أبدت حفيدة الأمير عبد القادر والأمينة العامة والناطقة الرسمية لمؤسسة الأمير عبد القادر الجزائري الزهور آسيا بوطالب في هذا اللقاء مع "الحوار" مدى تأسفها للهجمات الشرسة التي تتعرض لها الشخصيات الوطنية ورموز الهوية الجزائرية واعتبرتها إساءة لتاريخ الجزائر وماضيها الذي استشهد في سبيله مليون ونصف المليون شهيد، إذ لا داعي لاتهام أيادٍ أجنبية في ذلك تقول مادام الجزائري يشتم أخاه ويقلل من احترامه لأسباب تافهة كاختلاف في وجهات النظر أو الانتماء الإيديولوجي، معتبرة أن التشكيك في ماضي الجزائريين هو طمس لحق أبنائنا والأجيال القادمة في معرفة أصولهم وحقيقة هويتهم، وسيحرمهم من بناء مستقبلهم، فلا يوجد بحسبها أفقر من شعب لا ماضي له ولا تاريخ، مؤكدة على ضرورة لم شمل عائلة الأمير عبد القادر المنتشرين عبر العالم بأسره، لتشدد على أن جميع الجزائريين الذين يحملون سمات الأمير من نخوة ورجولة وحب للوطن والشهداء الذين واصلوا الجهاد والكفاح بعده هم أحفاده الحقيقيون. واستنكرت الاتهامات المتكررة لجدها ومحاولة إلصاق الماسونية بالأمير عبد القادر،"الذي كان غاية في التدين وزاهدا مثاليا، وكان عفيفا عن الأموال ويمتنع من اقتطاع أي شيء من الخزينة العامة لأغراضه الشخصية وخيرات الأرض لم تسيطر على قلبه. ورغم صعوبة الظروف وموت أولاده وزوجته وهو في منفاه، ظل صابرا راضيا بقضاء الله وقدره، ولم يكن في سجنه أقل عظمة مما كان في أيام سلطانه ومقاومته للأعداء". وطالبت في ذات السياق بتخليد ذكرى البيعة التاريخية للأمير عبد القادر الجزائري، المصادف ليوم السابع والعشرين من شهر نوفمبر وإعلانه عيدا وطنيا لمؤسس الدولة الجزائرية. * أهلا بابنة الأبطال، البداية ستكون بالحديث عن تاريخ نشأة المؤسسة ونشاطاتها؟ – أولا شكرا على رحابة الاستقبال، أما فيما يخص مؤسسة الأمير عبد القادر فالبداية كانت سنة 1991 من طرف أفراد العائلة ومؤرخين من مدينة وهران، أول رئيس للمؤسسة هو محمد فرحات الذي عاصر أجداده محي الدين والد الأمير عبد القادر وكانوا ممن بايعوا نجله، وأيضا من الأعضاء المؤسسين دريس جزائري سفير الجزائر في واشنطن وقتها ومحمد لمين بوطالب والدي وهو الرئيس الحالي للمؤسسة وبسبب مرضه أواصل المشوار بدلا عنه. وتضم مؤسسة الأمير عبد القادر حاليا 25 مجموعة من مختلف ولايات الجزائر على غرار الجلفة، الأغواط، وهران، عين تمونشت، تلمسان، قسنطينة، تيزي وزو، وأنا أشتغل ليل نهار من أجل الوقوف بالمؤسسة وإذاعة صيتها. وبالنسبة لنشاطات المؤسسة فهي كثيرة ومتنوعة وكلها تصب في إطار المحافظة على شخصية القائد الرباني والمجاهد الإسلامي عبد القادر في الذاكرة الجزائرية من خلال الملتقيات والمحاضرات وإعادة طبع كتب بعض المؤرخين. كما شاركنا في معرض الكتاب بالتنسيق مع الهلال الأحمر الجزائري حول إنسانية الأمير ونشاطه في حقوق الإنسان. وحضرنا مؤخرا لبيعة الأمير عبد القادر بولاية المعسكر، حيث طالبنا الحكومة الجزائرية بيوم وطني معترف به لروح الوطنية، كسائر الأعياد الوطنية المعترف بها حفاظا على هويتنا الوطنية وتاريخنا الذي أصبح يشكك فيه كل من هبَّ ودب، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة يُدرك هذا جيدا فهو من مُحبي الأمير ومن حمل جثمانه عام 1966 ويعرف جيدا تاريخه ومسيرته البطولية. * * أحفاد الأمير عبد القادر.. أين هم؟ – عائلة الأمير عبد القادر متواجدة عبر العالم، سأتحدث عن جزء منها وهو حفيده الأمير خالد الذي يعتبر مدرسة في الوطنية، لكن التاريخ لا يتحدث عنه وكذلك أحفاد الأمير عبد القادر الذين واصلوا الكفاح وشاركوا في الثورة الجزائرية غير معروفين ولا يذكرهم التاريخ منهم: الأمير عبد المالك في المغرب والأمير عبد المالك الخطابي دفين طنجا، الذين ساعدوا المغاربة على مواجهة الاحتلال الفرنسي والاسباني، وكذلك علي باشا وهو ابن الأمير عبد القادر الذي مد يد العون إلى عمر المختار في ليبيا وساعد السنوسي لتولي إمارتها، ولو يسعنا الحديث أيضا عن الباشاغا بوطالب وهو جدي وأحد أبطال الثورة الجزائرية. * الكثيرون يدعون أنهم من أحفاد الأمير عبد القادر، كيف يمكن أن نثبت أنكم أحفاد الأمير عبد القادر؟ – بالنسبة لي كل الجزائريين هم أحفاد الأمير عبد القادر، وكل من يدعي أنه حفيده لابد أن يحمل من صفاته ووطنيته وأخلاقه الفاضلة التي كان يتمتع بها، وأندد بمن يحملون لقب الأمير ولا يحملون شيئا من إنسانيته. كما أعتبر أن جميع الجزائريين الذين كانوا في الميدان وحملوا علم الجزائر هم جميعهم أحفاد للأمير. * لماذا لا يُجمع تراث الأمير عبد القادر في متحف واحد يحمل اسم مؤسس الدولة الجزائرية؟ – في الأول كان هناك وعد من طرف الدولة الجزائرية عندما جُلب جثمان الأمير عبد القادر عام 1966، ببناء قرب مقبرة العاليا مسجد وتأسيس متحف الأمير عبد القادر. ولكن للأسف لم يتحقق الوعد. أنا عن نفسي جَمَعتُ أزيد من 360 مخطوط هو الآن بمتحف الجيش الوطني، وقُمت سنة 2013 بزيارة جنيف ووجدت في مكتبتها مراسلات بين الأمير عبد القادر وبين السويسري شارل اينار(من أصدقاء نابليون 3 ) وتمكنت من استرجاع 11 مخطوطا وهي الآن في متحف الجيش وأقمنا حفلا كبيرا بحضور وزارة الدفاع الوطني والهلال الأحمر الجزائري وجهات رسمية. ويدور محتوى هذه المراسلات عن وضعية الأمير عبد القادر في السجن، وكانت أشبه بالجحيم حيث فقد أولاده وزوجته وانتشرت الكوليرا آنذاك وعانى كثيرا من البرد والجوع وحزّ في نفسه منعه من دخول الجزائر، ولما ذهب الى تركيا لاقى الزلازل وتوفيت والدته لالا الزهرة. فعلا هناك الكثير من الأمور التي يجب سردها عن وضعية الأمير في السجن لكنه وبرغم هذه المحن ظل صابرا، ذاكرا لله تعالى، متصوفا بما تحمله الكلمة من معنى، وهذا ليس بالأمر الغريب عن من ترعرع في بيت الزاوية القادرية وجده الشيخ مصطفى بن مُختار الذي رفع بعد سيدي بومدين شعيب راية القادرية في الغرب الجزائري، وذاع صيته عالميا، فلا يمكن تجاهل التأثير