منذ الإحصاء الرسمي الأخير يُردد الكثير - ما عدا وسائل الإعلام - عبارة "الجلفة رابع ولاية" من حيث عدد السكان، وبأنّ مدينة الجلفة رابع مدينة وطنياً من حيث الكثافة السكانية، مثلما يتفاخر الكثيرون من أبنائها على خلاف وسائل الإعلام بأنهم ينتمون لأكبر عرش في إفريقيا. وبغض النظر عن مدى دقة تلك المعلومات من عدمها، فإنّ المواطن الجلفاوي لم يلمس أي خصوصية تُصدّق تلك الحقائق التي يتغنّى هو بصحتها.. ولأنه أيًّا كانت قوائم الأحزاب، قوية كانت أو مجهرية - مثلما يُزايد بعضهم على بعض - ومهما كان ترتيب مُرشّحي تلك القوائم، في الرأس أو في ذيلها، حسب أحد المعايير التي سُقنا آنفاً؛ فلقد عوّدنا أغلبهم على عدم الاهتمام بهذا الموضوع كثيراً، ولا حتى أثناء حملاتهم الانتخابية، بل أثبتت ممارساتهم العملية بعد نجاحهم -بغض النظر عن مفهوم النجاح هنا - حقيقة واحدة يكاد يُجمع عليها أداؤهم الهزيل، هو أنّ "الجلفة رابع ولاية" أسطورة وهمية، وانها أصغر بكثير ممّا نتصوّر ؟!!.. أرجوا أن لا تتسرّع أخي الجلفاوي - تحت تأثير عاطفتك - في الحكم على هذا الاستنتاج، لأنني سوف أُدلّل لك بالحقائق - التي تتغاضى عنها أيضاً أغلب وسائل الإعلام - عن الحجم الحقيقي لهذه القرية المجهرية !!.. إنطلِق إلى مكتب البريد أو إلى مصلحة اتصالات الجزائر، وسوف تتفاجأ عند أبسط مُشكلة تواجهك هناك، بقول عون الشباك: سوف نتّصل بالشلف لحل مُشكلتك ؟!!.. فتخرج والحيرة بادية على وجهك، أين أنا في الجلفة المليونية أو في إحدى قرى الشلف ؟!!..لكن دهشتك سُرعان ما تزول إذا ما التقيت بصديق لك يجرّ أذيال الهزيمة وقد خرج للتو من شبابيك الصكوك البريدية لأنّ إدارته المُستخدِمة تواجه مشكلة سيولة في حسابها الجاري، وقد تلقى وعوداً من طرف بعض معارفه بأنهم سيتولون الاتصال بغرداية لتسريع الحل له ولباقي البؤساء الذين ينتظرون "الباقة" بشغف ؟!!.. تجلس مع صديقك في أحد المقاهي المليونية المكتظة بها شوارع المدينة المليونية تتبادلان التعازي، فيواسيكما أحد الجلوس بأن الأمر طبيعي، وبأنه هو شخصياً أثناء محاولاته المتكررة لإصلاح عطب في هاتفه الثابت، سمع مراراً عبارة: اتصلنا بمديرية التعطلات في ورقلة ولم نتلقى بعد الردّ.. زيد أصبر ؟!!.. فيتدخّل "القهواجي" ضاحكاً: "ما شفتم والو.."، لأنّ "المعلّم" - يقصد صاحب المقهى - كان قد توجّه "شقى" إلى البليدة للضغط على مديرية التجارة، بعدما أتعبه أعوانها بترصّدهم إياه لأنهم "شارينهالوا" حسب قوله، لأنّ المديرية الجهوية هناك؟!.. وفجأة يتدخل رجل "مكرفط" يظهر عليه مظهر المثقف، جمعته الأقدار بكم في تلك "القهوة" من بين مليون "قهوة" منتشرة في الولاية، فيقول بلكنة إدارية "غير جلفاوية": يظهر أنكم لا تعلمون أنّ الخزينة الولائية - رغم مليونية ولايتها - تابعة للخزينة الجهوية ببسكرة - رغم عدم مليونيتها - وكذلك مصلحة مسح الأراضي، حتى المتحف "انتاعكم" الذي يُخلّد أمجاد بطولات منطقتكم ينتظر الإذن بالنشاط ويترجى التمويل من هناك، أي من بسكرة ؟!!.. إنني بحكم التخصص أعلم أنه من ضروريات اللامركزية والتسيير الجهوي للقطاعات يتم توزيع المصالح التابعة للولايات على هيئات تتولى عن الوزارة الوصية متابعة المشكلات العالقة إقليمياً.. ولكنني بحكم التخصص أيضاً مقتنع بأنّ أوّل معيار يُعتمد لتحديد تلك الجهويات - في كل الدول التي تحترم ولاياتها - هو عدد السكان والموقع الجغرافي في تلك الولايات.. وإذا كان