كان ثاني أيام الطبعة ال67 لمهرجان "كان" الدولي للسينما موسوما بحضور سينمائي عربي في المسابقة الرسمية والعروض الخاصة الموازية، كحالة من الاحتفال بنوعية من السينما متحررة ومنفتحة على الأحداث السياسية التي تموج في العالم بأسره، تعرض بموازاة أشرطة سينمائية لكبار صناع السينما في العالم. عرض أول أمس خلال مهرجان "كان" فيلم "تومبوكتو" للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، وهو فيلم طويل حول مقاومة الماليين للمجموعات الإسلامية المتطرفة. فيلم "تومبوكتو" الذي يعد الفيلم الإفريقي الوحيد الذي يتنافس على السعفة الذهبية يجمع العديد من الشخصيات ومعاناتهم أمام تجبر الأصوليين الذين يسعون إلى فرض تصورهم الخاص للإسلام من خلال "الشرطة الإسلامية" مهددين بذلك عادات السكان وطريقة عيشهم وتقاليدهم. وغير بعيد عن هذه المدينة "تومبوكتو" يقدم عبد الرحمن سيساكو نبذة عن كيدان (ابراهيم احمد أكا بينو) وهو أحد الرعاة الطوارق يعيش مع زوجته وابنته على مشارف المدينة حيث يسجن ثم يحاكم بعد أن قتل شخصا خطأ. وفي طابع سردي يمزج المخرج بين مشاهد مؤثرة تبرز التغير المفاجيء لطريقة حياة سكان تومبوكتو (منع الموسيقى والزواج الإجباري وفرض على النساء لباس الجلباب والقفازات...) وهي المأساة التي عاشتها عائلة كيدان. كما يبرز المخرج مدى قساوة القواعد التي يفرضها المتطرفون وصدامها مع النمط المعيشي للسكان. ويركز المخرج على مقاومة السكان للمتطرفين عبر شخصية إمام المدينة الذي يمثل إسلام "السلم والحوار" في هذه البلدة العريقة كما يصور مقاومة العديد من فئات المجتمع على غرار النساء والأمهات اللواتي كن أول من يثور على هذه الأصولية التي تهدد حياتهم. في حديثه في المؤتمر الصحفي الذي أعقب عرض فيلمه "تومبكتو" في مهرجان "كان" السينمائي، قال المخرج عبد الرحمن سيساكو "إن السينما لغة، وكل شخص يتحدث اللغة بلهجته ولكنته الخاصة وأنا أتحدث الفرنسية بلكنة" ولعل في هذه العبارة أبلغ تعبير عن فيلمه الجديد هذا الذي ظل فيلما ذا لكنة بل وتأتأة أحيانا في لغته السينمائية وفي تعامله مع موضوعه وهو الجماعات الإسلامية المتطرفة. وإن كان الفيلم قد لقي إشادة من نجوم ونقاد "كان" فإن بعض النقاد العرب رأوا أنه قارب موضوعه بكم كبير من الكليشيهات والصور النمطية والقوالب الجاهزة، كتلك التي تنتشر في وسائل الإعلام العالمية ونظرات الاستشراق المنمطة وتنتصر لصورة سطحية تفشل في سبر أغوار واقع بالغ التعقيد كما هي الحال في الصحراء الإفريقية وجنوبها. ويتنافس "تومبوكتو" الذي قدم عرضه الأولي أول أمس على السعفة الذهبية إلى جانب 17 عملا سينمائيا في مهرجان "كان" الذي يدوم إلى غاية 25 ماي. وخطف الفيلم الوثائقي السوري "ماء الفضة" للمخرجين أسامة محمد ووئام بدرخان الأضواء، حيث يتناول عبر سرد سينمائي قاس ومحكم، مأساة الحرب السورية من أول مظاهرات سلمية خرجت في مدينة درعا في مارس 2011 إلى تجربة الحصار اليومية، بكل ما رافقها من عنف وألم وقسوة ومفارقات. وهو عمل مؤثر يؤرخ بواسطة صور والتقطت معظمها شابة كردية من مدينة حمص تدعى وئام