طاقات متجددة: ياسع يشارك بالصين في أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية للتغيرات المناخية    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    صحراء ماراطون : مناسبة متجددة للتضامن مع الشعب الصحراوي ونضاله من أجل حريته واستقلاله    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    مدير البريد والمواصلات لولاية الجزائر    كرة القدم/ الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 17): مولودية الجزائر تفوز على نادي بارادو (3-1) وتعمق الفارق في الصدارة    السيد قوجيل يعزي عائلات العسكريين شهداء الواجب الوطني في فيضانات عين تموشنت    إحياء الذكرى المزدوجة يعد محطة تاريخية هامة لاستلهام العبر    ارتفاع حصيلة المراقبين الدوليين الذين طردهم المغرب    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يوجه باعتماد وسائل رقابية جديدة لحماية الموانئ    رئيس الجمهورية يعزّي في وفاة 3 عسكريين بعين تموشنت    لهذه الأسباب استحق الرئيس تبون لقب النقابي الأول    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    ترقية التعاون جنوب-جنوب في مجال الطوارئ الكيميائية    رؤية استشرافية متبصرة لريادة طاقوية عالمية    إحياء الذكرى المزدوجة ل24 فيفري بحاسي مسعود    سعيدة : فتح ستة أسواق جوارية مغطاة تحسبا لرمضان    بونجاح وعبدلي يؤكدان جاهزيتهما لتصفيات المونديال    دورة تكوينية للنواب حول المالية والإصلاح الميزانياتي    "إسكوبار الصحراء" تهدّد مملكة المخدرات بالانهيار    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    خارطة طريق جديدة للقضاء على النفايات    جانت : مناورة وطنية تطبيقية لفرق البحث والإنقاذ في الأماكن الصحراوية الوعرة    السيد بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة ال37 الاستثنائية للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    هذه توضيحات الجمارك الجزائرية..    وزارة التربية تدرس مقترحات 28 نقابة    سعيود يبرز الجهود المتواصلة    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    الدخول المهني: استحداث تخصصات جديدة تواكب سوق العمل المحلي بولايات الوسط    هذه هي الجزائر التي نُحبّها..    نحو 5000 امرأة ريفية تستفيد من تكوين    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الشوق لرمضان    صدور المرسوم التنفيذي المتضمن رفع قيمة منح المجاهدين وذوي الحقوق    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    مجلس الأمن يعتمد قرارا يدين الهجمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاعتداء على المدنيين    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    نادي ليل يراهن على بن طالب    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إن لم يعش الروائي تجربة شعرية لا يمكنه الغوص في بحر الراوية
حوار مع المدون والشاعر "المطر" منير سعدي
نشر في الجلفة إنفو يوم 30 - 12 - 2013

ينضوي المدون والشاعر منير سعدي، ابن مدينة الجلفة تحت راية جيل شعري معين، لأنه يصر دائما على مناوشة حبات المطر رفيق عمره الذي لا يعرف الخيانة ولا العطاء ، مطر دفع منير الى رسم قصائد السعادة رغم الألم و الى نقش المستقبل رغم حدّة القمع والأشواك والقنابل الموقوتة من حوله التي تحاول كبح جموحه الشعري و رقي خطابه الثقافي.
في هذا الحوار يتحدث منير سعدي عن بداياته الإبداعية وكيف امتطى جواد الشعر الجامح، كما تحدث عن القارئ الذي يمتلك قدرا من الفراسة الفنية و النبوءة الشعرية لفك شفرات قصائده، كما تحدث عن لحظات الانكسار و الخيبة و الهدوء التي اعترت بعضا من كتاباته وتحدث عن تجربته في مجال التدوين ايضا.
لكل شاعر بداية كيف كانت بدايات منير سعدي على درب الأدب ؟
كنتُ مولعاً بقراءة الأدب والاستماع إلى قصائد الكثير من شعراء العرب وأذكر أن الوالد في صغري كان يشجعني كثيرا على ذلك ويكافئني كلّما حفظت قصيدة لشاعر عربي كأحمد شوقي وإيليا أبو ماضي وبدر شاكر السياب وأحمد مطر و أبو القاسم الشابي ونزار قباني وغيرهم، الوسط الذي تربّيت فيه منحني الرغبة في مطالعة الأدب ومحاولة الكتابة أيضا حيث كنت في تلك المرحلة أنشر محاولات في صفحات بعض الجرائد، أول تجربة شعرية نشرت كانت بأول منتديات انضممت إليها وساهمت فيها " منتديات أقلام الثقافية " التي أسسها الشاعر الفلسطيني سامر سكيك .. فضاء أحببته وتعلّمت منه الكثير خاصة بفترة إشرافي على قسم الخواطر والنثر . النشر الافتراضي عالم منحني الحرية في التعبير بعيدا عن "القص أو الرفض".
