''أنا ولد الطلبة·· ولد جبال السود·· راسي شاب من الغربة·· وقلبي معمر دود·· عمري يا عمري·· حطوه في الجرنان·· والفاكتور يفرق في عرض البلدان''، هي العبارات التي كثيرا ما كان يرددها نبيل القتيل الجزائري الوحيد في زلزال هايتي وهو يعبر عن حبه لبلده الجزائر ونقمته على حياة المهجر والترحال التي فرضتها عليه الظروف، بالرغم من رفضه التام لها ولويلاتها التي كانت السبب في عدم عودته لأحضان أمه التي ودعها في ال 17 من ديسمبر الماضي وهو يترجاها بأن تدعو الله أن يعين ''الخضر'' في معركتهم بأم درمان··· حلم نبيل تحقق، ودعاء والدته استجاب له الله، لأن الجزائر في المونديال، غير أن رغبته الجامحة في حضور أفراح بلده ومحاربوها يعودون بالكأس الإفريقية من ''لواندا'' لن تتحقق، لأن الموت اختطفه وهو يرسم خريطة تعبيد أحد الطرق الرئيسية بجزيرة هايتي بعد الزلزال الذي ضرب الأخيرة الثلاثاء الماضي وخلف أزيد من 40 ألف قتيل· ''الجزائر نيوز'' انتقلت، مساء أمس، إلى مسقط منزل عائلة الضحية الكائن بشارع عبان رمضان بوسط مدينة قسنطينة، وبالرغم من الجو الجنائزي والحزين الذي كان سائدا، إلا أن أفراد عائلة ''نغاش'' استقبلونا بصدر رحب وأعين مغرورقة بالدموع، ويروي ''منير'' الأخ الأكبر للضحية، بأن آخر زيارة ل ''نبيل'' إلى قسنطينة كانت شهر ديسمبر الماضي، حيث فضّل مشاهدة مواجهة الفريق الوطني أمام نظيره المصري وسط أفراد عائلته وبين أصدقائه، وحينها كان جد واثق من قدرة سعدان وأشباله على تحقيق الفوز الذي رأى النور في الخرطوم، ووقتها كان نبيل في فرنسا بعد أن قطع عليه رئيسه عطلته بالنظر للعمل الكبير الذي ينتظره، غير أن ذلك لم يمنعه من إطلاق العنان لفرحته رفقة أفراد جاليتنا ببلدة أورياك التي يقيم بها· هذا، وأضاف أخ الضحية بأن الأخير من مواليد 1954 وأنه أب لثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 17 سنة، انتقل للعيش بفرنسا سنة 1998 رفقة أفراد عائلته ويشتغل بمؤسسة ''ماتيير'' للأشغال العمومية الكبرى كمهندس مختص في الطرقات، وخلال هذه الفترة كانت لنبيل عدة مغامرات في فلسطين، العراق وأفغانستان والكثير من بؤر التوتر في العالم، حيث تكفل رفقة الفريق العامل معه بتصليح الطرقات التي أتت عليها آلة الحرب، وفي كل مرة كان يكلف بمهمة في مثل هذه الدول، كان يترجى عائلته بألا تقلق عليه لأن الأعمار بيد الله والموت واحدة لقوله تعالى ''ولا تدري نفس بأي أرض تموت''، وهو ما كان، حسب ذات المتحدث، حيث أن ''نبيل'' عشية الأحد من الأسبوع الماضي كلفه رئيسه في العمل بالانتقال إلى هايتي رفقة زميله سارج البالغ من العمر 51 سنة وهو من جنسية فرنسية من أجل وضع الروتوشات الأخيرة على أحد المشاريع الكبرى التي فازت الشركة بمناقصتها. وبموجب ذلك، التحق ''نبيل'' وصديقه بهايتي صباح الإثنين الماضي، وبينما كانا داخل المكتب وقع ما لا يخطر على بال، وعلى أنقاض إحدى البنايات قضى ابن قسنطينة نحبه رفقة زميله في حادثة مفجعة سمعت بها عائلة المرحوم ليلة الخميس الماضي، في حين كانت تظن أن ابنها بمنزله في فرنسا رفقة أطفاله وزوجته لأن عودته كانت مقررة نهار الثلاثاء الماضي· أما ''مليك'' الأخ الأصغر للضحية فيقول بأن المرحوم كان محبوبا جدا وسط أفراد عائلته وأصدقائه الذين لم يصدق أي منهم ما حدث لرفيق دربهم وهو الذي غادرهم دون رجعة، مضيفا في ذات السياق بأن أخاه كان يعشق الغناء الشعبي وكان عازفا جيدا على آلة الفيتارة التي لم تفارقه حتى في رحلاته العديدة· من جهتها، والدة ''نبيل'' وبينما كانت تساعد أبنائها في البحث عن صور ابنها التي تحصلت الجريدة على نسخ منها، كانت في حالة نفسية مزرية، غير أنها كانت جد مؤمنة بحكم الله وقدره، واكتفت في حديثها لنا بأن ''قدر الله وما شاء فعل''، مترجية العلي القدير في حديثها بأن يجعل ابنها في الجنة· هذا، ومن المنتظر أن يصل جثمان الفقيد بعد يومين إلى مسقط رأسه في عملية ستتكفل بها الهيئة الإدارية للشركة التي يعمل بها·