لم يأت لقاء المجلس الولائي لأعضاء الهيئة التنفيذية و رؤساء الدوائر لولاية الجلفة السبت المنصرم بأي جديد حول معضلة قطاع الصحة بعاصمة السهوب ... عدا بعض التحيينات في أرقام الواقع المعروف للعام والخاص والذي دأب المسؤولون على القول بأنه بخير و "تو فا بيا" ... وما بين العرض الذي قدمه مدير الصحة وتلك الملاحظات التي أبداها الوالي لم نسمع حديثا عن الحلول الفعلية للقطاع الذي تتلخص كل مشاكله في تكوين الموارد البشرية (الأطباء المختصون، الأطباء العامون، شبه طبي والقابلات) ... لقد غلب الحديث عن الهياكل وكأن قدر ولاية الجلفة، الرابعة ديمغرافيا، أن تبني الهياكل وتقعد تنتظر ما تجود به الولايات الشمالية من فائض مواردها البشرية !! شجاعة كبيرة تحلى بها مدير الصحة والسكان، السيد فيطس بلكحل، لما قدم الواقع الصحي المرير دون تجميل أو ماكياج مثلما عهدناه مع الكثيرين من المدراء التنفيذيين. وجاءت الأرقام محيّنة لتكشف أمام الهيأة التنفيذية حجم الهوة ما بين أرقام قطاع الصحة بعاصمة السهوب مقارنة بأرقام المعدلات الوطنية من حيث تعداد قاعات العلاج والأسرّة والعيادات بالنسبة للهياكل ... ومن جهة أخرى معدلات توفير الأطباء الأخصائيين والأطباء العامين وشبه الطبيين والقابلات بالنسبة للموارد البشرية. وإذا كان الوالي قد وضع يده على الجرح بالنسبة للهياكل حين استنكر إسناد العديد من المشاريع لمختلف القطاعات لمديرية التجهيزات العمومية لوحدها ... فإنه قد كشف واحدة من معضلات الولاية بالنسبة لهذه المديرية التي صارت تحتكر المشاريع وتخرق القوانين مثلما حدث لمشروع دراسة مركز علاج السرطان حين أعلنت عن صفقة إسنادها دون ذكر آجال إنجاز الدراسة ... وهي نفس المديرية التي تسببت في خسارة عين وسارة لمستشفى 240 سرير حين قبلت الوزارة الطعن المؤسس ضد إسناد صفقة دراسته. هذا الوضع أدى إلى تعطيل مشروعي مركز علاج السرطان ومستشفى 240 سرير بعين وسارة ليدخلا مرحلة التقشف والإلغاء والتقليص مما أدى إلى اندلاع 03 مسيرات بعاصمة الولاية سنة 2019 واحتجاجات لمكاتب الدراسات ... طبعا دون الحديث عن مستشفيي البيرين ودار الشيوخ ومدرسة التكوين شبه الطبي وكذلك المستشفيين المجمّدين للأمراض العقلية (120 سرير) وطب الأطفال (500 سرير) المعلن عنهما في ميزانية الدولة لسنتي 2015 و2016 وغيرها من المشاريع الإستراتيجية!! وبالتركيز على أرقام قطاع الصحة بالجلفة نجد مدير الصحة يتحدث عن نقص كبير للأطباء الأخصائيين حيث تحصي ولاية الجلفة طبيبا أخصائيا لكل 4546 نسمة مقابل المعدل الوطني وهو طبيب أخصائي لكل 1268 وطبيب عام واحد لكل 2399 نسمة مقابل 1366 نسمة كمعدل وطني وجراح أسنان لكل 7320 نسمة مقابل 3020 كمعدل وطني وصيدلي واحد لكل 6185 نسمة مقابل 3470 نسمة وطنيا. وهذا يعني أن ولاية الجلفة بحاجة ضرورية لمنظومة تكوينية استشفائية جامعية لتكوين هذه الكوادر. وقد تم رفع مطلب المستشفى الجامعي في عدة مناسبات وكان محور وعود عديدة في العهد البوتفليقي مع الوزراء حراوبية وبوضياف وسلال وحجار. هذا الأخير قال بأن توزيع كليات الطب يراعي التوازن الجهوي ب 04 كليات في كل من الشرق والشمال والغرب ... و03 في الجنوب !!. ويمكن عقد اتفاقية مع وزارة الدفاع الوطني ليساهم المستشفى المختلط بالجلفة في التأطير بكلية الطب بولاية الجلفة على غرار ماهو واقع بين جامعات الجزائر وورقلة مع مستشفى عين النعجة والمستشفى العسكري الجهوي للناحية العسكرية الرابعة ... مع العلم أن رئيس الجمهورية "عبد المجيد تبون" قد وعد في حملته الانتخابية ولاية الجلفة بمستشفى جامعي و كلية طب فيها تخصصات الطب والصيدلة ...