نقوشك الإبداعية تناوش قرائك وتداعب مشاعرهم بحبات مطر ذهبية ما سرّ عشقك للمطر ؟
لكل إنسان في الحياة منابع فرح وجمال يستمد منها فرحه وأمله وذكريات يستمدّ منها القدرة على الحياة وتحمّل آلامها وتمنحه حظّ الإصرار والتحريض على السعادة مهما زادت حدّة القمع والأشواك والقنابل الموقوتة من حوله كما في هذا المكان.. هكذا المطر في حياتي لي معه حكايات لا أذكر بداياتها ذلك لأني أحسّها أزليّة، إنه رفيق العمر الذي لا يعرف الخيانة ولا العطاء بمقابل.. لا يخذلك لحظة الاشتياق إليه ويمنحك ذروة السعادة والحزن أيضاً ويبعث فيك روح الإبداع، إنه أعظم حاضن للذكريات وأسرارها، المطر كان دوما أنبل رحم حمل أجمل الذكريات وأعذبها في الحياة .. أجمل منبع يمنحنا فرصة اللقاء بنا والتصالح مع أنفسنا وحظّ رؤية الحياة من أعظم زواياها .. مدرسة تعلّمنا الصفاء والنقاء والتسامح والجمال العميق .. براءته تشبه أسرارنا العميقة التي تهنا عنها لذلك حينما نكون في حضرته نحسّ بأننا عدنا إلى شيء رائع فينا ابتعدنا عنه كثيراً وأنه كلّما أتى يمنحنا فرصة العودة والاستقرار فينا والبحث عن السعادة انطلاقا من أعماقنا حين نعجز في ذلك يعاود المطر منحنا هذه الفرصة العظيمة مرّة أخرى، سرّ عشقي للمطر من عشقي للجمال الحقيقي .. لجمال التصالح واقتراب وتلاقي القلوب والأرواح، حينما يأتي المطر الكلّ يبدو جميلا وديعاً بريئا حتى من كان يبدو لنا قبيحا من قبل ، إنها من أسراره عظمته ويبقى كلّ الكلام عن المطر يحكي مظهره فهو كالحبّ كلّ تفسيراته لا تلامس عمقه لأنّه يُحسّ فقط ولا يمكن وصفه كاملا وروعته بالكلام .
بمن تأثرت شعريا .. ومن كان له بصمة في مسيرتك الإبداعية ؟
ليس دائما هناك من نتأثّر بهم كي نكتب ونتعلق بالكتابة، أحيانا تستفزنا أشياء كثيرة من حولنا تدفعنا نحو الكتابة .. نلجأ إليها كنوع من ردّة الفعل أو الغضب تجاه ما نرفضه ونختلف معه .. لأننا لم نجد غير الكتابة تحوي ألمنا وتصبر علينا ولا تقول لنا كفى، لأننا نعيش في وسط بائس فاقد لأبسط إمكانيات التعبير عن التساؤلات التي تعجّ برؤوسنا .. مكان يُمارس فيه كل أنواع القمع والتهميش والمصادرة وتكميم الأفواه والخوف من السؤال والذي أعتبره لبّ الإيمان وكشف كل أسرار الحياة من حولنا، إنها ثقافة " قبلية " ينتهجها المجتمع ببراعة من أول وأهم مؤسسة فيه وهي الأسرة إلى مؤسساته الأخرى ، لهذا مأساة هذا المجتمع أبرز دافع ومحرّض على الكتابة التي تبقى المتنفّس والأمل الحقيقي بتغيير الإنسان، بالنسبة لمن تأثرت بهم شعريا كثيرون من شعراء عرب حفظت لهم منهم من ذكرت لك بأول سؤال، أما من كانت لهم بصمة فيما لا أعتبرها مسيرة إبداعية كما ذكرتِ بل أعتبرها في مرحلة البداية أو ما قبلها فهم كثيرون بدءاً منّي إلى عائلتي إلى أصدقائي إلى كل من عرفتهم حتى من خاب الأمل فيهم وكانوا عقبة أيضاً لهم فضل
ألم يخطئ منير في ولوجه عالم الشعر في ظل تراجع منحى المقروئية في الجزائر ؟
