القاص والروائي خالد ساحلي يعتبر الكاتب "خالد ساحلي" من الكتاب الجزائريين الذين يمتلكون إبداعا ينثر أوراقه داخل فضاء اللغة السردية والشعرية مشكلا عوالمه في سحرية القص وتشكيل النص الآخر الذي يحاول أن يصل إلى نمط مختلف يجعل من الرؤية الإبداعية تتعدد في علاقاتها وفي تداخلاتها.. هو من مواليد 1971 بفج أمزالة، متحصل على دبلوم تنشيط الشباب اختصاص فنون درامية معهد الخروبة، عمل مراسلا صحفيا لعدة جرائد كما كتب في عدة جرائد يومية، وأسبوعية منها "جريدة القلاع" و "العقيدة" كما عمل متعاونا صحفيا ومشرفا على ركن صفحات "الطفل و الأسرة" بجريدة "شعاع الرؤية". كتب في عدة نشريات ودوريات عربية منها "المسار"، مارس النشر الصحفي على الانترنت والإبداعي والأدبي، يعتبر من المؤسسين لرابطة الأدب الإسلامي الجزائرية المنحلة في التسعينيات، وعضو سابق في رابطة إبداع الثقافية الوطنية فرع ولاية سطيف، كما هو الرئيس الحالي للنادي الأدبي لجمعية صوت الأجيال للفنون والثقافة. وقد صدر له "لوحات واشية" عن دار ميم للنشر الجزائرية لصاحبتها الكاتبة آسيا علي موسى، و"الحكاية الزائدة عن الليلة الألف" عن دار ميم أيضا، وله عدة مخطوطات تنتظر الطبع. أجرت عدة جرائد حوارات معه منها "جريدة الخبر" ، "العالم السياسي" ، وغيرهما كما أجريت معه عدة حوارات إذاعية (إذاعة سيرتا والهضاب). شارك في مسابقات الشعر والقصة، نال من خلالها عدة جوائز، وقد ترأس لجنة تحكيم المسابقة الأدبية للملتقى الوطني "كتامة" سنة 2005. وفي حوارنا معه يكشف خالد ساحلي عن أزمة الثقافة والمثقف في الجزائر على الخصوص، ويحاول إظهار النظرة الخاطئة للثقافة المؤسساتية والتي تعتبر المثقف وسيلة ومادة لتجارب فاشلة تخلق أنماطا متعددة من الصراعات، كما يتحدث في المقابل عن نموذج مثقفي السلطة ومافيا الثقافة التي "تقتسم الريع والمال والمنافع" مستندة على ما تمنحه السلطة من مساحات متعددة لهؤلاء، على غرار ما يحدث من تكتلات ثقافية تمثل الجزائر في الداخل والخارج وهي الأسماء نفسها والتي لا تعبر بالضرورة عن فضاء الإبداع الجزائري، وهذا ما عبّرتُ به يوما للشاعر الكبير "سعدي يوسف" حين تأسف من معاملة "المؤسسة" التي تعتمد على وجوه "غير ناضجة" وغير واعية بالمشهد الثقافي الجزائري، وقلت له ما كتبته داخل أبجدية نصي النثري "في الداخلِ تنبت العناكبُ وسطَ حشائش الوقتِ، تتوالدُ الظلمةُ، تسيرُ اللغةُ بلا عكّازات / تنامُ وهي تحلمُ بمدينةٍ أخرى.." وخالد ساحلي في حوارنا معه يتكلم بلغة المبدع "المتعَب" في الجزائر أين لا يجد إلا التكتلات والتي إن لم يكن عنصرا داخلها يصبح مبعدا حتى من دعوته "كاتبا".. لكننا ورغم ذلك نبحر في علاقاته مع القراءة والنص والمعرفة.. ---------- - قبل التوغل في تجربتك الإبداعية نود أن نقترب من عالم القراءة لديك.. كيف تتعامل مع الكتاب وحدثنا عن ما تقرأ الآن؟ - بيني و بين الكتاب علاقة وقتية مستمرة غير منقطعة، فهو في الغالب الوجه الذي يقابلك حين يفر منك الناس، وهو الفاتح لك دفتيه و حضنه حين تحتاج إلى الحنان و الغنى ، حين تحتاج إلى معلم ومرشد، الكتاب يتجاوز المحيط و الأسرة و الجامعة إنه في الغالب الحياة المجموعة في ورق ، إنه الشيء و المادة التي تنبض منها الحياة والتجارب ، إنه تاريخ البشر و العلوم و المعارف ، تاريخ الأمصار و الأجناس و الأفكار، لذا فعلاقتي به علاقة النهر المحتاج إلى القطر، علاقة الباحث إلى المخرج، علاقة المفتاح بالباب، ببساطة الكتاب هو الحضارة و الإنسانية. أقرأ الآن لمحمد أركون وكتاب الفلسفة السياسية عند أخوان الصفا و أما أدبيا أقرأ جون جاك روسو من جديد. - من القراءة وأهميتها في صياغة الشخصية المتحضرة المؤثرة في مجتمعها، هل يمكن أن تحدثنا حول أول كتاب صدر لك؟ - أول كتاب صدر لي كان لوحات واشية و هو مجموعة قصص قصيرة جدا، هذا إذا استثنينا كتاب الكتروني مشترك بين كتاب القصة القصيرة جدا في الوطن العربي ، ولوحات واشية هي مجموعة لجنس أدبي جديد للقصة الومضة، تجربة كتابة جديدة وجدت أنها تمنح الكاتب فضاء كبيرا ليلّوح بأفكاره إلى أي قارئ شاء ، إنها النصوص التي تحتمل كثيرا من التأويل، بل استحسنت كتابتها لصعوبتها و لتكثيفها و لأني وجدت فيها ضالتي لأنها مزيج من الشعر النثري و القصة، لكنني تخليت عن كتابة عن الجنس لأسباب كثيرة منها قفز القارئ عن المعنى الحقيقي لما يحمله النص ونفورهم منه.
- يقول أحد الأدباء الكبار "إن كتابة قصة أشبه ما تكون بهزيمة عدو"؟ - الحقيقة الكاتب ينتصر دائما لشخصياته في النص على حساب الظلمة و المفسدين و يروّج و لأفكاره و تطلعاته الانسانية، لا يوجد كاتب يحمل قلب مجرم أو ظالم لأنه بذلك يتنافى مع الجمال الذي هو أبلغ درجات السمو وغاية الأدب. - يرى بعض النقاد أن آخر تطور للقصة والرواية هو مرحلة "التأصيل"، حيث استمدت من المناهج وطرق البحث العلمي والأكاديمي ما يثمر حقولها، كما تخلّص البعض من عقدة الانبهار والإعجاب بما يكتبه الغربيون، رغم أن فريقا آخر يرى أن تعامله مع الكتابة هو تعامل إنساني لا يقف عند السياسات ومعانيها الإيديولوجية.. كيف ترى هذا التفاوت في التصور وبنيته في الرواية العربية والجزائرية على الخصوص؟ - إن عصر الإيديولوجيات أفل و تكسّر، بل صار إلى زوال لأنها لم تعد تتحكم في فكر الإنسان المعاصر خاصة بعد نهاية الصراع السياسي بين دولتين كبيرتين كبست على عقول الشعب و لم تتركه يتحرك إلا في نطاقها، وبهذا تحررت الرواية و القصة من هذا القيد الذي أدمى معصميها زمنا طويلا ، فالسياسة كانت تتحكم في الأدب و فيما ينشر بل هناك توجيها لكثير من الكتاب لأجل خدمة النظام الذي كان يستظل بالإيديولوجية، لكن مع سقوط الشيوعية و ظهور الرأسمالية المتوحشة و ظهور مصطلحات جديدة مثل العولمة و غيرها من المصطلحات التي فرضت نمطا إنسانيا عالميا يقف في وجه التراجع الصارخ للأخلاق و القيم وبذلك