يرى مراد سنوسي أن عبد القادر علولة قبل أن يكون "مسرح حلقة هو منهج في كتابة النصوص"، وعليه كل المواضيع والشخوص التي تطرق إليها تعكس قناعته الصادقة، وهو ما ترجمه مع نساء مسرحياته اللائي حملهن بعدا فكريا واجتماعيا وسياسيا، وأظهرهن أنهن مناضلات واعيات يستحقن تقاسم البطولة مع الرجل. على ضوء مسرحيات علولة المشهورة، يقدم الباحث والمؤلف، مراد سنوسي، قراءة معمقة في أعمال المسرحي الراحل، واغتنم فرصة انعقاد الطبعة الثالثة لمهرجان الإنتاج المسرحي النسوي عنابة المصادف لشهر مارس الفارط، حيث خصص يوما دراسيا حول علاقة صاحب "الحلقة" بالمرأة، كيف تناولها وكتب عنها، ما هي ملامحها، هل كانت مجرد امرأة بسيطة أم حاملة لرسالة؟ ويؤكد سنوسي أن علولة "تكلم كثيرا عن العلم والمعرفة في أعماله"، وبين المحاضر فكرته من خلال نماذج مسرحية، أولها "الخبزة" التي تروي جانبا من شخصية "عائشة" يقول عنها: "عائشة تستنى فيه بالقلب الصبَار، تاقية وتعرف كيف تلاقي، مرا مقاومة من الفجر صايمة..."، أما في "القوال" فوصف شخصية "بدرة" زوجة "غشام" فكتب: "غشام تكلم مع ولدو، امك وانا فرحانين بيك يا مسعود، نخلي في حمايتك زوليخة، مريم، عاونوهم على القراية أنت وخوك قد ما تنجمو، خلوهم يكلمو قرايتهم، وما تزوجوهمش صغارات، بدرة على كل حال ما طولش ورايا عيانة حتى هي، وغبينتي تكمل عليها، نوصيك يا مسعود على بدرة امك، نهار اللي تموت، حلو قبري ودفنوها فيه، عظامي رزموهم، حطوهم عند كرعيها، بدرة امك يا ولدي، بحر من الصبر، من الحنانة والكرامة، عاونتني بزاف، تعبت جاعت وعمرها ما شكات..."، ويؤكد سنوسي أن كل كلمة يستعملها علولة تؤدي معناها بشكل عميق ومحدد، والمرأة تحتل مكانة في الوسط الأسري، لا يقل دورها عن دور الزوج أو الأبن. في مسرحية "الأجواد"، نجد التقدير نفسه للمرأة، عن شخصية "ماما" زوجة "الربوحي"، هي تتكلم عن زوجها وتسرد بوعي دوره في مكافحة تصرفات الإدارة والمجتمع ونضاله ضد البؤس: "مولى خيبتي يا ناس مستشار البؤساء، وكل ما يدخل للدار يدخل معاه قضية جديدة..". "ماما" - يضيف سنوسي- عاملة بسيطة في إحدى الثانويات، متفطنة لكل ما يحدث حولها، تؤدي مهامها بوفاء، مساندة لزوجها في كل مهامه حتى عندما كلفه صديقه "منور" بجمع عظامه ليصنع منها هيكلا عظميا يقدم للطلبة حتى يدرسوا. علولة في شخصية "علي" و«منور" بين خصال "المعلمة" صفة امرأة ذكية ابنة الشعب، نص كتبه في 1985، يظهر فيه الكاتب ثقافة في تعليم الأجيال ونظرة بيداغوجية ناجعة لصالح المتعلمين، كما هو نص ينتقد وسائل التعليم والتربية في المدرسة الجزائرية. تتوالى النسوة في الحيوات المسرحية التي ألفها المرحوم علولة، على غرار "زهرة" زوجة "جلول الفهايمي" التي تحب زوجها ومعجبة به تقول عنه لأولادها "بوكم جلول عادل من صابكم كيفو". وفي "اللتام" نجد "شريفة" زوجة "برهوم"، تقاسمه مواقف حياته مهما بلغت من خطورة واضطراب. على ضوء هذه النماذج، استخلص سنوسي أن المرأة في مسرح علولة عنصر ظلم اجتماعيا، فهي حرمت من الدراسة وبالتالي لا تعرف القراءة والكتابة، لكنها في المقابل تملك وعيا سياسيا، فتشارك رفيقها في كل مساره النضالي، تحفزه وتساعده على تحقيق الأفضل: "المرأة عنده بسيطة لكنها حاملة لثقافة شعبية تساهم في تحويل الموقف لموقف آخر، صاحبة نكتة وفكاهة بأسلوب ذكي"، ويردف موضحا: "إذا كان علولة قد أعطى المرأة هذه المكانة ليس صدفة، فهو يعتبر أن المسرح أداة للمساهمة في تحريك المجتمع، اختار أن يكون بجانب طبقة اجتماعية معينة وتبنى ذلك، من باب قناعته السياسية والأيديولوجية.. ففي نضاله كان يسعى إلى مجتمع عادل، يتكامل فيه الرجل والمرأة".