أتحفت الاوركسترا السمفونية الوطنية الجزائرية الجمهور في مدينة سيدي بلعباس بمقاطع رائعة لعبقري الموسيقى ولفغانغ أماديوس موزار ، في حفلها الذي قدمته مساء أول أمس بدار الثقافة " كاتب ياسين " . قاد الحفل المايسترو السوري ميساك باغبودريان ومع مشاركة بالفرقة من 4 عازفين سوريين هم عمر أبو عفش واثيل حمدان وفراس شحيد ومراد عبد الصمد فضلا عن مشاركة مميزة بالعزف المنفرد على " الجنك " من الايطالية فرانتشيسكا رومانا دي نيكولا. وفي البدء عزفت الفرقة افتتاحية أوبرا (زواج فيغارو) التي ألفها موزار سنة 1786، تلاها كونسرتو من موزار لآلتي الفلوت والجنك عزف منفرد من العازفة الايطالية المبدعة فرانتشيسكا دي نيكولا على آلة الجنك، والعازف الجزائري الماهر جمال غازي على الفلوت .موزار يريد في مقطوعاته التي أبدعها إظهار اننا نتعلم الموسيقى ونعيشها ونصنع شيء ما فيها بأنفسنا ، وهذا ما عاشه الجمهور المستمتع في الحفل عندما عزفت الفرقة "السمفونية رقم 40 لموزار " في الحركة الاولى molto Allegro والحركة الثانية Andante والحركة الثالثة Allegro menuetto- والحركة الرابعة assai Allegro . ومن ثم في الختام نقلتنا الفرقة الى الجو الشرقي بإيقاع سلس متحرك وروحانية ضاجة عبر عزف مقطوعة س . ا . بلي " رقصة لعلاوي " . موسيقى راقية ولوحات فنية كلاسيكية بلمسات فاتنة ومتناسقة في تكامل محكم ، تفاعل جمهور سيدي بلعباس الذواق معها بحماس لدرجة ان المايسترو عبد القادر بوعزارة سماهم في كلمته بختام الحفل ان " جمهور سيدي بلعباس هو من ذهب " . هذه الموسيقى وهذه الحرارة التي نشعرها عند سماعنا للاوركسترا تنشد تنطلق من مكان ابعد من هنا ... انها لمسة ساحرة لمكان ساحر .. انه احتراف ممتع . مع موزار ، يمكننا ان نمزج بين الخيال والواقع . للإشارة ، أسست الأركسترا السمفونية الوطنية سنة 1992، بمبادرة من وزارة الثقافة ، ولكنها لم تنطلق فعليا إلا سنة 1997 تحت قيادة الفنان الراحل عبد الوهاب سليم، هذا الأخير استقال من منصبه وابتداء من سنة 2001 اصبح عبد القادر بوعزارة المتحصل على الماجستير بكونسرفتوار الدولية لمدينة كييف، تخصص آلة الكمان مديرا لها. تتكون الأركسترا السمفونية الوطنية من أكثر من ستون موسيقيا جزائريا محترفا، تكونوا في مدارس جزائرية واخرى أجنبية . وتسعى الى تطوير مجالات الموسيقى العالمية وتوسيع انماطها الفنية لتتكيف مع الموروث الموسيقي الجزائري . وجوه.. فرانتشيسكا رومانا دي نيكولا : بدأت دراستها للموسيقى في ايطاليا ، لتواصل بعدها دراستها المعمقة في الخارج مع استاذها فريديريك كامبرولينغ، في سنة 2005 تحصلت على منحة للدراسة في المعهد العالي للموسيقى لسان سيباستيان ومنحة اخرى في دراسة قيادة الاوركسترا بمسرح اكاديمية " ماجيو موزيكالي فيوريتينو " . خلال مسيرتها المهنية في ايطاليا والخارج، تعاملت مع " اوفيتشينا موزيكالي ايطاليانا " 2004 " الاوركسترا السيمفونية لبيسكارا " 2005 " باسك كونتري سيمفوني اوركسترا " 2008 - 2013 " الاوركسترا