انزوت الإيديولوجية في مكان قصي. لا شك الرواية في الجزائر هي المهيمنة على الساحة لا لأنها هي المتداولة و ما يطلبه القارئ بل لأن الكثير من المهيمنين على دور النشر هم روائيون أو تجار يمارسون مهنة النشر كما سوق الخضر و الفواكه و يتبعون المواسم و الرائج فيها من حب الناس. - قرأت لك بعض القصص القصيرة جدا، لكن هذه التجربة لم تستمر، هل هذا يعني أن النص الشعري النثري بما فيه "الهايكو" قد طغى على هذا النمط لتقاربهما التقني؟ - قصائد الهايكو كما تعرف هي تجارب ناضجة وعدت بالكثير وحققت شهرتها بما وعدت به، فقد صارت الأقرب إلى نفسية القارئ وعقله، ولذا فالعصر عصر سرعة يتلقف القارئ أو السامع من الباث الجملة و يمضي في طريقه مفكرا أو منتشيا بجمال التركيب أو متشبعا بحكمة ما، إن الهايكو لها امتداد في التاريخ الأدبي لليابان، كما في مقاماتنا الأدبية ما يغنينا عن الهايكو ، و المأثور من الأقوال في القصص البسيط المختصر، شخصيا أعتبر قصيدة النثر هي الأقرب إلى القصة القصيرة جدا من حيث التقنية والتوزيع للجمل والعتبات في الدخول إلى المعنى، لأن قصيدة النثر تحتاج أحيانا كثيرة لأكثر من قراءة وبذلك تفتح أبوابا كثيرة لتأويل معناها مثلها مثل القصة القصيرة جدا. - هناك الكثير من المثقفين المبدعين الذين يمتلكون تجربة قد تتقاطع مع بعضها البعض، هل هناك وفي الجزائر ما يسمى بالنخبة القادرة على احتواء المشهد الثقافي وبعثه على أفق متعدد؟ - النخبة في الجزائر قد تكون كذبة جميلة لأن المثقف الحقيقي يعمل بفردانية، المثقف في الجزائر و خاصة النخبة تعيش في برج عاجي لا تحرك ساكنا و لا تسكن متحركا وبذلك فقدت مصداقيتها بأن صار فكرها آسنا، لا أؤمن بالنخبة التي تسير المجتمع، التجارب الأخيرة للربيع العربي كشف أن القاعدة هي التي قادت النخبة وحركتها من نومها العميق و من سباتها الأبدي و شحنتها بالشجاعة التي فقدتها على أبواب السلطان، عن نخبتنا التي نعتبرها ر أس هرم المجتمع لا زالت تملك عقلية صبيانية في الصراع على مواضيع هامشية لأجل الطمع في امتيازات متوفرة في مفاصل السلطة، أما النخبة الحقيقية فهي مهمشة بدليل من يصنع الحدث في الوطن لا أحد، باستثناء بعض الإرادات الفاعلة التي تحارب من جهات كثيرة لأنها تريد تحقيق مبدأ التغيير النوعي فكريا و فلسفيا ، أما بخصوص تقاطع التجارب مع بعضها البعض فلا شك هناك أدباء و شعراء و كتاب تتقاطع أفكارهم بعضها ببعض و لكن لا يتم تحقيق فيما هو متقاطع بينهما . - العملية النقدية والمشاركة الفاعلة في تلقي النص تكاد تكون خالية في الجزائر خاصة وأنها لا تمتلك مجلات ولا جرائد متخصصة، لماذا هذا التهاون بقيمة المثقف في الجزائر، حتى مال إلى زوايا الإنترنيت هروبا من مواجهة هذا الواقع؟ - النص في الجزائر رهين اللحظة عند كثير من النقاد و لذلك فهم لا يهتمون بهذه النصوص؛ هل هناك نصوص قوية تستحق أن يقف عندها النقاد؟ وهل هناك نقاد حقيقيون في الجزائر أم أن الأمر يقتصر على مجرد عدد قليل مهمته تبييض وجود بعض الأسماء و تسوييد غيرها بما تناله من حظوة أو أجر مادي و معنوي و امتيازات تمنح من بعض الكتاب الذين يملكون ديار نشر وجمعيات بل أصحاب الوساطة على مستويات عدة إعلاميا و ثقافيا؟ ألا ترى مستوى الجرائد التي تتكلم عن القتل و السرقة و الآفات القاتلة و الأمراض التي هي في الأصل نتيجة و ليست سببا، معظم الجرائد لا يخصص صفحة ثقافية حتى تؤسس لفعل المواطنة أو المدنية أو التوعية، أخبار القتل و السرقة لا تصنع فردا مثقفا يمكنه المشاركة المواطناتية أو الثقافية... أما عن المثقف فهو ليس دائما ضحية لأنه في بعض الأحيان هو الجلاد ذاته ، أقول لك بصراحة هناك تواطأ السلطة وبعض شرائح المجتمع على المثقف وهناك تواطأ المثقف على المثقف و هناك تواطأ الخارج على المثقف و أقصد السلطة الدينية و السلطة التغريبية على النقيضين و هناك تواطأ المثقف على نفسه و الأخطر هي الحلقة التي تربط كل هذا ضد المثقف الموقف، المثقف الوطني المثقف الملتزم الذي يصير إلى الهامش لينتصر المثقف السلبي و يصير المركز و بذلك يحقق الغياب الثقافي والفكري لأنه لا يشارك الاختلاف بل هو من يقضي على الاختلاف كونه هو المحور. وكما قلت أستاذ ميلود لم يبقى إلا الفضاء الرقمي و الحمد لله على نعمة الله وشكرا للغرب الذي لا زال يعمل على ابتكار و سائل الاتصال و التفاعل في ظل غياب أدنى مفهوم لمصطلح متداول عن التفاعلية عند النخبة و العامة على السواء. - وهذا يقودنا إلى الحديث حول دور المثقف وإلى "مافيا الثقافة " حسب تعبير شرف الدين شكري؟ - شرف الدين شكري صديق عزيز وهو باحث ناقم عن الوضع مثلي أنا أو كأي مثقف أو كاتب يرى الأمور تجري في غير مجراها وإلى غير موقعها و بدون حقيقتها،المافيا عائلة واحدة كبيرة تقتسم الريع والمال و المنافع و الامتيازات على العكس فإن المافيا الثقافية هي أسخف مافيا في البلاد لأنها تهين المثقف الذي تحترمه كثيرا المافيا الغربية التي لها قانونها أيضا أما المافيا في البلاد فهم لا يملكون حتى قانونهم الخاص لأنهم في الوقت ذاته الجلاد و الضحية، الخصم و الحاكم. - نشكرك خالد على هذا الحوار الشيق معك، وأتمنى أن تطلعنا فيما تفكر إبداعيا؟ - العفو أنا من أشكركم لأنكم فتحتم لي متنفسا و معبرا لأقول بعض ما يدور في ذهن كثير من الكتاب و الباحثين و الأدباء الجزائريين، الحالة واحدة مستعصية لكن نأمل في الإصلاحات التي نادت بها الدولة أن تأتي أكلها ولو أني دائما متفائل بأن الواقع يصنعه الفكر ومادام الفكر محارب و على الهامش فإننا ننتظر أمرا من الله كان وسيكون مفعولا. إبداعيا لا زلت أنقح في رواية الغرق ، أقتل شخصياتها ثم أعود إلى إحيائها من جديد لم أستقر على أمر، كثير من الأحداث تتغير ثم تعود إنها الحقيقة التي تريد أن تكون حقائق مختلفة يكثر فيها التضاد و الصراع... أفكر في مشروع رواية جديدة ستأخذ مني الوقت الكثير.