بدرخان، أرادت أن تنقل يوميات مدينتها وهذه المأساة الدائرة في ظل لا مبالاة المجتمع الدولي، في بابا عمرو وفي الخالدية، حيث انتهى بها الأمر لتكون الناشطة المستقلة الوحيدة في حصار حمص الشهير. ونفذ الإخراج أسامة محمد الذي لجأ إلى فرنسا في العام،2011 وأصبحت شاشة الكمبيوتر نافذته الوحيدة على ما يجري ويدور في بلده لتواصل معه الشابة المصورة، حيث صارت تزوده بالمقاطع المؤثرة والعنيفة أولاً بأول عبر الإنترنت. ورغم أن الفيلم السوري يشارك في المهرجان خارج مسابقته الرسمية إلا أنه نجح في إثارة اهتمام الصحافيين والمهتمين والنقاد والجمهور باعتباره يسلط الضوء على واحدة من أقسى المآسي التي تشهدها البشرية في ظل استمرار الحرب ومآسيها القاتلة على الناس في سوريا. وقال المخرج أسامة محمد في بيان صحفي إن هذا العمل تطلب منه بحثاً طويلاً وشاقاً وأتاح له فهم ما يجري في بلده. وأضاف: "في البدء لم أكن أعرف أن المشاهد قاسية على هذا الشكل وفيها كل هذا القتل" . وفي الأيام الأخيرة، غادرت وئام بدرخان مدينة حمص مع خروج المقاتلين المعارضين الذين أخلوا مناطقهم في المدينة القديمة بموجب اتفاق بينهم وقوات النظام، قضى بإخراجهم آمنين بعد عامين من الحصار المطبق والجوع والقصف اليومي العنيف. وكان منتج الفيلم عروة نيربية قد أعلن أن الجهة المختصة بوضع قائمة الأفلام المختارة رسمياً لمهرجان "كان" السينمائي في دورته المقبلة وضعت أيضا الفيلم الوثائقي ضمن صنف أفلام العروض لكنها تجنبت الإشارة إلى اسم المخرجة الشابة وئام لأسباب أمنية خوفا على حياتها قبل أن تغادر حمص لتصل إلى فرنسا. يذكر أن أسامة محمد شارك سالفاً في مهرجان "كان" بفيلم "نجوم النهار" عام 1988، وفيلم "تضحيات" 2002، وفاز عن الأول بجائزة "أسبوعا المخرجين"، والثاني بجائزة "نظرة خاصة". ويحضر فيلم "حكايات البرية"، لمخرجه الأرجنتيني داميان سيفرون بين الأفلام المنافسة على السعفة الذهبية. المخرج الأرجنتيني الشاب يعتبر ذلك فرصة جيدة لاكتساب المزيد من الخبرة. ويقول:«في نظر الآخرين، من الواضح أنني الدخيل نوعا ما على القائمة، ولكني لست خائفا لأن السينما ليست منافسة. فالمنافسة ليست جزءا من جوهرها، وعندما ننجز فيلما، نقضي الكثير من الوقت لأخذ قرارات متعلقة بالمنتجين والممثلين وبشكل الفيلم بصفة عامة وعندما نقوم بكل ذلك لا يجول بخاطرنا أننا بصدد التنافس مع عمل آخر." في "حكايات البرية" تطالعنا شخصيات ضعيفة تحاول مواجهة واقع متقلب، يغلب عليه العنف والخيانة وتتهاوى فيه أحيانا الحدود بين الحضارة والهمجية. الفيلم يأخذنا في رحلة إلى الأرجنتين، يغلب عليها الخيال. يضيف المخرج الأرجنتيني: "أنا أحب الخيال وأعتقد أن فيلمي حكايات البرية يحتفل بالخيال، إنه يداعب الخيال ويستكشفه ويحاول نقله، أعتقد أن الناس سيكتشفون حبي للخيال في أعمالي السينمائية الأخرى أيضا، فأنا لست من نوع المخرجين الذين يحاولون رسم لوحة واقعية في أعمالهم." أفلام المسابقة: تعرض أفلام رائعة في المسابقة هذا العام، ممهورة بتوقيع نخبة من المخرجين، ينتظر العالم إنتاجهم عامًا بعد عام، حيث ينافس المخرج الكندي ديفيد كرونينبيرغ بفيلمه (مابس تو ذا ستارز)، وهو من بطولة نجم سلسلة أفلام (توايلايت) الشهيرة روبرت باتينسون. ويشارك المخرج البريطاني مايك لي، الفائز بجائزة السعفة الذهبية من قبل، في المهرجان بفيلمه (مستر تيرنر) الذي يعرض حياة الرسام البريطاني جيه.