الداعية الدكتور "ماهر الشلال" في الجزء الثاني والأخير من الحوار الشامل الذي أجرته "الجلفة إنفو" مع الداعية الدكتور ماهر الشلال بمناسبة حلوله ضيفا على مدينة الجلفة. تطرق ضيف الجلفة في هذا الجزء إلى الأزمة السورية وأبعادها الدولية وكذلك قضايا اللاجئين السوريين في دول الجوار ومسألة الجهاد بالدفع وفلسفة التغيير. نحن عبّاد أشخاص ... والإسلام منذ بداياته دعا إلى تقديس الأفكار لا الأشخاص في تشخيصه للممارسات اليومية للمواطن العربي، فضل الدكتور ماهر الشلال أن يخلع على الممارسات اليومية لفظ "عبادة الأشخاص لا عبادة الفكرة" حيث يقول في تفسير ذلك " عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، الذي ألفه قبل أكثر من قرن، ذكر أنّ المنطقة العربية "منطقة متحركة وليست جامدة"، مصيرها السياسي هو أن تتحول كل مئة عام. وآخر تغيير سياسي شامل حدث في المنطقة العربية كان منذ حوالي قرن تقريبا. والحقيقة هي أن الاستبداد هو الذي أدى إلى ما نراه اليوم. وللأسف نحن لسنا عُبّاد الفكرة بل عُبّاد الأشخاص. فالنبي صلى الله عليه و سلم أُرسل من أجل ترسيخ فكرة التوحيد وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- رسخها لما صعد إلى المنبر وقال "من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت". يعني قضية "الشخصنة" لم تكن موجودة منذ فجر الإسلام.فضل الثورة السورية هو أنها عرّت الصفويين على حقيقتهم أمام العالم ولذلك نحن عُبّاد الأشخاص سواء بالممارسة السياسية أو بالممارسة الدعوية وأعمق من ذلك في ممارساتنا داخل البيت. ولعل أول ما أعابه القرآن الكريم على الكافرين هو عقدة الآباء في قوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون". للأسف نحن أورثنا أنظمة عبادة الأشخاص وهو ما أدى إلى النتيجة الطبيعية وهي الثورة. لأن الشعوب بطبيعتها تنزع إلى الحرية ولأن أقدس شيء يمتلكه الإنسان هو حريته. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أسس أول دستور مكتوب في العالم وليس كما يشاع ميثاق حقوق الإنسان أو ميثاق الأممالمتحدة، أعطى الأقليات حريتها في المدينةالمنورة. ماليزيا وتركيا سُنّتان للتغيير بأقل الخسائر الداعية ماهر الشلال بدا جدّ متأسف على الضريبة الغالية التي صارت تدفعها الشعوب العربية الراغبة في التغيير رغم وجود التجربتين الماليزية والتركية اللتين تمكنتا من إحداث تغيير سلمي، حيث قال في معرض حديثه عن ذلك " التغيير سنة الله في خلقه ولكن من المفروض أن لا نكتوي بالنار التي اكتوت بها الأمم والشعوب التي سبقتنا، لأن ضريبة التغيير عالية جدا. ولكن هناك سنن أخرى للتغيير أثبتها العالم وهي قادرة على الانبعاث من جديد وبأقل الخسائر. ونقصد بالقول تركيا وماليزيا اللتين قدمتا مثالا رائعا في التغيير على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. مأزق النظام السوري هو أنه يريد تحقيق سيادة الدولة على جماجم الناس وقد التقيت رفقة ثلة من العلماء المسلمين بالدكتور "محمد مهاتير" رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وعندما سألناه عن سر النهضة الماليزية أجابنا بالقول "لنا قبلتان: فلما نقصد العبادة نتوجه إلى مكة ولما نقصد العالم نتوجه إلى اليابان" ... وها هو حال ماليزيا اليوم التي صارت سادس قوة اقتصادية في العالم". أما بالنسبة للتجربة التركية، فقد قال الدكتور الشلال " كل العالم الإسلامي يعرف بالحصار الذي عاني منه حزب "العدالة والتنمية" وكيف عاش رئيسه السبق نجم الدين أربكان وكنا نتساءل وقتها "كيف سيخرج هذا الحزب إلى العلن؟ ولكن ها هم قد خرجوا إلى العلن بخدمة المجتمع، والتجربة التركية يمكن وصفها بالناجحة مادامت قد تجاوزت اثني عشر سنة، ومسار أي تجربة يقيم بعد مرور عشرية كاملة على بدئها. فالشعوب تبحث عمن يؤمن لها اللقمة والعيش الكريم وعمن يعطيها حريتها". رسالة كل داعية ومصلح هي أن يدعو إلى الله بحكمة وأن يقف مع المظلوم ضد الظالم رسالة كل داعية ومصلح هي أن يقف مع المظلوم ضد الظالم لكن بحكمة مصداقا لقوله تعالى "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". هكذا تطرق الدكتور ماهر الشلال إلى منهج الدعوة وقال "لا ننسى هنا قصة عبد الله بن المبارك حين وقف في وجه الخليفة أبو جعفر المنصور حين سلب وزيره يهوديا أرضا و بنى عليها مسجدا. حيث صلى بهم وقرأ الفاتحة "الحمد لله رب المسلمين" وعندما سأله أبو جعفر المنصور عن هذا الخطأ أجابه عبد الله بن المبارك بالقول "لو كان رب العالمين لما سلبتم هذا اليهودي أرضه". كما ذكر الدكتور ماهر الشلال قصة وقعت له في مسجد بدمشق، فقال " كان فيه أطفال يلعبون بالمسجد وهذا من طبيعة الأطفال. فلما رآهم المؤذن حمل العصا وبدأ يلاحقهم حتى طردهم من المسجد، فقلت له " لو انحرف أي طفل من أولئك الأطفال عن جادة الصواب، ستحمل إثمه إلى يوم الدين، لأنك زرعت في نفسيتهم الخوف من المسجد". و لدينا في صحيح السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبة الجمعة حتى يأخذ الحسن والحسين -رضي الله عنهما-. وأنه أطال السجود لما صعد الحسن والحسين على كتفيه عليه الصلاة والسلام. الجهاد بالدفع... السوريون دُفِعوا دفعا إلى حمل السلاح أمام مجازر النظام بالنسبة للشأن السوري في ظل الأزمة التي يمر بها بلده تحدث الداعية ماهر الشلال بكثير من الجرأة والتحليل المنطقي حيث قال في تفسيره لمسألة الجهاد بالدفع "ما يروج له النظام السوري حول المؤامرة على سوريا هو كذبة كبيرة، لأن المؤامرة لا تخرج الشعب عن بكرة أبيه إلى الشارع من أجل المطالبة بالحرية والعدالة. والمأزق الذي غرق فيه النظام السوري هو أنه يريد تحقيق سيادة الدولة على جماجم الناس. لماذا فقط إيران وحزب الله في لبنان وروسيا والمالكي يقاتلون إلى جانب النظام السوري ويقتلون الشعب السوري؟ من ذا الذي يصبر إذا وجد أمه أو أباه مقتولا أو مذبوحا أو سلخ جسده ... هل يريد النظام السوري أن يقول إن هناك أناسا نزلوا من الفضاء؟ إن ما جرى في سوريا كانت بدايته صحيحة 100 % و لا مجال فيه للمؤامرة. ولذلك فقد دُفِع الناس دفعا إلى حمل السلاح دفاعا عن حياتهم وعن أعراضهم. ولذلك فان مسألة "الجهاد بالدفع" هي أن كل الأحكام تنتفي أمام القتل والظلم وانتهاك الأعراض. فقد كنا نعد الشهداء بالواحد والآن صارت هناك مجازر يرتكبها هذا النظام. ترى من الذي أطلق يد قاتل الأطفال وغاصب النساء؟ ... هذا ليس خطأ معزولا أو عملا فرديا. وللأسف اكتشفنا مع مر الأيام أن المطلوب من النظام السوري حماية أمن إسرائيل بالدرجة الأولى مقابل بقائه. أما قضية نظام الممانعة ومسألة حزب الله فهي كلها عبارة عن كذب كبير، فهذا النظام الذي استطاع أن يؤمن الحدود مع إسرائيل 40 عاما عجز عن الردّ على قصف إسرائيلي منذ مدة وجيزة لقافلة صواريخ كانت موجهة إلى حزب الله... إسرائيل تقصف سوريا والنظام السوري يردّ بقصف حماة وحمص ودمشق. العالم الآن يصفي أوراقه السياسية على الأراضي السورية... المسألة أصبحت الآن مسألة تصفية سياسية على حساب الشعب السوري. حال