مسجد سيدي عقبة الحمد لله الّذي أنزل على عبده الكتاب، و تكفّل بحفظه، و وصّله لنا غضّا طريّا، رغم تطاول القُرون. و لقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون. (القصص/51)، و أوضح وُجوه معالم دينه و شريعته، بالبُرهان و اليقين، و خصّ أمّة الإسلام بمنن كثيرة، و أتحفها بفضائل جمّة. و الصّلاة و السّلام على الرّحمة المُهداة، مُحمّدٍ، المُستأثر بالخصال الحميدة، و المُجتبى المُختصّ بالخلال السّعيدة، و على آله و صحبه الكرام، مُؤيّدي الدّين و مُظهري الإسلام، و على التّابعين و تابعي التّابعين، بالخير و الإحسان، و على عُلماء الأمّة الإسلاميّة في كُلّ زمان و مكان. و بعد، فلقد كانت و لا تزال علاقة أهل منطقة الجلفة الواسعة، المُترامية الأطراف، في عُمومهم، أقيالهم و أغفالهم، بمدينة سيدي عُقبة الأثريّة التّاريخيّة، علاقة وطيدة ومُتجذّرة و مُتواصلة، مُنذ أمد، و إلى يوم النّاس هذا، يتغلّفها شيءٌ من الرُّوحيّة و التّعظيم، و يُضفيها بعضٌ من التّقديس المشروع؛ لما يحملونه لذلك الفاتح العظيم، الّذي جاء إليها و إلى غيرها من كُور الشّمال الأفريقي، ضمن الفُتوحات الإسلاميّة العظيمة، في عهد بني أميّة (عصر الانطلاق و التّوسّع)، خلال القرن السّابع الميلادي، و المدفون فيها؛ عُقبة بن نافع بن عبد القيس الأُمويّ القُرشي الفهريّ (رضي الله عنه)[1]، من تبجيلٍ وتقديرٍ، الّذي سُمّيت به تيمّنا و تبرّكا. و منهم وُفودٌ و حجيجٌ، من أهل العلم و الفضل، و من عامّة النّاس، يزورونها في كُلّ عام مرّة أو مرّتين، خلال أيّام عاشوراء و الميلود (المولد النّبويّ) و رمضان من السّنة، و هُم مُحمّلون بالهدايا و العطايا و مُجمل الصّدقات، و ذلك ضمن زياراتهم المكرورة، إلى زوايا الهامل و أولاد جلّال و طولقة، و كذلك مدينة سيدي خالد الزّاخرة، و الّتي بها مسجد الرّجل الصّالح خالد بن سنان العبسي؛ بدوافع عديدة، مشروعة و غير مشروعة[2]. و مدينة سيدي عُقبة من أقدم مُدن الزّاب، بالجنوب الشّرقيّ الجزائري، بها ضريحُ الفاتح المذكور، في المسجد الكبير للمدينة[3]، و الّذي يحمل إسمه، و مساجد أُخرى، و مقارئ و كتاتيب، و معهدٌ لتكوين و تأطير أئمّة المساجد، مشهورٌ و معروفٌ. و تبعد عن مقر ولاية بسكرة الولّادة، نحوا من 18 كلم، من الجهة الجنوبيّة الشّرقيّة لها، يحدّها من الشّمال شتمة، و بسكرة، و من الغرب أوماش، و من الجنوب الحوش، و من الشّرق عين ناقة، و بها واحات للنّخيل، و يبلغ عدد ساكنيها 41000 نسمة، أو يزيدون، و هُم مزيجٌ بين الفهريين و بني سُليم و بني هلال (رحمان) و أولاد السّائح (السّايح) الأشراف، و بينهم انتشارٌ كبيرٌ للإصلاحيين السّلفيين، و للطُّرقيين العلاويين (العليويين) الشاذليين و العُثمانيين الرّحمانيين. و قد تخرّج بها نفرٌ لا بأس به من العُلماء و طلبة العلم و الأُدباء و الكُتّاب، خلال القرن الميلادي العشرين، نذكر أسماء بعضهم، على سبيل المثال، لا الحصر (التّرتيب بينهم حسب تاريخ الوفاة) : 01) مُحمّد البُخاري بن الصّادق بن المُبارك (لمبارك) زراري الشّريف (1844 م[4] 1916 م). أديبٌ عالمٌ مُشاركٌ. تولّى القضاء ثمّ عُزل. له مُساجلات مع الشّيخ مُحمّد بن يُوسف أطفيّش (الطفيّش) الإباضي الخارجي المُتوفّى 1914 م. و من مُؤلّفاته : كشف اللّثام في ما شغل قُلوب الخواصّ و العوامّ، و رسالة الياقوت و المرجان في من لا اعتناء لهم برُؤية رمضان، و مواهب الباري في مناقب مُسلم و البُخاري، و منح الوهّاب في مسائل الإسطرلاب، و حواشٍ عديدة. كانت وفاته بمدينة قالمة، بالشّرق الجزائري. 02) الدّرّاجي بن عبد الله الصّوليّ (1833 م 1920 م). عالمٌ فقيهٌ مُطّلعٌ واسع المعرفة. 03) عليّ بن إبراهيم بن مُحمّد الصّغير الشّريف (.... م 1921 م). فاضلٌ مُدرّسٌ. قرأ بزاوية الهامل المشهورة. 04) عبد الباقي بن مُحمّد بن سالم بن العربي (1851 م 1926 م). فاضل مُشاركٌ جيّد في الفُنون. له اشتغال بالتّدريس العتيق. 05) البشير بن الصّادق بن إبراهيم العبد الرّحماني (1844 م 1928 م). نحويٌّ مُشارك في الفُنون و العُلوم. درس بزاوية الشّيخ مُصطفى بن عزّوز البُرجي بنفطة، بتونس، و قد تناسلت معارفه في تلاميذه الّذين تلقّوا منه و أخذوا عنه. 06) مُحمّد الأخضر (لخضر) بن عمّار (1870 م 1938 م). له مُشاركة طيّبة في عُلوم الشّريعة. تولّى التّدريس و الإمامة، و عُرف بالصّدق و التّقوى و الصّلاح. 07) مُحمّد الصّادق بن مُحمّد الهادي بن الهادي (بلهادي) الشّريف (1875 م[5] 1939 م). عالمٌ مُلمٌّ، له ميلٌ للتّصوّف و الطُّرقيّة[6]، و كان على ورعٍ و تقوى، و يقرض الشّعر. اُختير باش عدل بمحكمة مدينة وادي سُوف، ثمّ بمحكمة مدينة تكوت، بولاية باتنة، ثمّ بمحكمة مدينة سيدي عُقبة. و قد قام برحلة قادته إلى الحجاز و بيت المقدس و الشّام و تُركيا و فرنسا و إيطاليا. من آثاره : ديوان شعر. و من العُلماء الّذين أجازوه كتابة؛ الشّيخ يُوسف بن إسماعيل النّبهاني المُتوفّى 1932 م، صاحب التّآليف الكثيرة. 08) مُحمّد العزّوزي بن الصّادق حُوحُو (1904 م 1944 م). أديبٌ كاتبٌ ناقدٌ مُصلحٌ. قرأ بجامع الزّيتونة، بتونس. مات بمدينة قسنطينة، بالشّرق الجزائري، و دُفن في إحدى مقابرها. له مقالات، جُلّها مُتعلّقٌ بالإصلاح، و بجمعيّة العُلماء. 09) الشّاذلي (الشّادلي) عبد الغني (1905 م 1947 م). أديبٌ لٌغويٌّ كاتبٌ شاعرٌ. كان على خطّ جمعيّة العُلماء المُسلمين، و قد تولّى التّعليم و التّدريس لديها. 10) أحمد بن العابد القرطي (1897 م 1950 م). أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ. مارس الصّحافة ردحا من الزّمن. انضمّ إلى حركة الإصلاح، ثمّ تلوّى. له قصائد شعريّة، و مقالات صُحفيّة. 11) مُحمّد بن صالح منصوري، المعروف بابن دايخة (1882 م[7] 1951 م[8]). أديبٌ مُشاركٌ مُدرّسٌ. له شعر. واصل دراسته العربيّة و الشّرعيّة بالمدينة المُنوّرة. كان على منهج جمعيّة العُلماء الإصلاحيّة السّلفيّة. له خطبٌ منبريّة، و قصائد شعريّة. 12) عليّ مُوسى بن عمّار (1875 م 1955 م). صُوفيٌّ أديبٌ مُدرّس. اشتغل بالصّحافة وقتا. مات و دُفن في مقابر مدينة بسكرة. 