(هذه القصة مستوحاة من كتاب: "وقفات من تاريخ بوسعادة النضالي.. وذكرى وراء القضبان" للأستاذ الفاضل والمربي الجليل "محمد يحيى حرزلي" مع أخلص عبارات التقدير والإكبار..) وتمتزج طقطقات حذائها البني الصغير بإيقاع الطبل في تناغم بديع، تدور بجسمها الغض وتتمايل كغصن بان، ليخفق الفؤاد هائما متبتلا في محراب سحرك يا جزائر. كان يراها بعيني قلبه، يبارك رقصتها ويسرح في خدر جميل، يهيم بهذه اللحظات، يسجل بريشته نغمَ أحلى ناي، ويرن صوتُه الجهوري في عيد الحرية، حرية كان ثمنها النفائس والنفوس. * * * يُطرَق الباب بقوة، ويصيب الثلاثة المتواجدين بداخل الدار رعب وفزع، تدور الأعين في المحاجر، وتخرس الألسن، فلا تكاد تسمع إلا همسا، يشتد القرع ويزيد: * افتح نحن العسكر، نحن الجيش هيا افتح بسرعة! ويُفتح البابُ لتدخل فرقة الردع والتحقيق، ويوجه السؤال إليه مباشرة: * أأنت الشاب محمد يحيى مثقف الدشرة القبلية؟ * أجل أنا هو، لست مثقفا بأتم معنى الكلمة، ولكنني فقط أجيد اللغتين العربية والفرنسية. * إذًا أنت إمام الدشرة خلفا لأبيك، هات بسرعة وثائق الثورة والإرهابيين الفلاقة[1] الخارجين عن القانون الذين تتعامل معهم. * لا أملك وثائقا ولا أتعامل مع أحد، أتردد بين المسجد والدار، أعلم الصبيان نهارا لأغلق بابي مساء، أحترم قانون الحصار، والدليل أنكم وجدتموني الآن هنا داخل بيتي. * قلت لك: مدنا بالوثائق السرية، فأنت كاتب اللجنة السياسية الإدارية[2]. * لا أعرف هذه اللجنة، ولم يسبق لي أن تعاملت معها. * إذن هكذا، سترى يا مثقف الدشرة القبلية! أُخْرِج محمد يحيى وأخيه العربي وابن عمتهما من الدار بعنف وشراسة، وسيق الكل داخل سيارة "جيب" إلى مركز التحقيق، تتبعهم المركبات العسكرية. وحشية جنود الاستدمار تنم عن حقد صليبي دفين، تلتمع به الأعين، وتبين عنه الشتائم والركلات. جال محمد يحيى ببصره نحو السماء، ونبرات صدى صوت المرحوم والده تتردد في أذنيه: يا بني احرز الميم تحرزك[3]. * * * انطلقت الحناجر فجأة بالأناشيد الوطنية، وارتفعت الأصوات وعلت مرددة في حماسة: * من جبالنا طلع صوت الأحرار... * شعب الجزائري مسلم وإلى العروبة ينتسب... * عليك مني السلام يا أرض أجدادي... حدث ذلك بمجرد ما أخذ الطلاب أماكنهم داخل الحافلات، المتجهة إلى المدينتين الأثريتين "شرشال" و"تيبازة" في رحلة سياحية نظمت لصالح طلبة الثانوية الفرنسية الإسلامية في جوان 1955م. تفاجأ الأساتذة المرافقون - وخاصة الفرنسيون منهم - إلا أنهم تظاهروا باللامبالاة، وتجاهلوا الأمر عن قصد. * * * كان محمد يحيى طالبا بالثانوية الفرنسية الإسلامية[4] بابن عكنون، التي اتخذتها فرنسا وسيلة لمحو كل أثر للأصالة والتاريخ بالجزائر، بدلا عن المدرسة الثعالبية الشهيرة، وهذه الثانوية بها خيرة أبناء الوطن، والنخبة من المتفوقين من طلبة الجزائر، لا يتجاوز عددهم 250 طالبا من مختلف أنحاء البلاد. محمد يحيى ذلك الفتى الهاملي[5]، الذي أحسن والده الشيخ الربيع تربيته وتعليمه، فحرص على تحفيظه القرآن الكريم، وقد تم له ذلك دون الثالثة عشرة من العمر، كما لقنه مبادئ الدين وعلوم العربية، وهاهو سعيد بتفوقه وفوزه