الأسماء التي حملتها بطلات علولة لم تكن اعتباطية، كانت "تحمل رمزية" على حد تعبير سنوسي، تفسر وجهة نظر سي عبد القادر حيال الجزائريات، كن "زهرة"، "ماما"، "بدرة"، "شريفة"... كلها أسماء تترجم صورة إيجابية يحملها أسد وهران لنساء بلده. في الأخير شدد سنوسي على أن علولة ساير تطور الجزائر تاريخيا، بكتابات عن الاستعمار الفرنسي في "الرشام"، السنوات الأولى للاستقلال والصعوبات الاجتماعية والسياسية في "العلق"، عن الثورة الزراعية في "حمام ربي"، وعن سوء التسير وقطاع الصحة في أعمال أخرى. تعاملت معه في مسرحيات عدة "العلق"، "الخبزة"... ولكن المفاجأة الكبرى كانت "الأجواد" التي قام بتعليق إعلان إداري يطلب من كل من يريد أن يتعلم أن يلتحق به، علما أني لم أكن موزعة في هذا المشروع، إلا أني قررت أن أنضم إلى فريقه لأتعلم المهنة وأقترب من علولة، وإذا بي أجد نفسي المرأة الوحيدة، وقد استقبل وجودي بحفاوة وفرح، بل من شدة اهتمامه أصبحت مساعدته في إخراج المسرحية، وطيلة معاشرتي له رأيت فيه الفنان والمبدع والرجل الشهم الذي يحترم الآخر، ولا يضع فرقا بين الرجل والمرأة. مهمتي في الأجواد، سمحت لي بحفظ كل فصول العمل، بدءا من النص إلى الديكور إلى السنوغرافيا... نصوص علولة كانت محضرة بكل تفاصيلها، النقطة والفاصلة، مكان الجلوس والوقوف، الديكور محضر بنسبة متقدمة، يرسم كل شيء حتى تفاصيل وضع الوصلات الكهربائية. كما أنه لم يكن يتنازل عن أي جزء من نصوصه. كان كريما لطيفا هادئا، لا يتأثر بتصرفات الممثلين، حينما لا يلتزمون بتعليماته، وتجده يسبق الجميع إلى المسرح، وأحسن مثال هي "الأجواد" التي عملنا عليها في شهر رمضان، وكان هو يدخل قاعة الرقص بالمسرح الجهوي لوهران، منذ العاشرة صباحا ولا يغادرها إلا عند الرابعة، متحملا صعوبة الصيام وتعبه. مع الممثلين الذين يجدون صعوبة في الاستيقاظ مبكرا، كان يفرض الالتزام دون صدام. تشرفت بالتعرف إلى علولة، بمعهد الموسيقى لوهران مباشرة بعد الاستقلال، وأول ما شدني إليه ابتسامته ونظرته المليئة بالحنان. سألني هل كنت وقفت على المسرح من قبل أم لا؟ اقترح علي دور "صفية" في أحد أعماله.شاركت في أعمال أخرى، مثل "العملة الذهبية" (1967) عرضناها في تونس وهناك كانت شهرته أكبر من الجزائر. طيب الصديقي المسرحي التونسي قال لي يوما إنه من شدة نجاح هذا العمل، شعر أن علولة "يزاحمه" في مكانته هناك. في المسرح الوطني الجزائري قدمنا "لي بافون"، رفقة صونيا وعز الدين مجوبي وقزدرلي وباقة من الفنانين آنذاك، إضافة إلى فاطمة الزهراء ميموني التي أعطاها الدور الرئيسي، ما أثار تساؤلنا جميعا، إلا أنه عرف كيف يفهم بأهمية دور كل واحد منا، وأن توزيعنا في أدوارنا لا يقلل من قيمتنا شيئا.بعد إدارة معهد الفنون الدرامية لوقت وجيز، حيث كان علولة يزعج المسؤولين، عاد إلى المسرح الوطني مجددا، وكان يريد أن يصور تمارين المسرحية بحضور طلبة المعهد إلا أن طلبه رفضته مؤسسة التلفزيون، ما أشعره بالضيق. علولة كان يزعج الكثيرين، حيثما حل تمارس عليه مضايقات شتى. لدرجة انه تلقى أمرا بالطرد من المسرح الوطني كتب عليه "لعدم توافقه مع إيديولوجية المؤسسة". والمصير نفسه تعرض إليه في مسرح وهران.لمواساته اقترحت عليه إعادة انتاج "العلق"، فوجد أنها فرصة للبقاء على اتصال مع الخشبة، فأخذ حميد رماس مساعدا له، وقد طلب منه أن يتكفل بإقناع المسرحيين بالعمل معه، لعلمه المسبق بالمؤامرات التي كانت تحاك ضده في ميدان الفن الرابع.