الفيلهارموني لاوفييد " 2009 " المجموعة الاسبانية زايير "2013 -2010, الاوركسترا السيمفوني لبيلباو "2013 2011" موزار .. عبقري الموسيقى الذي نبغ صغيرا ومات معدما وبائسا ولد موزار في سالزبورج بالنمسا يوم 27 جانفي 1756 وكان الإبن الوحيد الذي بقي على قيد الحياة لوالده ليبولد موزار الذي كان هو أيضا عازف كمان موهوبا ولقد لقنه والده الدروس الأولى في الموسيقى. كان النجاح السريع الذي حققه الطفل سواء في العزف على البيانو أو كمؤلف موسيقي مبكر النضج داعيا إلى إقناع والده بأن القيام بجولة إستعراضية قد تكون عملية مربحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وفعلا قدم موزار الصغير عروضا في الفترة من 1766م في ميونيخ وفيينا وكولونيا وبروكسل وباريس ولندن وقد كان خلالها بمثابة حدث مثير فتدافع الناس إلى سماعه وبدأ والده في التباهي بالعبقرية المبكرة لطفله. وعند عودته إلى سالزبورج أصبح قائد فرقة مساعد لرئيس الأساقفة وهي وظيفة شرفية. أخده والده بعد ذلك إلى إيطاليا موطن الموسيقى في القرن الثامن عشر وهناك أيضا أحيط بإعجاب كبير وعرضت أوبراه الجديدة " الترياق" على مسرح الأسكالا في ميلانو وهو نصر هائل لطفل في الرابعة عشر من عمره. عاد موزار مرة ثانية إلى سالزبورج فواجه مشكلة كل العبقريات المبكرة ألبا وهي تهيئة معيشة مناسبة لشاب بالغ وقل الطلب عليه للعزف لذا آثر تأليف الموسيقى بمقابل وقام عام 1777 برحلة فنية إلى باريس ولكنها كانت فاشلة. إستقر أخيرا عام 1782 في فيينا بالنمسا ولم يغادرها حتى مماته، وفور وصول النابغة الى مدينة الموسيقى، شاع خبر وصوله كالنار في الهشيم. لا عجب في ذلك، اذا تذكرنا ان موزار عزف اول سمفونية في سنّ السابعة ولحن اول أوبرا في سنّ الثانية عشرة. ولم يقتصر حضوره الى فيينا على شيوع الخبر بين اهل الفن والطرب الموسيقى فحسب، بل أن الامبراطور النمساوي جوزيف الثاني وصله الخبر وبادر بدعوته شخصيا الى القصر للتعرف عليه. وهنا بدأ الموسيقار الشاب عن قصد أو عن غير قصد بسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام موسيقيي القصر ولاسيما الإيطاليين منهم. بالطبع لم يعجب هذا جوقة الموسيقيين الذي تجمعوا حول كبيرهم الموسيقار الشهير في حينها وملحن القصر أنطونيو سالييري وبرع موزار في كافة أنواع التأليف الموسيقي تقريباً منها 22 عملاً في الأوبرا و41 سيمفونية. اتسمت كثير من أعماله بالمرح والقوة كما أنتج موسيقى جادة لدرجة بعيدة ومن أهم أعماله السمفونية رقم 41 (جوبيتر) ودون جوفاني والناي السحري وكوزي فان توتي و18 كونشرتو للبيانو وآلات أخرى منها كونشرتو للكلارينيت. يعتبر من أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى رغم أن حياته كانت قصيرة، فقد مات عن عمر يناهز ال 35 عاماً بعد أن نجح في إنتاج 626 عمل موسيقي. قاد اوركسترا وهو في السابعة من عمره ووافته المنية في يوم 5 ديسمبر 1791م ولم يمش في جنازته سوى خمسة أشخاص فقط من أصدقائه ليوارى التراب في مقبرة المعوزين..