في امتحان جوان 1954م، ليركبا الحافلة معا من مدينة بوسعادة متجهان إلى العاصمة الجزائر في الفاتح من أكتوبر 1954م. ويرى محمد يحيى "ادزاير[6]" فتذهله شوارعُها وبناياتُها العريقة، وتهديه درسا عطرا يعبق بالأصالة والتاريخ، فالأم الرؤوم الجزائر تخشى على فلذات كبدها، فهي لا تسلمهم للغريب حتى تطبع على قلوبهم؛ حبها وعشق تاريخها ومعرفة أمجادها، إنها أرض الإسلام.. الجزائر! * * * وانقلب السحر على الساحر، فمثقف الدشرة القبلية، بات كالطود شامخا أمام زبانية العذاب، لم ينبس ببنت شفة، فعزيمته لم يفت فيها الحديد. زمْجَر المشرف العام على التحقيق، أرعد وأزبد، نادى بأعلى صوته: * إئتوه بصاحبيه..! ليرفع محمد يحيى رأسه المهشم، ويتفحصهما بوجهه الدامي، وقد عمَّ الشلل أطرافه، يخترم الضعف جسده، ويعصف به الدوار. * أتعرف هذين الرجلين؟ * أجل، فهما من رجال دشرتي. لم يكونا بأحسن حال منه، لما لقياه من ضرب بالسياط والحديد، واستعمال الكهرباء الراجفة، والغرغرة بالصابون واستفزاز الكلاب المدربة، لم يصمدا فاعترفا أمام وحشية العذاب، حد النظر فيهما، شتمهما، وأنكر كل ما أدليا به..! ويُرَد محمد يحيى إلى التعذيب والاستنطاق ثانية، وتتفنن الوحوش البشرية في وسائل التعذيب، من كهرباء حارقة بالأعضاء الحساسة إلى نتف الشعر، وكشف العورة والتندر بالإنسان الجزائري، هي شراهة إرث محاكم التفتيش عليها ختم الصليبية الحاقدة. حتى إذا كانت الساعة الثانية صباحا، ألقي بالزنزانة وحيدا منعزلا، مهشم الأعضاء، مكدود القوى، يهذي ببعض الكلمات، ليدخل في غيبوبة لم يستفق منها حتى وقت الضحى. * * * أُعلِنَت حالةُ الطوارئ بالثانوية الفرنسية، وبدأت سيارات الإسعاف بنقل المرضى من الطلاب إلى مستشفى "مصطفى باشا"، أذيع الخبر بإذاعة الجزائر وتناقلته الصحافة، أصيب الأولياء بالهلع والرعب، لما قد يلحق أبناءهم من أذى. فما الذي جرى؟ تمكنت اليد الحمراء[7]، التي ما فتئت تراقب الثانوية وتترصد طلابها، من تسميم وجبة الغداء، وذلك في شهر مارس 1956م، فقد لاحظت علو الروح الوطنية لدى الطلاب، واهتمامهم المتزايد بحديث الثورة والثوار، لا سيما وأن أحد كبار رجال المقاومة الوطنية، هو من طلاب الثانوية وقد أودع السجن، وهو الشهيد عمارة رشيد، فتكونت خلية لفرع الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وتم انخراط الطلاب فيها. بعد ليلتين قضاهما في المستشفى، تولته الألطاف الإلهية، وخرج محمد يحيى ليجد والده بالانتظار، فيحمد الله على سلامته، وقد أسَرَّ لابنه خبرا مفرحا، ألا وهو وصول أفواج من المجاهدين إلى مدينة بوسعادة، واستقباله لهم مؤكدا عليه بلزوم اليقظة والحذر. كان الطريق الرابط بين بوسعادةوالجزائر العاصمة، مليئا بالحواجز العسكرية الفرنسية ونقط التفتيش، فالجبال صارت قلاعا للمجاهدين، ومعسكرات متنقلة يدعمها المدنيون؛ مسبلين وفدائيين وعيون وممولين، وقد صدقت مقولة الشهيد البطل "العربي بن لمهيدي": ارموا بالثورة للشارع يحتضنها الشعب. * * * ضابط الفرقة الإدارية المختصة يستشيط غضبا، يهدد ويتوعد، من يا ترى..؟ هؤلاء المتظاهرين المستفزين، الذين جاؤوا يطالبون بإطلاق سراح إمامهم، بحجة أنه الوحيد لديهم. * إي والله، لقد أثقل ملفك يا مثقف الدشرة القبلية الآن! ويستفيق محمد يحيى بزنزانته الانفرادية، ليجد نفسه مُضمَّخا بالدماء، ما في جسده موضع للسلامة، تجددت الآلام، ونكئت الجراح، عاد إليه الوعي شيئا فشيئا، ولبث يستعيد مشاهد الليلة الفارطة، وحدثته النفس قائلة: أتبوح لهم بكل شيء؟ ويعتصر قلبَه الألمُ، وهو يرى الجموع من إخوانه وأبناء دشرته، وقد جيء بهم وشرع في التنكيل بهم، يرمقونه بعيونهم متحسرين، ومن الذي اعترف عليهم ورمى بهم في السجون؟ إنه إمام الدشرة القبلية، أو يعقل هذا..! * * * أصحيح ما يشاع؟ هي الفاجعة إذن قد حلت بالأمة إذ رزئت في أحد علمائها ورجالاتها العظام، وقع الخبر كالصاعقة مزلزلا طلاب الثانوية الفرنسية، إنه الموت المفاجئ للشيخ أحمد بن زكري مدير الثانوية والمفتش العام لهيئة التدريس بالعربية، ورئيس لجان امتحانات التوظيف في أسلاك المدرسين والأئمة وقضاة الأحوال الشخصية. الشيخ بن زكري من أشراف القبائل[8]، عرف بالعلم والهيبة والوقار، وبروحه الوطنية العالية وتفانيه في العمل، مع الحنكة في التسيير، يحترمه الكل ويهابه الصغير والكبير، حامت الشكوك مرة أخرى باليد الحمراء، لأن الشيخ كان قد اطلع على الجهة التي قامت بتسميم الطلبة، فأنهيت حياته هكذا، ونتيجة لذلك سادت الروح الوطنية، وارتفعت معنويات الطلاب، وكلهم جزائريون مسلمون. ويا للنغمة الأخاذة! ويا للصَّوت الشجي! فلسنا بطير مَهيضِ الجناح... ولن نُستذلَّ ولن نُستباح وفي صبيحة 19 ماي 1956م أعلَن الإضرابُ العامُّ لاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، ليترك الطلاب - وعبر تراب الوكن كله – مقاعد الدراسة استجابة لنداء جبهة التحرير، وكم كان الخبر صادما ومفزعا للأساتذة الفرنسيين على الخصوص. وهكذا اختار طلاب الجزائر الأحرار، الفوز بإحدى الحسنيين، فنال الكثيرون منهم الشهادة في ميادين الشرف، وعاش آخرون ليروا بشائر النصر وأعلام الحرية: إني لمن قوم إذا ما صودرت راياتهم ظنوا الحياة حراما..! صبح تنفس في العروق.. يقول لي: "نحيا كراما.. أو نموت كراما"..! * * * ويشتد به الصداع، وتستولي عليه ذكريات وخبايا هو في غنى عنها..! أتذكر يا محمد يحيى انخراطك في اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين وإضرابك في 19/05/1956م؟ أتذكر فرقة جيش التحرير التي استقبلها المرحوم والدك الشيخ الربيع سنة 1956م؟ وماذا عمن تجند من المجاهدين انطلاقا من بيتكم؟ وهل نسيت لقاءك بالمجاهدين؟ وأنك كنت كاتب المناشير والخطب والرسائل فيما بينهم، كما أنك قد عملت في مكتب شؤون الأمة خلفا لأبيك، الذي سجن وعذب ومات وهو ملاحق من طرف جنود الاحتلال، لتعاونه وصلته الوثيقة بالمجاهدين! ويقطع محمد يحيى على نفسه الشك باليقين مرددا: سأعيش رغم الداء والأعداء... كالنسر فوق القمم الشماء وأي قمم أشم وأعلى من أن تموت موزع الأشلاء فداء لوطنك، وفي سبيل عزه وفخاره..! ثلاثة عشر يوما من التعذيب والاستنطاق ليلا، والإعراء والجوع نهارا، تضاربت على إثرها اعترافات صاحبيه في السجن، حَوْل عمله وعلاقته بالمجاهدين، لينقل بعد شهر من العزلة والسجن