13) أحمد رضا حُوحُو (1910 م[9] 1956 م). أديبٌ كاتبٌ قاصٌّ. اشتغل بالصّحافة لوقت، و ساند جمعيّة العُلماء. زار الشّرق الإسلامي، و بُلدانا أخرى. له غادة أمّ القُرى، و مع الحمار الحكيم، و صاحبة الوحيّ، و نماذج بشريّة، و في الأدب و الاجتماع، و عشر سنوات في الحجاز، و مجموعة مقالات، منها الطُّرقيّة في خدمة الاستعمار، و خواطر حائر. مات مقتولا، و دُفن رُفاته في مقبرة الشُّهداء بالخروب، بقسنطينة، بالشّرق الجزائري. 14) الطّيّب بن مُحمّد بن إبراهيم بن الحاجّ صالح العبد الرّحماني، المعروف بالطّيّب العُقبي (1890 م[10] 1960 م). أحد أساطين جمعيّة العُلماء، و أحد جلاوذة العلم و المعرفة الشّرعيّة بالقُطر الجزائري في وقته. أديبٌ لُغويٌّ فقيهٌ مُفسّرٌ كاتبٌ مُجيدٌ شاعرٌ فحلٌ. سلفيّ العقيدة و المنهج و السُّلوك. له أعمالٌ و فضائل كثيرات، و آثارٌ بين نثرٍ و قريضٍ. و يعود تكوينه العلميّ إلى المسجد النّبويّ الحافل بحلق العلم و العُلماء. كانت وفاته بالجزائر العاصمة. و إليه ينسب بعضُهم العُقبيّة، على غرار العبداويّة (نسبة إلى الإمام مُحمّد عبده الأزهريّ المُتوفّى 1905 م)، و الوهّابيّة (نسبة إلى الإمام مُحمّد بن عبد الوهّاب النّجديّ المُتوفّى 1792 م)، و في ذلك حيفٌ و حيدٌ. 15) الهاشمي بن المُبارك (لمبارك) بن مُحمّد الشّريف (1882 م 1967 م). مُقرئ نحويٌّ فرضيٌّ. تولّى إمامة النّاس بمسجد عُقبة بن نافع، أربعين عاما. 16) عمر بن مُحمّد بن ناجي بن بسكري (1898 م 1968 م). أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ. له علاقة وطيدة بالإصلاح و جمعيّة العُلماء. كانت وفاته بوهران، بالغرب الجزائري. من آثاره مقالات و أشعارٌ. 17) عليّ بن عثمان بن خلف الله الشّريف (1889 م 1971 م). فاضلٌ له تحصيلٌ علميٌّ طيّبٌ. تولى التّدريس لزمن طويل بمسجد عُقبة. مات بمدينة عنّابة، بالشّرق الجزائري، و دُفن فيها. 18) عبد الحفيظ زبدي الدّريدي (1890 م 1975 م). صُوفيٌّ طرقيٌّ رحمانيٌّ عُثمانيٌّ. له اهتمام بطلب العُلوم الشّرعيّة، و اعتنى بالتّدريس في النّاس، و الإمامة لهم. 19) صالح بن عبد الهادي بن الحاجّ الصّادق مسعودي (1902 م 1978 م). فاضلٌ مُشاركٌ. درس بجامع الزّيتونة، و بالمدينة المُنوّرة، و عُني بالتّعليم و التّدريس. 20) عبد المجيد بن مُحمّد بن عليّ حبّة، المعروف بابن حبّة (1911 م 1992 م). أديبٌ عالمٌ فقيهٌّ أُصوليٌّ مُؤرّخٌ إخباريٌّ نسّابة شاعرٌ. له تصانيف، منها : إسعاف السّائل برؤوس المسائل، و سيرة عُقبة بن نافع القائد المُظفّر، و تذكرة أُولي الألباب بمُلخّص تاريخ بسكرة و الزّاب، و أخبار خالد بن سنان العبسي (قيد الأوابد من حياة خالد)، و الهمّة في ما ورد في العمّة، و أعلام بسكرة، و الإعلام بما اتّفق عليه السّتّة الأعلام من الأحاديث و الأحكام، و القُصاصة في جمع أشتات صحابة الخُلاصة، و قصّة الاشتراكيّة، و ديوان شعر، و غيرها. كان دائم التّردّد إلى مدينتي الجلفة و مسعد، و له بهما أصدقاء أودادٌ. 