اللاجئين السوريين في دول الجوار/ عرّى الضمير الإنسان العالمي أما بشأن اللاجئين السوريين فقد رجع ضيف الجلفة بذاكرته إلى الوراء وتحدث بكثير من المرارة عن حال اللاجئين السوريين مقارنة بما قدمه الشعب السوري للدول المجاورة أيام أزماتها، حيث قال في ذلك " لما كانت حرب العراق في 2003 ضد نظام صدام حسين استقبلنا 05 ملايين لاجئ عراقي ولم يسجل التاريخ أن لاجئا عراقيا جلس في خيمة ... أبدا، بل احتضنهم السوريون في بيوتهم، في حرب 2006 على لبنان استقبلت سوريا 000 850 لاجئ لبناني ... واستقبلوا في البيوت السورية. اسرائيل تقصف سوريا والنظام يردّ بقصف حماة وحمص ودمشق ولكن لما اندلعت الأزمة السورية الحالية صرنا نرى اللاجئين السوريين يُستَقبلون ولكنهم يموتون بالعراء ... فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. ثم لماذا منحت الأممالمتحدة النظام السوري 50 مليون دولار كي يغيث اللاجئين... كيف يغيثهم هذا النظام وهو يمطرهم يوميا بالطائرات؟؟ الداعية ماهر الشلال قال بلغة المستيقن لحال أبناء بلده " هذه وقفات يجب أن يتوقف عندها الضمير الإنساني العالمي .. دعونا نخاطب الإنسان: أنت إنسان قبل أن تنزل الأديان، فهل يرضى الإنسان لإنسانيته بذلك؟ ... فعلا الثورة السورية اليوم قد عرّت حتى إنسانية الإنسان. أنا أعتقد أنه بعد عودة السلام إلى بلدي بحول الله، فإن التاريخ سوف يؤرخ لما قبل الثورة السورية ولما بعد الثورة السورية. كنا نعتقد أن إسرائيل هي البنت المدللة للعالم فاكتشفنا أن النظام السوري هو الفتى المدلل أكثر من إسرائيل وفي سؤال للجلفة إنفو بشأن المفارقة حول حماية الدول الغربية لإسرائيل وفي الوقت نفسه مساندتها للشعب السوري ضد النظام الذي حمى الحدود الإسرائيلية 40 سنة، أجاب الشلال بالقول "لا أمريكا ولا فرنسا ولا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا ولا حتى الدول العربية والإسلامية ساندت الثورة السورية. وهناك شعار رفع أثناء الثورة السورية وهو المعبّر عن الواقع وفيه كتب "ما لنا غيرك يا الله" ... صدقا ليس معهم إلا الله !! فأوروبا وأمريكا وروسيا لا تردن سوى أن تضمن من يأتي بعد الأسد كي تضمنّ أمن إسرائيل ... لا يهمّهم أي شيء في الدنيا حتى الشعب السوري، وقد كنا نقول في السابق أن إسرائيل هي البنت المدللة للعالم فإذا بنا نكتشف أن النظام السوري هو الفتى المدلل أكثر من إسرائيل في العالم !! أما المفتشون والموفدون والوسطاء فهم مجرد تضييع للوقت من أجل قتل أكبر عدد ممكن من السوريين الموجودين ... فضل الثورة السورية.. أنها قد عرّت الصفويين أمام العالم وبخصوص التضامن المطلق الذي يحوز عليه النظام السوري من بعض الدول والجماعات ، رد الداعية ماهر الشلال قائلا "هذا هو قدرنا وهو أن الثورة السورية تتعلق بمسألتين: المسألة الأولى تتعلق بالإنسان، وفيها قدر الشعب السوري أن يضحي وأعزّي شعبنا بالقول "شهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار". المسألة الثانية تتعلق بالله عز و جل، وحديث النبي صلى الله عليه و سلم "فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ". فلمّا تجد إيران بعتادها وعدتها تشارك في القتل، ولمّا تجد حزب الله "يتخلّى" عن قتال إسرائيل ويقتل السوريين ... لمّا تجد المالكي يترك مشاكل بلاده ويرسل شيعة العراق للمشاركة في إبادة السوريين ... ماهو المبرّر لكل لذلك؟ ... إنه فضل آخر للثورة السورية وهو أنها قد عرّت الصفويّين أمام العالم وتكشير أنيابهم تجاه أهل السّنّة.