الكبير للزاوية القادرية وسائر الزوايا من الرحمانية والتيجانية إلى غاية يومنا هذا، فهي من قام بطرد المستعمر وحافظت على الهوية الوطنية من لغة ودين وعروبة. فالكثير يجهل أن المقاومات الشعبية خرجت من هذه الزوايا كثورة المقراني والشيخ الحداد وثورة بوعمامة، اولاد نايل، حيث كانت الزوايا تمثل اكاديمية ومدرسة كبيرة تنتهج خطى الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. * بالحديث عن الدور الجهادي للزوايا، ما هو رأيك سيدتي في وضعية الزوايا الآن؟ – في رأيي، هناك الكثير من الزوايا التي تعمل وأنا أشهد على ذلك من خلال جولة قمت بها رفقة حسن الحساني في قلب الصحراء، زرنا ولاية أدرار وعرجنا إلى زاوية سيدي محمد بلكبير وزرت زاوية القبائل(الرحمانية) وعددا من الزوايا الأخرى التي تقوم بدورها في إيواء الطلبة وإطعامهم وتحفيظهم للقرآن وإصلاح ذات البين ومساعدة المحتاجين رغم نقص الإمكانيات وظروفها الصعبة إلا أنها لازالت تقاوم وهم بحاجة إلى مساعدات من طرف الدولة ومن القلوب الرحيمة، في حين أن هناك فئة لا يجوز تسميتها بالزاوية لأنها انتهزت الفرصة واستغلت أسماء الشيوخ ومؤسسين الطرق الصوفية للوصول الى السلطة وخدمة مصالحها الخاصة كما شوهت صورة الزوايا بسبب ممارساتها التي لا يرضاها الدين، ولكن هذه الفئة لا تمثل بأي شكل من الأشكال الزوايا ولا يمكن أن تنتمي إليها. لذلك أناشد من هذا المنبر السلطات لفرض رقابة صارمة على هؤلاء. كما أدعو وسائل الإعلام بتصحيح النظرة الخاطئة لبعض الناس للزوايا وإبراز وجهها الحقيقي وتاريخها النضالي وتكذيب الشائعات التي تدعي أنها أماكن لممارسة البدع والشعوذة. فمؤسسوها أناس صالحون وهم أولياء الله وأحباؤه. أيضا منذ تولي الرئيس بوتفليقة العهدة شهدنا افتتاح ما يزيد عن 5000 زاوية، تخرج على يد شيوخها آلاف الطلبة وبذلك حافظنا على أبنائنا وعلى سلامة معتقدهم. * ما ردكم على الاتهامات التي طالت شخصية الأمير ولا تزال تطال الرموز الوطنية؟ – بكل أسف هناك تشويش حول شخصية الأمير عبد القادر، الناس التي تسمع لهذا الكلام وتُصدقه، تنسى مسيرة 17 سنة جهاد للأمير عبد القادر وكلها أفعال ناطقة بأخلاقه الحميدة، فهو لم يملك القصور وأسس دولة متنقلة وأخضع القبائل وجنّد الجيوش. الأمر الذي يغيظني الهجمات الشرسة التي تُشن ضد شخصياتنا الوطنية والمساس بها هو مساس بماضي الجزائريين وهويتهم وكرامتهم، ولهذا أتساءل: حين نُسيء لتاريخنا ونشكك في مصداقيته ماذا عسانا نترك للأجيال القادمة؟ سيكبرون حتما مُشوهين من غير ماض، والشعب الذي لا ماضي له مستحيل أن يكون له مستقبل، ولا داعي لأن نتهم دائما الأيادي الخارجية في ذلك، المشكلة تكمن في الأحقاد التي تملأ قلب كل جزائري ضد أخوه حتى أصبح الأجانب يُعيروننا برجعيتنا، فالثقافة تبدأ من احترامنا لأنفسنا وللآخر وتبجيلنا لتاريخنا العظيم والشخصيات التي صنعت هذا التاريخ، ولكن وإن جحدنا بما قدمه رموزنا وأبطالنا من رجال ونساء الجزائر فأجرهم لن يضيع عند رب العالمين. * وبخصوص من يتهمون الأمير عبد القادر بعلاقته بالماسونية؟ – اتُّهم الأمير عبد القادر بأنه تعاطف مع الماسونيين ثم انتسب إلى محافلهم، وبجرة قلم أعلنت الحركة الماسونية بعد وفاة الأمير عبد القادر أنه انتسب إليهم واحتفوا به ونَعوه، لكنهم لم يجدوا دليلا واحدا يقدمونه لاثبات ما روّجوا له، ولقد زعموا أن هناك نصوصا ماسونية موثقة تثبت انتماء الأمير للحركة وأنه كُلف من طرف الحكومة الفرنسية بمهمات إنقاذية للمسيحيين في الأحداث الدامية التي وقعت في دمشق في شهر جويلية من العام 1860. والحقيقة التاريخية أن الأمير عبد القادر لم يكن يوما ماسونيا ولا خادما لفرنسا وقنصلها في دمشق، والمبادرة التي قام بها كانت خالصة لوجه الله تعالى ولم تكن لدنيا يصيبها أو وسام يبتغيه. الأمير عبد القادر لمَّا حمى المسيح، اُعتبر من الشخصيات العالمية العظيمة وكان من أبرزها، وتلقى على إثرها رسائل شكر وعرفان من العالم أجمع كما تلقى من الماسونية كتابات شكر وتقدير واعتراف له في عدة رسائل أخرى بالحب والإنسانية جمعاء، واقترحوا عليه أن يكون عضوا في الماسونية وأخلاق الأمير الراقية جعلته يرد عليهم كما كان يرد على جميع مراسليه وهناك 18 ألف مخطوط يشهد على هذه الكتابات، حيث حاول معرفة هويتهم وإن كانوا حقا جمعية إنسانية فيمكنهم اعتباره واحدا منهم لكنه لم ينضم إليهم يوما. والأمير ليس له ذنب إذا حاولت المحافل الماسونية في كتاباتها ومحافلها أن تستفيد من اسمه وتكذب عليه محاولة من خلال هذا الإفك والكذب والزور أن تنشر أفكارها الهدامة في المجتمعات العربية والإسلامية بالمشرق. وحاولت الحركة الماسونية فعل كل ما في وسعها لتجعل الأمير عبد القادر أحد المنتسبين إليها، ولكنها لم تفلح، وكل ما ذكر في تاريخهم عن الأمير هو من نسج خيالهم ولا أصل له من الصحة. * دور الأحفاد والمؤسسة في مواجهة ما يُتهم به الأمير ؟ أنا أردد دائما في جميع المحافل و المناسبات أن جدي الأمير عبد القادر لم يكُن يغريه الجاه،حيث عُرضت عليه القصور و رفضها،كان زاهدا مترفعا عن الدنيا.و كلما سمعت شائعة تمس شخصيته أقوم فورا بالبحث و جمع الأدلة ليكون ردي قويا و واضحا لمن يحاولون تشويه صورته حسدا من عند أنفسهم. سيدتي الزهور..لنفترض أن الأمير عبد القادر حاضر معنا،ماذا سيكون رأيه في الأوضاع الراهنة و ما آلت اليه الحال ؟ – في الحقيقة هذا التساؤل طرحته العام الماضي بمحاضرة حملت عنوان: "إن عاد الأمير!!"، وكان حاضرا معنا السيد محمد طايبي، لو كان الأمير عبد القادر حاضرا أكيد سيقوم بجهاد هؤلاء الذين يشوهون صورة الإسلام، وهذا من باب الدين فالخائن لا مكانة له بيننا. * سيدة الزهور بوطالب، كلمة أخيرة نختم بها؟ – كلمتي الأخيرة هي كلمة الله والوطن والدين، يمكن أن نختلف مع بعضنا في وجهات النظر لكننا لسنا أعداء ولا يجوز أن نكون سببا في كسر بعضنا، آن الأوان لأن نتلاحم ونلم شملنا. حاورتها: آمال كول