21) عليّ بن إبراهيم بن مُحمّد الشّريف (1869 م ؟). عالمٌ فاضلٌ. قرأ بزاوية الهامل، ثمّ بالزّيتونة بتونس. أقرأ و درّس و أفاد، و أخذ عنه خلقٌ كثيرون. لم أقف على تاريخ ميلاده بالتّحديد. و في الختام أقول لقد شاهدت و لمست، من عامّة أهل الجلفة الطّيّبين، من أهل الفضل منهم، و من غيرهم ، تقديرا واضحا، و تبجيلا كبيرا، لمدينة سيدي عُقبة، الضّاربة بطرف لا يُستهان، في التّاريخ الإسلامي الجزائري الحافل، و لأهلها و سُكّانها، عواما كانوا أو خواصا. و صلّى الله و سلّم على سيّد المُرسلين، نبيّنا مُحمّدٍ، و على آله و صحبه، و من تبع محجّتهم البيضاء، و اهتدى بهديهم، إلى يوم الدّين. و سلامٌ على المُرسلين، و الحمد لله ربّ العالمين. هوامش 1 ولد قبل الهجرة النّبويّة، بنحو سنة، ما يُقابله بالتّأريخ النّصراني، سنة 621 م، و قُتل شهيدا ( إن شاء الله )، سنة 63 ه / 683 م. قال بعضهم هو من الصّحابة، و قال أهل التّحقيق : لا صُحبة له، و هو القول الرّاجح. و الله أعلم. و هو ابن خالة الصّحابيّ الجليل عمرو بن العاصّ ( رضي الله عنه )، الّذي أرسله واليّا على أفريقيّة، سنة 42 ه ، و افتتح كثيرا من البُلدان، و منها كُور السُّودان، و ولّاه الخليفة مُعاوية بن أبي سُفيان ( رضي الله عنهما ) على ما افتتحه من بلاد أفريقيّة، سنة 50 ه. و قد أسّس مسجدا بوادي القيروان، لا يزال إلى يوم النّاس هذا، معروفا بإسمه، و بُنيت بجواره أبنية و حذاءات. عزله مُعاوية ( رضي الله عنه )، سنة 55 ه، ثمّ ولّاه مرّة أُخرى يزيد، سنة 62 ه، و استقرّ بالقيروان، و خرج منها بجيوش عظيمة، و افتتح أجزاء أُخرى، و بلغ المغرب الأقصى ( العُدوة )، و رأى مياه المُحيط، و حين عودته، و قد سبقته جيوش عساكره إلى القيروان، أطبق عليه جُيوش الفرنجة في تهودة، ببلاد الزّاب، و قُتل و من معه، و كانوا قلّة، و دُفنوا بتلك الجهة. و قال بعض أهل التّاريخ و التّراجم : ( و قُتل عُقبة بن نافع سنة ثلاث و ستّين، بعد أن غزا السُّوس الأقصى، قتله كسيلة بن لمرم، و قتل معه أبا المُهاجر دينارا، و كان كسيلة نصرانيّا، ثمّ قُتل كسيلة في ذلك العامّ، أو في العامّ الّذي يليه، قتله زُهير بن قيس البلوي. ) اه. و الله أعلى و أعلم. 2 هل المُراد بقولهم، إنّما نزور هذه الأماكن تبرّكا ؛ التّبرّك المُرادف للدُّعاء و الطّلب و الانتفاع و نحوها ؟ أم هو الفضل و الحكمة و الاعتبار و الاتّعاظ و التّدبر ؟ و هل التّبرك يكون بالأحياء أم بالأموات ؟ فإن كان ( التّبرك ) بالأحياء يجوز فيه المُراد الأوّل و الثّاني، و قد جرى ذلك في عهد السّلف. و إن كان ( التّبرك ) بالأموات فلا يجوز فيه المُراد الأوّل باتّفاق أهل السُّنّة جميعًا ؛ لأنّ ذلك نوعٌ من أنواع الشّرك، و العياذ بالله، أمّا المُراد الثّاني فيجوز فيه على الرّاجح من قول المُحقِّقين. و الله أعلى و أعلم. 3 بناء القباب و المساجد على أضرحة الصّالحين و الأولياء، و دعوى ثُبوت الأجر و المنفعة لمن زارها و توسّل بساكنيها و العياذ بالله، أمران مُنكران. قال الله تعالى : ( إن تدعوهم لا يسمعوا دُعاءكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون بشرككم و لا يُنبّئك