صورة من الأرشيف لم يبق أمام مسيري جامعة زيان عاشور سوى التفكير في نزع أبواب الكليات والمعاهد ومدخل الجامعة بكامله لضمان السير السليم للدروس، وذلك أمام (الموضة) الجديدة التي اعتمدها بعض الطلبة للتعبير عن مختلف مطالبهم المشروعة أو غير المشروعة بشكل مرتجل أحيانا أو بشكل تتبناه الاتحادات الطلابية أحيانا أخرى، وفي كلتا الحالتين فإن المتضرر الأول في هذه العلاقة القائمة على (لي الذراع) هي الغالبية العظمى من الطلبة التي لم تستشر في أغلب الأحيان حول اللجوء من عدمه إلى هذه الأساليب غير المقبولة وغير القانونية وغير الأخلاقية عندما لا يتعلق الأمر بمصلحة إدارية أو هيئة عمومية بل بجامعة بكل ما تحمله كلمة (الجامعة) من دلالات تتعلق بالعلم والتحضر . ولعل من بين الأسباب التي تشجع هؤلاء المحترفين في سد الأبواب والإسراع إلى غلقها صباحا قبل وصول الطلبة هي اكتفاء الإدارة بأساليب التهدئة والدفع بقنوات الحوار مع كل من تسول له نفسه لسبب أو لآخر التعبير بواسطة هذا الأسلوب الهمجي الذي كلف جامعتنا الكثير وأقصد بذلك وفاة الدكتور سايحي محمد (رحمه الله) ذات صباح من سنة 2007 عندما خرج من مكتبه ليندفع نحو معهد الإلكترونيك لكي يفتح أبواب العلم والعرفان أمام الطلبة ويمنع بذلك الهمجية من إحكام قبضتها وإبعادها عن دروب المعرفة. وفي مقابل هذه السياسة (الحكيمة) لمسؤولي الجامعة إزداد تعنت بعض الطلاب ليس في المطالبة بحقوقهم المشروعة بالأساليب القانونية والحضارية ولكن في اعتماد أساليب أقل ما يقال عنها أنها (مكيافلية) ترفع شعار (الغاية تبرر الوسيلة) . وفي مثل هذه الوضعيات يدفع طلاب من قسم التاريخ مثلا ثمن مشاكل طلاب قسم الفلسفة وذلك لسبب واحد وهو أنهم يدخلون من نفس الباب، أو طلاب الجامعة بكاملهم ثمن تقاعس مسؤول إداري أو تعنت أستاذ أو تهور طالب في كلية أو في قسم من الأقسام، وذلك عندما يصل التصعيد إلى غلق باب الجامعة بكاملها، وأحيانا تؤخذ الجامعة كرهينة لمشكل وقع على مستوى الخدمات الجامعية ، أي خارج أسوارها وبعيدا عن صلاحيتها . لقد سجلت جامعة زيان عاشور على غرار بقية جامعات الوطن رقما قياسيا هذه السنة في اللجوء إلى سياسة غلق الأبواب انطلاقا من مقولة (علي وعلى أعدائي) أو بالعامية (نلعب وإلا انحرم) ، وهنا نصبح بعيدا عن مبدأ ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، خاصة إذا علمنا مدى تعقيد المشاكل التي تكون وراء اللجوء المتسرع إلى غلق الأبواب ومدى تداخل الفاعلين فيها وخاصة إذا تعلقت بمسائل لا يمكن الفصل فيها على مستوى رئاسة الجامعة بل تتطلب تدخل الوصاية أي الوزارة وخاصة فيما يتعلق بفتح اختصاصات جديدة أو اعتماد مستويات عليا في الدراسة كالماستر والدكتوراه التي تتطلب تقديم ملفات تقنية وتوفير إمكانية التأطير التي تتعذر في الكثير من الأحيان ، وخاصة في هذه الفترة الانتقالية التي عرفت ظهور نظام LMDالذي واكبه استصدار العديد من القوانين والمراسيم والتعليمات التي تتطلب الوقت والوسائل المادية والأدبية لتطبيقها بشكل مناسب . لقد آن الأوان لكي نرقى بأساليب التعبير والمطالبة بالحقوق بعيدا عن منطق (الغلق والسد والمنع والحرمان) وأن نفتح الأبواب عوض غلقها للحوار وندعوا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم مسؤولين واساتذة وطلبة ، وأن نقف بكل حزم أمام المستهترين المندسين في صفوف الطلبة الذين يلجؤون بكل تسرع إلى الأبواب فيعمدون إلى غلقها وهم بذلك يفقدون كل مصداقية للدفاع عن حقوقهم ، لأن المطالبة بالحقوق المشروعة لا يتطلب ولا يستدعي استعمال الوسيلة الهمجية المتمثلة في غلق الأبواب وحرمان زملائهم من الدراسة من أجل مشكل جزئي أو مؤقت يمكن حله بقليل من الصبر والتروي والثقة في القوانين التي تسير الجامعة التي ندعو الجميع إلى الرجوع إليها والاطلاع عليها ومواكبة تطورها والعمل على نشرها وتبليغ جميع الأطراف بها حتى نبتعد عن التصرفات المرتجلة والتأويلات الخاطئة والإشاعات الكاذبة التي تسعى إلى تعطيل الجامعة عن أداء مهمتها الحضارية . (*) جامعة الجلفة