إم.دبليو تيرنر. وقالت زينب أوزباتور منتجة فيلم (نعاس الشتاء)، من إخراج التركي نوري جيلان، والذي يشارك في المسابقة: "إنها فرصة لاستعراض البلاد وصناعة السينما فيها لأن هنا يتركز قلب هذه الصناعة". وتدور أحداث فيلم (فوكس كاتشر) للمخرج الأمريكي بينيت ميلر حول مقتل بطل في المصارعة. أما فيلم (البحث) للمخرج الفرنسي ميشيل هازانفيشوس فتدور أحداثه في الشيشان. ويشارك المخرج والممثل الأمريكي تومي لي جونز بفيلم (ذا هومزمان)، الذي يقوم هو بدور البطولة فيه، إلى جانب النجمة ميريل ستريب. وتشارك أفلام لأسماء مخضرمة في مهرجان "كان" مثل الفرنسي جان لوك جودار بفيلم (وداعاً للغة) والكندي أتوم أكويان بفيلم (ذا كابتيف). وتشارك امرأتان في السباق على نيل "السعفة الذهبية" وهما الإيطالية أليس رورفاشر بفيلم "العجائب"، واليابانية ناومي كاوازي بفيلم "نافذتان". منافسات موازية: تتنافس هذا العام 10 أفلام على السعفة الذهبية لأفصل فيلم قصير، تعكس قضايا اجتماعية وسياسية معاصرة مستدعاة من الماضي أيضًا، تم اختيارها من بين 4500 فيلم عرض على اللجنة المكلفة بالاختيار. كما يتنافس 20 فيلما آخر في مسابقة "نظرة خاصة" إلى جانب عشرات الأفلام الأخرى التي تعرض في فعاليات يشهدها المهرجان، مثل: أسبوع النقاد وأسبوعي المخرجين وغيرهما. ويعد مهرجان "كان" أحد أهم المهرجانات السينمائية عبر العالم ويرجع تأسيسه إلى سنة 1939 وهو يقام كل عام عادة في شهر ماي، في مدينة "كان" في جنوبفرنسا. درس السينما مع صوفيا لورين النجمة الإيطالية الكبيرة صوفيا لورين، سعيدة لعودتها إلى "كان" مرة أخرى، لكن هذه المرة ضيفة شرف في احتفالية كلاسيكيات السينما، إذ ستقدم ما أطلقت عليه إدارة المهرجان "درس السينما"، تتحدث خلاله عن تجربتها في التمثيل مع عمالقة الإخراج السينمائي في العالم. وجوه: الفنانة الإيرانية ليلا حاتمي عضو لجنة تحكيم "كان" اختار منظمو مهرجان "كان" ال67 السينمائي، الفنانة الإيرانية ليلا حاتمي كأحد أعضاء لجنة التحكيم بالقسم التنافسي على السعفة الذهبية في المهرجان.. يذكر أن السينما الإيرانية لم تحظ بفرصة المشاركة بمهرجان "كان" لعام 2014 إلا أن اختيار ليلى حاتمي لتحكيم قسم المسابقة الدولية إلى جانب اختيار المخرج عباس كيارستمي للتحكيم في قسم الأفلام القصيرة وأفلام الطلبة، يؤكد مدى أهمية السينما الإيرانية. وقد قدمت الفنانة حاتمي جائزة أفضل فيلم في مهرجان "كان" ال65 إلى ماتيو غارونه لفيلم الحقيقة. ونالت الفنانة الإيرانية التي تجيد اللغة الفرنسية عدة جوائز دولية بما فيها جوائز مهرجان بالم اسبرينغز لفيلم إنفصال نادر عن سيمين ومهرجان كارلووي واري لفيلم السلم الأخير ومهرجان برلين لفيلم انفصال نادر عن سيمين ومهرجان مونتريال لفيلم المحطة الخالية.