مثل خبير ). فاطر / 14، و عن عائشة ( رضي الله عنها ) أنّ نساء النّبيّ ( صلّى الله عليه و سلّم ) تذاكرن عنده في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه و سلّم ) : ( أُولائك قوم إذا مات الرّجل الصّالح عندهم، بنوا على قبره مسجدا، ثمّ صوّروا فيه تلك الصُّور، فأُولائك شرار الخلق عند الله ). رواه البُخاري و مُسلم. وعن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) نهى رسول الله ( صلّى الله عليه و سلّم ) أن يُجصّص القبر و أن يقعد عليه و أن يُبنى عليه. رواه مسلم. و قد قرّر عُلماء أهل السُّنّة أنّ زيارة القُبور سُنّة مشروعة بالكيفيّة المأثورة، و لكنّ الاستعانة بالمقبورين أيّا كانوا، و طلب قضاء الحاجات منهم، عن قُرب أو بعد، و النّذر لهم، و تشييد القُبور و سترها و إضاءتها و التّمسّح بها و الحلف بغير الله، و ما يلحق بذلك من المُبتدعات، كبائر تجب مُحاربتها، و لا نتأوّل لهذه الأعمال سدّا للذّريعة. 4 و قيل سنة 1850 م. و الله أعلى و أعلم. 5 و قيل سنة 1869 م. و الله أعلى و أعلم. و إسمه الكامل مُحمّد الصّادق بن مُحمّد الهادي بن الهادي عبد الحيّ بن أحمد دفين بلدة عمر، الواقعة غربي مدينة تقرت، بنحو 15 ميلا. و هو من عرش أولاد السّائح ( السّايح )، من الأدارسة الحسنيين الأشراف. و الله أعلى و أعلم. 6 لقد ذكر حفيده الأُستاذ عبّاس بلهادي، أنّ جدّه درس بنفطة، بتونس، و أخذ عن عُلمائها، ثمّ توجّه إلى جامع الزّيتونة المعمور، أين صار رفيق الدّراسة لرائد الإصلاح بلا مُنازع في وقته بالقُطر الجزائري، العالم الكبير عبد الحميد بن باديس المُتوفّى 1940 م، و كانا يسكنان في شقّة واحدة بالعاصمة تُونس، و توطّدت العلاقة بينهما ؛ صداقة و أخوة، و ظلّا يتبادلان الاحترام و التّقدير، إلى أن فرّقت بينهما المنيّة. أمّا الأُستاذ الباحث عبد الحليم صيد، فقد ذكر أن الشّيخ الصّادق بن الهادي تلقّى تعليمه الشّرعي الثّاني، بزاوية الشّيخ مُصطفى بن عزّوز، بنفطة، و قال و ما ذكرته عنه بأنّه كان زميلا للعلّامة عبد الحميد بن باديس، فهو خطأ، و قد نبّهني إلى ذلك الشّيخ التّواتي بن مبارك، من خلال فارق السّنّ بينهما، المُقدّر بحوالي بحوالي 20 سنة ( ميلاد الصّادق سنة 1869 م و ميلاد ابن باديس سنة 1889 م ). و ذكر أيضا أنّ ما قاله عبّاس بلهادي عن جدّه الشّيخ الصّادق، أنّه كان على اتّصال وثيق بجمعيّة العُلماء المُسلمين الجزائريين، هو قولٌ مُخالفٌ للواقع ؛ لأنّ الصّادق بن الهادي كان صُوفيّا على الطّريقة العلاويّة، و خلاف الجمعيّة مع هذه الطّريقة معروفٌ و مشهورٌ. و الّذي يترجّح عندي كلام الأُستاذ عبّاس بلهادي ؛ لقُرب العلاقة، هذا من جهة، و من جهات أُخرى، تحسّن علاقة جمعيّة العُلماء بالزّاوية العلاويّة، من طريق الزّيارة التّاريخيّة الّتي قام بها الإمام المُصلح ابن باديس إلى الزّاوية المذكورة بمستغانم، سنة 1347ه / 1929 م، والتقى فيها الشّيخ المُؤسّس لها أحمد بن مُصطفى بن عليوة المُتوفّى 1934 م، و تصالح معه، بعد سجال بينهما، بدأ من سنة 1343ه / 