إذا كان الكاتب يختار طريقه بما تفرضه هكذا اعتبارات والتزامات ولإرضاء رغبة الأغلبية سيتحول الأدب إلى تجارة ومساهمة في تكريس ثقافة الاستهلاك ويتحول والكتاب إلى سلعة ، الكتابة جاءت للتصدي لهذا الزحف لهذه الظاهرة التي استنزفت الإنسان وجعلت منه أداة وحقل تجارب .. لإحيائه وإنسانيته وإعادته إلى مكانه الحقيقي وغايته كأهم قضية في الحياة .. كأصل فيها وليس فرعاً كما هو اليوم ،، أكتب أولا لإرضاء نفسي .. أعتبرها من المسؤولية، ليس منبعها القلب وليس لديها غاية نبيلة وغير حرّة الكتابة التي تتراجع أو تتوقف بتراجع منحى المقروئية، ما جدواها إن غابت حين يحين دورها في استرجاع الإنسان
كيف يمكن لك كشاب إعادة تأويل التراث في النص الشعري بقراءات معاصرة ؟
نبدأ من طريق توظيفه في الشعر وهو مما يؤثر به شعور الكاتب وإيمانه بالفكرة والرسالة التي يحملها وتحمل في طياتها من هذا التراث ... توظيف التراث سواء كان شخصيات أو أحداث بحقيقته دون محاولة استدراجه ليكون مقابلا لأي فكرة أو إيديولوجية أخري جديدة أو غير ذلك .. توظيفه كتراث كما هو ولا يتحول الى مطية لإبراز جانب آخر وتوثيق وتبرير مصداقيته على حساب الأول، الشعر ثقافة والتراث من الثقافة الأم والذي لا يمكن التخلى عنه كونه توأم إنسان متعلّق بتاريخه لذا الشعر الذي لا يضعه ضمن منابعه فهو يمارس نوع آخر من الحرمان والتجرد والتبرؤ منه والتنكر له وبالتالي لنا كإنسان توظيفه بدافع إحياء جماليته وروحه بطريقة يمكن للمتلقي من خلالها مهما كان غريبا عنه أن يصل بأمان إلى تلك الأمكنة ويشعر بانتمائه إليها ويسلّم بها شرط أن يبق مجاورا الفكرة والسياق الشعري للقصيدة ..، توظيف التراث في الشعر مما يُبقي الأخير على قيمة وغاية نبيلة وروح يلامس بها وجدان الملتقي ويداعب وتر الحنين لأزمنة حياة الاطمئنان والهدوء والسعادة الحقيقية .. سعادة الروح
هل دخلت نفق الروتين فاحتجت يوما إلى توقف ولو مؤقتاً ؟
طبعاً كثيرا ما احتجتُ لتوقف مؤقت لكن ليس بسبب دخولي نفق الروتين ولكن لتفادي دخول هذا النفق .. توقّف طبيعي مؤقت يساعد الكاتب على مراجعة نفسه وخطواته ويتفقد علاقته بالحرف والغاية التي ولج بها عالم الكتابة .. أحاول الحرص والحذر قدر المستطاع فيما أكتبه وأنشره للقارئ سواء بجريدة أو مدونتي صمت الثورة أوبصفحتي على فيسبوك أوأي موقع آخر، الكتابة مسؤولية كبيرة جدا ذلك أن القارئ قد يبني على ما يقرؤه طريقاً ينتهجه، لذا التريث فيه حكمة والتدقيق والإيمان بما نكتب ضروري جدا ليكون له أثر إيجابي على الآخر.
يقال أن قصيدة النثر لم تضف شيئا للشعر العربي ؟
كما هناك من يقول العكس، لا يمكن لنا أن نحكم على هذا الجانب من خلال رأي الأغلبية أو رأي الطرف الأخر الذي يقول العكس ، لكلٍّ له وجهة نظره التي تؤثر فيها أحيانا كثيرة ميولاته أيضا، برأيي قصيدة النثر أضافت للأدب العربي شعر ونثرا لغويا وجماليا و موضوعاتيا وفتحت له قنوات إحساس أخرى جلبت اهتمام الكثيرين وإلا ما سر التفافهم حولها شعراء وقراء ... وعرّفتنا بكتّاب كبار كمحمد الماغوط و حظيت بمرور أقلام الكثير من الشعراء الكبار عليها كنزار قباني وأدونيس وغيرهما ... وإنها من أوجه الشعر التي فرضت نفسها واحتوت من الحياة ما عجزت عنه أشكال أخرى ... والأهم أنها تضيف للأدب العربي، شكل أدبي له مقوماته الابداعية وطاقاته وجماليتاه كما له سلبياته أيضا وهذا طبيعي .
