تحيي الجامعة الجزائرية اليوم الوطني للطالب المصادف ل19 ماي من كل سنة ، اليوم، وهو ما يستدعي الوقوف على واقع الجامعة التي تخلت عن دورها الحقيقي بعد أن شكلت في وقت مضى مصدر نقاش ثقافي وإيديولوجي وسياسي تجلى في سنوات ترك فيها الطلبة بصمة تاريخية، وبقدر مايحمله هذا اليوم من رمزية يقف كل من تذكره على حال الجامعة الذي يوصف ب« المؤسف"، بعد أن تحولت إلى هياكل بلا روح، ولم تخرج مطالب الدارسين بها عن تحسين الخدمات الجامعية دون الاهتمام بالشق البيداغوجي ما جعل مستوى تكوين الطلبة يوصف من قبل أهل الاختصاص ب«المتدني" ، و بالرغم من الإصلاحات التي عرفتها من خلال تطبيق نظام "ل.م.د" تصنف الجامعات الجزائرية في ذيل الترتيب في التصنيفات العالمية التي لم تظهر فيها بعض المؤسسات الجامعية التي تقدر اليوم ب 91 مؤسسة جامعية. "صراحة، المستوى العلمي في الجامعة الجزائرية لايبعث على التفاؤل، فالطالب اليوم لم يعد يطالع كما كان عليه الحال في السابق، حيث أصبح يكتفي بالإنترنت، وهذا ما نتج عنه السرقات العلمية، في البحوث والمذكرات، ضف إلى ذلك مشكل الاكتضاض، وما نتج عنه من صعوبة في التوجيه". "قبل تقييم الطالب يجب تقييم المنظومة التربوية، لأن المشكلة ليست في الطالب، وإنما هي نتيجة للإهمال، ابتداء من وزارة التربية الوطنية إلى غاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث كل سنة نجد الطالب في البكالوريا ينتظر العتبة، ثم عندما ينتقل إلى الجامعة يجد الإضرابات على طول العام، كما أن كل سنة يحدث إنجاح للطالب، حتى عن طريق الإنقاذ، وذلك حتى نتظاهر بأننا لدينا متخرجين جامعيين، دون النظر إلى المستوى. شخصيا كأستاذ لم يسبق أن قيل لي بضرورة العمل من أجل تحسين المستوى، لذلك فالأستاذ الذي لديه ضمير مهني فهذا يعود إلى أخلاقه وتربيته ليس إلا، وهذا هو سبب تدهور المستوى الجامعي، وهو أن هناك تسيب على كل الأصعدة". "المستوى بصفة عامة يخضع لشروط وظروف الجامعة ككل، من هياكل، وكم الطلبة، وعدد الجامعات التي أنجزت، وإعادة الهيكلة، لأنه منذ السبعينات تغيرت برامج إصلاح الجامعات عدة مرات، وهذا ما أثر على عدم الاستقرار في مستوى الجامعة، كما أنه لو نعود إلى السبعينات، فعدد الطلبة حينها كان قليلا، لكن اليوم نجد الكم الهائل للطلبة، بسبب سياسة الدولة، التي تقول أن كل من لديه البكالوريا يدخل إلى الجامعة، عكس بعض الدول، بالإضافة إلى بعض التخصصات، فمثلا في فرنسا لا يدرس العلوم السياسية إلا الطلبة النجباء والنخبة، بينما في الجزائر نجد أن من يحصل على معدل 20/10 يدرس العلوم السياسية، هذا إضافة إلى ظروف وشروط مادية وعلمية أصبحت غير مضبوطة، فنظام ل.م.