1925 م، و انتهى بعد أربع سنوات، و كذلك ما ذكره العلّامة السّلفيّ أبو يعلى الزّواوي المُتوفّى 1952 م، عن الشّيخ ابن عليوة نفسه ؛ إذ يقول : (... و مثله الشّيخ أبو العبّاس السّيّد أحمد بن عليوة المُستغانمي ذو المحامد و المكارم مُحبّ السُّنّة و الجماعة المُتفاني في خدمة الإنسانيّة و الإرشاد إلى النّظافة و الفطرة السّليمة، و ترى مريديه على نظافة و طهارة تامّتين، و قد امتاز أتباعه بإعفاء اللّحى و قصّ الشّوارب، مُتحلّين بتلك السّنّة و الفطرة الإسلاميّة العربيّة، أنقذهم من تشويه الوُجوه عند أهل العصر من حلق اللّحى المذموم طبعاً و شرعاً، و إنّ حلق الرّجل لحيته يُعادل بطريق المُشاكلة حلق المرأة رأسها حذو النّعل بالنّعل، و من أعماله المبرورة إنقاذ الفُقراء و المُعوزين و السّكارى و الشّبّان المُستهترين ممّا هم فيه، و جلبهم إلى طريقته المُثلى من الطّهارة و النّظافة و هذا ممّا نشكرهم عليه، و يحبّ طلبة العلم و يُعظّمهم و يُقرّبهم و يُدنيهم منه و يأخذ بآرائهم . ) اه. الإسلام الصّحيح، ص ( 102 / 103 ). منشورات الحبر. 2008 م. و بالإضافة أيضا إلى ما أخبرني به الشّيخ الصُّوفيّ المُلتزم الحاجّ عامر بن مُحمّد الرّحماوي النّايلي، من طريق شيخه العالم عبد المجيد بن حبّة، الّذي أخبره و زوّده بشيء، من سيرة الشّيخ الصّادق بلهادي، و أنّه كان على أدبٍ و علمٍ جمٍّ، و أنّه كان على الطّريقة العلاويّة، غير مُغالٍ فيها، و أنّ علاقته مع جماعة الإصلاح، كان يشوبها الاحترام و التّقدير و المُناصحة، و ذكر له أنّه كان يُحبّ الشّعر، و قد حصّل عليه مرويات خاصّة بحياة الشّيخ المذكور ؛ في سُلوكه و أدبه و علمه. و أقول أنّ من خلال ما أخبرني به الحاجّ عامر، بدا لي واضحا، أنّ الشّيخ ابن حبّة كان يُجلّ كثيرا شيخه الصّادق بلهادي، و يُثني على سعة علمه و اطّلاعه. و أمّا فارق السّنّ فليس حُجّة مُطلقا، لاسيما في موضع المُجايلة و التّزامن في الدّراسة و التّعلّم و طلب العلم، و فارق السّنّ هُنا ؛ بين الشّيخين ( ابن باديس و بلهادي ) مُضطربٌ كما هو مُلاحظ فلا يصلح للاستدلال. و من ضروري القول في هذا السّياق، أنّ جمعيّة العُلماء المُسلمين الجزائريين العظيمة، كانت إصلاحيّة، على الطّريقة السّلفيّة ؛ اعتقادا و منهجا و سُلوكا، و لم تكن أبدا صداميّة مُتهوّرة، بل كانت هيّنة ليّنة في دعوتها. أمّا الشّيخ أبو العبّاس أحمد بن مُصطفى بن مُحمّد بن أحمد بن عليوة المُستغانمي ( 1874 م 1934 م )، فكان فقيها صُوفيّا طُرقيّا، و إليه تنتسب الطّريقة العلاويّة، له أعمالٌ و أفضالٌ، و قد ذكرت له ترجمة وافية، في كتابي الموسوم " طبقات المالكيّة الجزائريين خلال المئة الهجريّة الأخيرة "، الّذي قدّم له الأستاذ الدّكتور المُحدّث المُحقّق بشّار بن عوّاد بن معروف العُبيدي الأعظمي البغدادي، ثمّ العمّاني الأردني. و الله أعلى و أعلم. 7 و قيل سنة 1889 م. و الله أعلى و أعلم. 8 و قيل سنة 1952 م. و الله أعلى و أعلم. 9 و قيل سنة 1889 م. و الله أعلى و أعلم. 10 و قيل سنة 1912 م. و الله أعلى و أعلم.