيته الكبيرة وحسه الإنساني، وهما الميزتان اللتان تلازمتا وتداخلتا على الدوام رغم تحول الفقيد إلى السياسة وهو نفسه الذي أكد أنه يبقى صحفيا للأبد باعتبار الصحفي صاحب نظرة تحليلية شاملة وفضول واسع وتواصل اجتماعي دائم، الأمر الذي يبقى ساريا في روحه حتى وإن توقف عن ممارسة الصحافة كمهنة. جاك لانغ وزير الثقافة السابق ورئيس معهد العالم العربي الذي ترأسه الفقيد بين 2010 و2011 نوه كالآخرين بخصال بوديس السياسية والمهنية وتوقف دقيقة صمت رفقة أعضاء مجلس إدارة المعهد حدادا كما جاء ذلك في بيان تجديد الثقة فيه لمدة ثلاثة أعوام. وكما كان منتظرا، نوهت كل الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان بخصال الفقيد الإنسانية والنضالية بغض النظر عن اختلافها مع طروحاته السياسية، وأكدت كل الجمعيات أنه كان "نموذجا للكرامة والاستقامة والنزاهة وصاحب مواقف جريئة وبرحيله يبقى كل المدافعين عن الحقوق والضعفاء والمهمشين يتامى". رابطة حقوق الإنسان اليسارية التي تحفظت على تعيينه على رأس هيئة الدفاع عن الحقوق وجمعه مهام وسيط الجمهورية والدفاع عن الأطفال والكفاح ضد التفرقة العنصرية والعمل من أجل المساواة بمبادرة من الرئيس ساركوزي تركت جانبا ماضي الخلاف السياسي ونوهت: "بالرجل الذي كرس كل جهوده للقيام بمهمته دفاعا عن قيم الجمهورية"، ويتمثل أحسن تكريم لبوديس في توفير كل الإمكانيات اللازمة لخليفته المرتقب حتى يكون أكثر فعالية في مجال كل الحقوق على حد تعبير أحد مسؤولي رابطة حقوق الإنسان. شخصيات سياسية وإعلامية من اليمين واليسار كرمت الفقيد بشهادات مؤثرة ومن بينها وزيرة العدل كرسيتيان توبيرا وجان بيار رافران الوزير الأول اليميني السابق ومارتين أوبري رئيسة بلدية ليل وجان فرنسوا كوبيه رئيس اتحاد الأغلبية الشعبية المعارضة والصحفي المعروف جان بيار الكعباش المولود في الغرب الجزائري، ولم يتأخر الكعباش في التنديد بالذين يبكون الفقيد اليوم ولم يترددوا في الطعن في شرفه وفي كرامته عام 2003 إثر اتهامه في قضية اغتصاب ودعارة (قضية ألاقر) وكما كان متوقعا انتصر الفقيد على متهميه وبرأته العدالة، ورأى بعض المواطنين الذين أحبوا الفقيد أن الصدمة التي أصابته يومها قد تكون وراء ظهور الخلايا السرطانية. صدمة عمر المراسل الحربي في بيروت بوديس الذي تألق صحفيا وثقافيا وسياسيا بعد مرحلة تفوق أكدت مواهبه الكثيرة، سقط في الحضيض النفسي رغم براءته وجرح في كبريائه وكرامته بعد أن جرح جسديا في مرة أولى وهو يغطي الحرب اللبنانية لقناة "تي أف 1"، وعادت القضية اليوم إلى واجهة الحدث بمناسبة رحيله لأنها أرخت لصدمة رجل عمومي شهير ولحلقة لا تنفصل عن ماضيه المهني والشخصي. رئيس بلدية تولوز الشعبي والناجح لمدة 18 عاما والسياسي المحنك والإنساني النزيه والكاتب المثقف والمسؤول الأوروبي المستقيم ورئيس المجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري لم يفهم كيف وقعت عليه كالصاعقة تهمة المشاركة في عمليات قتل واغتصاب وبزنسة جنسية في قضية القاتل الجماعي باتريس ألاغر، والقناة التي أدخلته بيوت الفرنسيين وكان يطل من خلالها عليهم كل مساء بوجهه الجميل وبعينيه الغارقتين في زرقة البحر المتوسط اللازوردي والتي تركت البعض يلقبونه "بالصهر المثالي"، هي نفسها التي استقبلته للدفاع عن نفسه في ليلة تراجيدية. ردا على أسئلة زميلته كلير شازال كاد بوديس أن يذرف دمعا ساخنا وطازجا