د، على سبيل المثال، له شروط معينة، بأن يكون العدد قليلا، غير أنه بدل أن أدرس 18 أو 20 طالبا في القسم، أجد نفسي أدرس 40 إلى 50 طالبا في القسم الواحد، وهذا ما يؤثر على التحصيل العلمي للطالب، حيث غالبا مانجد نصف الطلبة لا يتمكنون من حضور المحاضرة، بسبب عدم توفر أماكن كافية، كما أن ضعف المستوى يأتي من الثانوية، لأنه ليس كل من يتحصل على شهادة البكالوريا لديه مستوى جيد". "لو كان الأمر بيدي، لأغلقت الجامعة مدة، وأعدت "رسكلة" كل العاملين فيها، لأن الجامعة اليوم، ما عدا بعض الاستثناءات، بقي فيها الاسم فقط، ولم تعد جامعة، لما نلاحظه من مستوى مريع، وطلبة ليس لديهم القدرة على التفكير، باستثناء أقلية، لا يتقنون أدوات العمل، ولا يعرفون حتى كتابة مقالات كأبسط شيء، وغيرها من الأمثلة الكثيرة عن مدى تدهور مستوى الجامعة في الجزائر". جمعها: وليد غرايبية "نحن بحاجة اليوم إلى تقييم الجامعة الجزائرية على المستوى العلمي والبيداغوجي والاستراتيجي بعد 50 سنة من الاستقلال بصفة موضوعية بعيدا عن كل الحسابات السياسية، لاسيما وأن الجامعة تعاني من عدة مشاكل أبرزها تغليب الجانب الكمي على نوعية التعليم، الامر الذي ينعكس سلبا على مستوى الطالب وأداء الأستاذ الجامعي، هناك الكثير من المسائل التي لابد من طرحها اليوم تتعلق بدور الجامعة في المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني لتكون حقيقة في خدمة المجتمع وتؤدي دورها على نحو المطلوب، لكن الملاحظ اليوم أنها لم تعد تؤدي الدور المنوط بها المتمثل في تكوين إطارات يمكن الاعتماد عليهم مستقبلا، وإنما النظام المعتمد بها يقوم على الاتكال ما جعل خريجيها عبء على المجتمع، هناك العديد من الأسباب التي ساعدت على تدني المستوى أبرزها ارتفاع عدد الطلبة الوافدين الى الجامعة وهو ما يفرض اعادة النظر في المنظومة التربوية بأكملها في المجتمع والخلل الذي تضمنه القانون الأساسي للأستاذ الذي لا يشجع على التكوين لأن الترقية لا تأخذ بعين الاعتبار النشاط البيداغوجي." "في الحقيقة أن الجامعة الجزائرية تساهم كغيرها من مؤسسات الدولة لكن منظومة البحث لا تزال في مرحلة جنينية لم تصل بعد إلى النضج الكافي لأن معظم المخابر الجامعية حديثة النشأة أقدم مخبر جامعي انشأ منذ عشر سنوات، إلى جانب ذلك فإن المخابر الجامعية التي أنشئت في السنوات الاخيرة لم يكن هدف القائمين عليها خدمة البحث العلمي والمساهمة في استغلال النتائج وقفا لما ينعكس ايجابا على المجتمع وانما التسابق والتنافس للحصول على الامتيازات والاعانات المقدمة من قبل الصندوق الوطني للبحث العلمي هو الذي يشكل الدافع للأساتذة الجامعيين لإنشائها، وهذا ما يجعل نتائجها دون مستوى المطلوب لايستجيب لحاجيات المجتمع بالرغم من الإمكانيات المسخرة من قبل الدولة، ومن المفروض ان تخضع لتقييم دولي لكن الواقع أن التقييم الحالي بعيد عن الموضوعية يتم بين مدراء المخابر، ضف إلى ذلك التأطير الذي لا تزال فيه الجامعة بعيدة عن المستوى العالمي ويطرح بذلك اشكالية نوعية التعليم ، فضلا عن الإجحاف الممارس الذي يتسبب في تهميش الكثير من الكفاءات، ويحول سوء تنظيم الجامعة والتسيب في حجب نشاط الجامعة على المستوى الدولى."