الانفرادي، إلى مركز التصنيف والعبور، فيلقى أخاه وابن عمته، ويا لها من نعمة عظيمة، رأى من خلالها النور، وصار يخاطب الناس! * * * ويطول الليل على المساجين، في غرف كأنها بقع من جهنم، مبنية بالطوب، سُقُفها من حديد، شتاؤها زمهرير، وصيفها حر ولظى، يفترشون فيها التبن والحلفاء، ويلتحفون أغطية بالية لا تقيهم حتى لسع الحشرات، ينتظرون إما المحاكمة والتي هي في الغالب؛ سجنا قاسيا طويل الأمد، أو الأشغال الشاقة، أو الإعدام، وربما التحويل إلى المحتشدات المنتشرة عبر الوطن، أما الإفراج فذاك حلم بعيد المنال. السجناء لا يقصرون في صلاة الجماعة، وتلاوة الحزب الراتب بعد إغلاق غرف النوم الجماعية عليهم، وهو عبارة عن تلاوة جماعية لحزبين من القرآن الكريم يختم بالدعاء، وقد يلقي الإمام محمد يحيى درسا وعظيا لتثبيت القلوب، كما يحلو للبعض أحيانا السمر بقصائد من الشعر الملحون، أو الغناء الوجداني تسلية للنفوس وترويحا عنها. * * * محمد يحيى مكلف بتنظيف مكاتب الضباط، لذلك رَتَّبَ للاطلاع على ملفه الخاص، الموجود داخل الخزانة الحديدية، التي يغفل عن غلقها أحيانا. «خلاصة التحقيق: عضو نشيط في المنظمة السياسية والإدارية، خطير مكلف بالكتابة وترصد الأخبار عن طريق مراقبة تحركات جنودنا وأعواننا، مستعملا لياقته وذكاءه، انظر التفاصيل المرفقة. الاقتراح: نقله إلى أحد محتشدات الردع والتقويم.»[9] مع ملاحظة عدم إطلاق سراحه، وفي حال التخفيف عنه، يجب إشعار السلطات العسكرية المحلية، لتتحرز وتحتاط لذلك. رَدَّ محمد يحيى الملف إلى مكانه بسرعة، وكانت يده مغلفة بقماش، راعه ما قرأ من سطور، وقل رجاؤه وأمله في الخروج، لكنه تعزى بحال إخوان له، هم في الجبال صامدون، يقاومون البرد والجوع، والخوف والمرض، وتذكر غيرهم ممن بترت أعضاؤه وممن رزئ في الأهل والولد، استغفر الله وردد في يقين: اشتدي أزمة تنفرجي... قد آذن ليلُك بالبلج * * * وفي صبيحة 06 مارس 1961م نودي على محمد يحيى بمكتب قيادة السجن، قصد ترحيله إلى محتشد مارشال (تادمايت) بتيزي وزو، ليركب شاحنة عسكرية فجر 07 مارس 1961م رفقة أربعة من رجال الدرك. وبمكتب الدخول إلى المحتشد صودر منه مصحف الوالد وكتاب قصص الأنبياء اللذين كان يحملهما داخل حقيبته، راعه أن المحتشد عبارة عن مدينة، يفوق عدد المساجين به السبع مئة سجينا، تسيطر عليه اليد الحمراء، فالأشغال به شاقة، وضباطه ماكرون، والإفراج فيه نادر الوقوع، القبضة حديدية، كما أن تحية العلم الفرنسي واجبة كل صباح مع رفع الصوت ب: "تحيا فرنساوالجزائر فرنسية" * * * انتبه محمد يحيى إلى نشاز الجملة الأخيرة "الجزائر فرنسية" ليتساءل: أ هذيان مخمور..!؟ أم تراها مزحة من مزح ذاك الأوروبي القادم إلينا من وراء البحار..!؟ يا لها من مزحة مقرفة سمجة..! لكن، أهكذا حقا يمزحون..! قهقه محمد يحيى والدموع في عينيه، واستحضر فيالق جند الأمير عبد القادر وأحمد باي ومقاومة الزواوة، وأحمد بن سالم وبومعزة والزعاطشة ولالة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة، وأولاد سيدي الشيخ والشيخ المقراني وبوعمامة والتوارق..! وأعداد أخرى أحصاها الله ونساها البشر، كلها سخرت من هذه المزحة البغيضة الفاجرة. لم يستفق إلا وصرخة ابن باديس تنطلق مُدَويَّةً فتزلزل وجدانه.. فتأثر وبكى..! أجل بكى بحرارة وقد أحنى رأسه بين يديه: شعب الجزائر مسلم... وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله... أو قال مات فقد كذب أو رام إدماجا له... رام المحال من الطلب * * * «هاهي فرنسا الحنون تتنازل عن حقها لتعلن لكم حريتكم..» بهذه الكلمات افتتح الرائد الفرنسي خطابه، كان الحقد المغلف بالغرور طافحا على محياه، ليضيف: «وأملنا أن لا تسول لكم أنفسكم مرة أخرى للعمل مع الخارجين عن القانون»[10] محاولا تجاهل أن فرنسا في هذه الأثناء كانت قد اعترفت ضمنيا بالحكومة المؤقتة الجزائرية، مما يعني أن الاستدمار يلفظ آخر أنفاسه، وأن الذي قدم من وراء البحار، يلملم انكساراته تأهبا للعودة من حيث أتى! كان محمد يحيى واحدا ممن شملهم قرار تخفيض العقوبة هذا، وهاهو يعود إلى بلدته -في ترقب وحذر فالاستدمار البغيض لا يزال جاثما على الصدور- ليلق أهله وأبناء دشرته. لكنه لم يلبث أن طُرِق بابُه من جديد، مَن يا ترى..؟ إنهم رجال الدرك يلزمونه بالإقامة الجبرية. وماهي إلا أيام قلائل، ويعلَن توقيفُ القتال، وكان ذلك ليلة 19 مارس 1962م، لتستنشق الجزائر ريح الحرية، وتزغرد أمُّ الشهيد، وتشرق شمسُ الفرح على الأمة العربية والإسلامية في أحلك أيامها، فتستعيد ابتسامتها، وينبعث فيها الأمل من جديد. * * * وفي صبيحة أحد أيام "أول نوفمبر" تدق صبية في عمر الزهور، بابَ أحد البيوت، لتنادي على صويحبة لها، كانت قد ارتدت أجمل حلة لديها، ولبست حذاءها البني، واتجهتا مسرعتين إلى دار القسمة، فأفراح نوفمبر مقامة هناك. رقصت ذاتُ الحذاء البني، ورقصت صويحباتُها، كما رقص اليراعُ في يد محمد يحيى على صفحات القرطاس، حين أُلْهِمَ الذكرى، مدونا صفحاتٍ من نور[11]، تشع بضيائها. (*) أم وفاء خناثة قوادري: أستاذة تعليم ثانوي، ليسانس آداب إسلامية ودراسات قرآنية، كاتبة في الأدب الإسلامي هوامش [1] الفلاقة هم مجاهدو ثورة التحرير [2] عبارة تطلق على اللجان المدنية التي تنشط في هياكل القسمات (وقفات من تارخ بوسعادة ص:168) [3] بمعنى أجب عن كل سؤال يوجه إليك بالميم النافية: ما رأيت، ما سمعت.. وهكذا [4] وتحت ضغط المعمرين الفرنسيين حذفت (فرنسية إسلامية) وحولت إلى ثانوية فقط (وقفات من تارخ بوسعادة ص:95)(وابن عكنون:هو أحد أحياء العاصمة الجزائر) [5] نسبة إلى مدينة الهامل/بوسعادة والتي بها الزاوية القاسمية الشهيرة. [6] هكذا يسمي الجزائريون "الجزائر" ويقولون "دزيري" أي جزائري وللمؤرخ أبو القاسم سعد الله كلام في الموضوع انظر كتابه: (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر) [7] منظمة سرية للغلاة المستعمرين والتي سميت بالأرجل السوداء أو المنظمة السرية (وقفات من تارخ بوسعادة ص: 183) [8] القبائل هم فئة من أهلنا الأمازيغ يسمون أيضا الزواوة.. [9] وقفات من تارخ بوسعادة ص: 181 [10] وقفات من تارخ بوسعادة ص:193 [11] للأستاذ الكريم محمد يحيى حرزلي والقصة مستوحاة منه كما سبق وذكر تقصد الكاتبة: (وقفات من تاريخ بوسعادة، وذكرى وراء القضبان)