لولا رباطة جأشه وقوة شخصيته واستطاع يومها أن يتحدث بكلمات الواثق من براءته قبل أن تعترف فاني وباتريسيا بافترائهما عليه ووعد المشاهدين يومها: "بخنق التهمة في الحنجرة" وذلك ما أكده تاريخه الأخلاقي الشخصي. الصحفي والسياسي الذي تزوج في المرة الثانية من الكاتبة سايح إيزابيل الجزائرية الأصل والأب لثلاث أبناء من بينهم فلورنس التي خلفته في بلدية تولوز مارس الصحافة في الميدان حينما كان مراسلا حربيا في بيروت وسط لهيب الحرب الأهلية وصحفيا في قناة "تي أف 1" قبل أن يصبح مقدما للنشرة الإخبارية بين أعوام 1978 و1980 وحتى 1982 في قناة "فرانس 3" العمومية. وحتى يستأصل الوجع الوجودي المأساوي الذي طاله إثر اتهامه ببئس السلوك وكأنه صعلوك ومنحرف ويتفادى الانتحار المعبر أكثر عن حقيقة في تقديره، صبر بوديس على البلاء العظيم وانزوى مدة 18 شهرا ليخرج بكتاب مؤثر ومطهر للنفس الجريحة (في مواجهة الافتراء) يضاف إلى سلسلة كتبه الجميلة. *من مواليد عام 1947 يوم الرابع عشر أفريل بالدائرة التاسعة لباريس * صحافي. كاتب ورجل سياسي * إبن بيار بوديس رئيس بلدية تولوز بين أعوام 1971 و1983 وخريج معهد الدراسات السياسية بباريس * بدأ حياته السياسية عام 1965 مسؤولا على حركة الشبان الديمقراطيين والصحفية عام 1971 في لبنان مراسلا إذاعيا ثم تلفزيونيا حتى عام 1975 تاريح اندلاع الحرب الأهلية. إثرها أصبح مراسلا مختصا في الشرق الأوسط لقناة تي أف 1 (عمومية يومها) ومحققا كبيرا حتى عام 1977، ثم مقدم نشرتها الإخبارية المسائية بين أعوام 1977 و1980 قبل أن يعمل في قناة فرانس حتى عام 1982 كمتخصص في تغطية نشاط مجلس الشيوخ. *1983: رئيس بلدية تولوز باسم حساسية الوسط الديمقراطي الاجتماعي التابعة لحركة اتحاد الديمقراطيين الفرنسيين. *1984: نائب في البرلمان الأوروبي. *1994: قائد قائمة حزبي اتحاد الديمقراطيين الفرنسيين والتجمع من أجل الجمهورية في الانتخابات الأوروبية. *1998: عضو المكتب السياسي والمجلس الرئاسي لحركة الديمقراطيين الفرنسيين. *2000: رئيس المجلس الاستشاري لصحيفة لوفيغارو. * يستقيل ويصبح رئيسا للمجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري. *تميزت مسؤوليته الجديدة بإطلاق التلفزيون الرقمي الأرضي ومحاربة الإباحية. *2007: رئيس معهد العالم العربي. *2009: قائد قائمة حزب اتحاد الأغلبية الشعبية في الانتخابات الأوروبية. * تحصل قائمته على أربعة مقاعد في البرلمان الأوروبي. * ينتخب نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي وعضوا في لجنة العلاقات مع دول المشرق العربي وفي جمعية الأورو متوسطية البرلمانية. * مقرر اتفاق التعاون مع سوريا. 2010: كلفه البرلمان الأوروبي بإنجاز دراسة عن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. * رئيس معهد العالم العربي ونائب أوروبي. * 2011: يعينه الرئيس ساركوزي مدافعا عن الحقوق ويستقيل من كل المهام المذكورة. * يتوفى يوم العاشر من الشهر الجاري في مستشفى فالدو غراس * 15 أفريل: تكريم وطني سيقام له في ساحة الأنفليد بحضور الرئيس فرنسوا هولند. * شغف المسيحيين في لبنان 1978 * الموت بالكوفييه 1980 * ريمون المانوي 1996 * ريمون الشرقي 1999 * المؤامرة :2001 * يجب قتل شاتوبريان 2003 * جان لوكانييه: بمشاركة فرنسوا بايرو ونادين جوزيت شالين 2003 *في مواجهة الافتراء: 2005 * عشاق جبل طارق 2010 (نال عليه جائزة المتوسط).