مع مرور أيام وشهور على الحراك المبارك الذي أفضى إلى ظهور معالم جديدة لدولة تحررت من قيود نظام قديم زرع اليأس في نفوس الجزائريين طيلة فترة من الزمن، لكن مع انتخاب رئيس جديد للدولة وانتخابات برلمانية أنتجت فسيفساء من كل أطياف المجتمع واستشراف لمستقبل زاهر لا يمكن فيه للنزاعات أو الخلافات أن تكون عائقا في رأب الصدع، ودون الرجوع إلى النقاشات الهدامة للوطن. ومع هذا التمني الذي لم يدم طويلا فقد خرج علينا احد الأبواق الناقعة في إحدى وسائل الإعلام متهما الأمير عبد القادر بالخنوع والخيانة لفرنسا وأراد بذلك النيل من التاريخ المشرف للأمير عبد القادر الذي زاد رفعة في عيون محبيه أكثر من ذي قبل، وقد أبان هذا المدعي الحقد الدفين لشخصية الأمير التي جمعت كل الجزائريين وأظهرت مدى حبهم له فقد كان مثالا للمقاومة ضد المستعمر، وإنسانتيه التي كانت لسان حاله حينما ألف بين قلوب أبناء المشرق فأصبحوا على قلب الأمير عبد القادر. إن الهجمة الشرسة التي يشنها الأعداء ليست غريبة فقد كان آباءهم وأجدادهم ممن رحبوا بالمستعمر فناهضوا الأمير وأسهموا في عدم مواصلته للكفاح، وهاهم اليوم يحاولون طمس الهوية الجزائرية من خلال التشكيك في كل الرموز الواجب احترامها في هذا الوطن الذي واجه تحديات كبيرة ضد قوى العالم، وسينجح في مجابهتها بكل الوسائل الممكنة، لكن أكثر ما يؤرق ساسته وأبناءه هو المساس بقدسيته التي كانت محل رهان فقد أصّله الأمير عبد القادر حينما بنى أسسه في عز الاحتلال الفرنسي وسار على نهجه شيوخ وقادة المقاومة إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية المجيدة التي أنهت الاستعمار وحافظت على مقومات الأمة الجزائرية. إن المساس بالأمير عبد القادر ومصالي الحاج والهواري بومدين وغيرهم من رموز المقاومة والحركة الوطنية والثورة التحريرية إنما هو إساءة لأرواح الشهداء، وتمجيد لمستعمر نهش أعراض الجزائريين وشرفهم، وعندما لم يدرك ما تمنى زرع نبتة خبيثة أرادت التشكيك في رموز ومقومات الهوية الجزائرية التي لن تزول مادامت الأمة تتطلع إلى مستقبل واعد تحافظ فيه على إسلامها وعروبتها ووطنها.