التقسيم الجهوي الذي سُقنا أمرٌ واقع درجت على قبوله إدارات ولايتنا، وسلّم بقدرهم المحتوم مواطنوها، فلماذا تُستدعى "الجلفة" في الندوة الجهوية لتربية المائيات في ولاية عين الدفلى رغم أنّه ليس لتلك الولاية بحرٌ أبيض ولا متوسط ؟!!.. ولماذا تُستدعى "الجلفة" لمناقشة قانون الصحة في الجلسات الجهوية إلى ولاية وهران رغم أنها تتوسّط ولايات الوسط ؟!!.. دون أن يتساءل أكثر من مليون مواطن أو يتساءل مسؤولي ولايتهم "المليونية" عن عدم جدوى تنظيم مثل تلك التظاهرات هنا ؟!!.. لماذا يتحمّل دائماً البرنوس الجلفاوي، والكبش الجلفاوي.. وحتى المشماش أو الرمّان الجلفاوي - المسخرين لخدمة مصالح شخصية ضيّقة - عبء التنقّل إلى كبار المسؤولين ؟!.. لماذا لا يتنقّل أولئك المسؤولون إلى بلد البرانيس والكباش والرمان والمشماش لتثمين تلك الموارد ولتنشيط الاستثمار فيها وتفعيل الطاقات المحلية "المليونية" المكنونة فيها ؟!.. من المنطقي - وفق منطق الاستغلال - أن تستثمر الأحزاب بمختلف تركيباتها في "مليونية" الجلفة في الانتخابات الرئاسية، لأنهم يحتاجون أصوات "الملايين"؛ لكنه من غير المنطقي - وفق منطق الشراكة ووحدة المصير - أن نجد أصحاب "الملايين" أو أبناء القنطاس أحمرا كان أم أسوداً أو أدعياء التديّن يُعرضون عن أداء تلك المعزوفة الوطنية، لأنهم ببساطة سوف يتقاسمون الأصوات فاقت المليون أو قلّت ؟!!.. ولا يهم عندهم أن تكون الجلفة ولاية "مليونية" مكتظة أو قرية هادئة هدوء قضاء مصالحهم التي تخوّلها لهم مناصبهم ومقاعدهم التي يجلسون عليها بفضل أصوات ذلك المليون ؟!!.. لا يهمهم طبعاً "حصة" الجلفة من الاستثمارات لأنهم ليسوا مستثمرين أصلاً.. لا يهمهم طبعاً حصة "الجلفة" من مناصب الشغل لأنّ "حصة" وظائف أحبابهم محجوزة لهم في كل "كوتة" بحكم الحصانة والنظر مع الوزير الفلاني !!.. لا يهمهم طبعاً "حصة" الجلفة من الهياكل والمرافق الحيوية: مستشفيات، مطارات، مناطق صناعية..، ولا التخصصات الضرورية التي توفرها الجامعة لولايتنا.. اللهم كُتل الاسمنت المكوّمة هنا وهناك ضمن أشباه المشاريع، لأنّ أغلبهم صار مقاولاً بحكم منصبه حتى في عزّ إجراءات التقشّف ؟!!.. لا يهمهم طبعاً "حصة" أبناء الجلفة من جوازات الحج ولا أحلام عجائزها تعانقن محاريب الحرمين الشريفين، لأنهم - بكل وقاحة - يستفيدون هم وأقربائهم من جوازات "خارج الحصة" بل ويتجرّأ بعضهم على التوسّط لتوفير "حصة" أخرى لفائدة سماسرة الحج شركائهم !!.. لذلك أحذرك أنت أيها "الجلفاوي" المرشّح، يا من تسعى لحصانة تحمي بها أموالك، يا من "تحشم" من عرشك وبني عمومتك، يا من تدّعي خوف الله في إخوانك، ومن خلالكم أيتها الأحزاب والقوائم؛ إذا لم تستثمروا في هذا المليون وتعقدوا عزائمكم على تلبية أولوياته التنموية، وتنفضوا "الغبار" عن هذه القرية المغمورة؛ فإنّ هذا المليون سوف لن يصوّت لكم ولا لغيركم من المنافسين، حتى وإن خدعتموه هذه المرة مثل سابقتها، فلن تخدعوا أجياله القادمة، لأنهم بكل بساطة سوف يصوّتون حتماً - وأنا انصحهم بذلك - لصالح نواب الشلف وعين الدفلى وغرداية والبليدةووهران.. لأنهم هم الأجدر بأصواتهم والأقدر على حل مشاكلهم اليومية "المليونية" ؟!!.. الحلقة الأولى: الغش الانتخابي ؟!! الحلقة الثانية: الطيب، الجِلف والسارق ؟!!.. الحلقة الثالثة: البرنامج الانتخابي "القوة والأمانة" الحلقة الرابعة: بين الرأس والذيل.. من "الشكارة" إلى "الكرتونة" ؟!!..