وهذه الوعود سبق تقديمها من طرف وزراء العهد البوتفليقي منذ نوفمبر 2012 ، فيما تضمن برنامج بوتفليقة للعهدة الرابعة وعدا بفتح المزيد من المستشفيات الجامعية. أما بالنسبة لسلك القابلات والذي أشار مدير الصحة إلى النقص الرهيب فيه فهو أيضا كان محور اقتراحات ومراسلات لمنتخبين محليين ونواب في البرلمان. وفي هذا الصدد تم اقتراح تحويل المدرسة القديمة للتكوين شبه الطبي إلى معهد وطني للتكوين العالي للقابلات (يوجد 03 معاهد فقط وطنية في تيزي وزو وتلمسان وعنابة) ... وبالتوازي مع ذلك يتم استغلال المقر القديم لمديرية الصحة لصالح تكوين القابلات بالنظر إلى كونه ملاصق لمستشفى الأم والطفل أين تتم التربصات التطبيقية ... وهذا المطلب يكتسي مشروعيته للموقع الإستراتيجي لولاية الجلفة لأنه لا يوجد في الجنوب معهد للقابلات وكذلك لأن ولاية الجلفة تسجل أعلى النسب في الزيادة السكانية عبر البلديات ولأنها مرشحة لتكون الثانية ديمغرافيا بعد العاصمة في غضون 2030 … وفيما يتعلق بالتأطير شبه الطبي فإن مدرسة التكوين شبه الطبي هي محل وعدين من طرف الوزير السابق للصحة عبد المالك بوضياف والوزير الحالي بن بوزيد بترقيتها إلى معهد وطني عالي للتكوين شبه الطبي. وهكذا يمكن أن يُتاح لولاية الجلفة التكوين في التخصصات القاعدية للشبه الطبي وهي الجراحات المصغرة والاستعجالات والتكييف العضلي والتحاليل الطبية والعلاج العام وغيره. مع العلم أن مدير الصحة قد أكد التغطية الحالية في سلك شبه الطبي هي ممرض لكل 533 نسمة مقابل معدل 325 نسمة وطنيا. ويكتسي مشروع المعهد الوطني للتكوين العالي للشبه الطبي بالجلفة أهميته بالنظر إلى أن الطلب على التكوين شبه الطبي سيرتفع. وهذا بالنظر إلى وجود 07 مستشفيات متعددة الاختصاصات في الخدمة (الجلفة، المختلط، الإدريسية، حاسي بحبح، مسعد، عين وسارة، البيرين) ومستشفيين متخصصين (طب العيون، الأم والطفل) ومستشفيين قيد الإنجاز (دار الشيوخ، مركز علاج السرطان) ومشاريع مستشفيات 60 سرير قيد الدراسة ... فضلا عن قاعات العلاج والعيادات متعددة العلاج التي يجب أن ترفع تحدي ضمان المناوبة 24 سا على 24 سا في كل البلديات لتخفيف الضغط على عاصمة الولاية والبلديات الكبرى. ما ينتظر الوالي الجديد السيد دومي الجيلالي هو أكبر من الهياكل لأن ولاية الجلفة تعاني من نقص رهيب في التأطير في شتى التخصصات وفي نفس الوقت الضغط الرهيب على قطاع الصحة، لأن المرضى يتوافدون على عاصمة السهوب من الولايات المجاورة. وكذلك بالنظر إلى كون الولاية بها مخاطر كبرى (كالفيضانات مثلا) ووجود حركة مرورية كثيفة بها وطرقات وطنية وعدد كبير من الطلبة وثكنات ومؤسسات إدارة السجون ومحطات لنقل المسافرين تُضاف كلُها إلى التعداد السكاني الكبير ... وجميعها تحتاج تغطية صحية نوعية!!