كما يقال أن الشاعر لا يزال متموقعا في برجه العاجي أين يستسلم للعزلة ويتحاشى الاحتكاك مع أي نص روائي، ما تعلقك ؟
إذا كان هذا الكلام صحيحاً كيف نفسّر ولوج الكثير من الشعراء عالم كتابة الرواية وأبدعوا في ذلك وأضافت تجربتهم الشعرية لأعمالهم النثرية جمالا وحساً عميقا وروحاً أخرى .. لمسة خاصة يفتقدها الكثير من الروائيين الذين لم يعيشوا تجربة شعرية قبل غوصهم في بحر الراوية، من جانب آخر برأيي الشعر لم ينفصل عن القصة والرواية إلا بالشكّل الذي يبقى تأثيره ثانويا وكلها متداخلة في أرواحها وهذا الأهم ذلك لأنها تحكي وتهدف لقضايا واحدة .
كيف تفسر إذا هجرة بعض الشعراء إلى عالم الأدب النثري بالأخصّ الرواية ؟
لا أجد تفسيراً لذلك غير الأحداث والانكسارات والصدمات و الخيبات التي يعرفها الواقع عبر العالم خاصة العربي .. أحداث توجّع فيها الإنسان كثيراً على كل الأصعدة خاصة الجانب النفسي جرّاء الضغوطات التي تؤثر بها تلك الأحداث على حياته الخاصّة ، أحداث متسارعة تتميز بالصدمات المتكررة والمفاجآت الغير متوقعة و هذا مما يضيّق على الشعر بهذا المكان الذي غرّبته الأحداث ويغلق أغلب المسامات التي يستمدّ منها أكسجينه .. لم يعد المكان الذي تحيا فيه تلك العلاقة الروحية مع الشعر الذي يتطلّب جوا خاصا يولد فيه حرا بملامحه الحقيقية .. يفرّ الشعر من هذا المكان الذي يسبّب له حساسية مفرطة فلا مكان لذاك الوجدان و العمق الذي ينطلق منه الشعر لهذا تأخذ الرواية التي تتميز غالباً بالكثير من الأحداث والمفاجآت المساحة الأكبر هنا .. قادرة على الاصرار و الصبر واحتواء ما يحدث ذلك أن النثر عموما يتوافق معه .. الرواية قادرة على محاكاة هذا الاستنزاف الرهيب والفظيع للإنسان والثروات والحياة اليوم ... وحتى عند المتلقي لم يعد يمتلك في ظل ما يحدث ما يكفي من الشعور العميق والصبر ليعيش القصيدة التي تحاكي وجدانه.
من جهة أخرى الإعلام لعب دورا كبيرا " عن طريق ما تفرضه الأحداث " في تكريس ثقافة الرواية والترويج لها .. والسينما الأداة الأولى في ذلك ، ستعود روح الشعر بعودة روح الإنسان !~ْ
امتعض بعض المبدعين من اكتساح الأعمال الشعرية كالديناميت ليوسف بعلوج ورجل بربطتي عنق لنصر الدين حديد رفوف الطبعة 18 لمعرض الدولي للكتاب بمقابل غيبت الرواية تماما ما رأيك في ذلك؟
مما يعني أن الشعر حاضر دوماً بل وفي معرض الكتاب الدولي لهذا العام وقفنا على أعمال شعرية عديدة، ثم العام الماضي مثلا حدث العكس بغض النظر عن موضوع امتعاض بعض الروائيين من تغيّب الرواية لأن هذا الموضوع غير مهم، المهم أن ثمة حضور وحركة نشر وإضافة وتواصل ثقافي برغم سلبياته الكثيرة .
الانكسار، العزلة ، الانفعال أو لحظات الصفاء في خضم هذه الزوبعة من المشاعر كيف تتبلور معالم القصيدة لديك ؟
من رحم هذه الزوبعة المزاجية تولد القصيدة وتتشكل ملامحها أو أي شكل كتابة آخر ترسمه الحروف وما أكثر دوافعها في هذا المكان، لعل أكثر ما يستفزّ فيّ رغبة الإقامة بجوار الشعر هي لحظات الانكسار والعزلة والخيبة والهدوء والصفاء والتصالح أيضاً إنها أقرب اللحظات لروح الشعر التي تحاكي الوجدان، كما أن لحظات الانفعال أيضا تأخذ مساحة ... فأحيانا كثيرة تستفزّني الكثير من الأحداث اليومية للتعبير عنها شعراً .. تستفزّ الشعر الذي يركب الغضب والسخط وردّة الفعل التي لا يمكن لها أن ترى النور إلا حينما تتفاقم ولم يعد لها سبيل غير الانفجار ... وهذا من أوجه الشعر الرائعة والضرورية بالثورة والغضب، و" ما أجبن الشعر إن لم يركبِ الغضبَ " على قول نزار.
منير سعدي مدون أيضا حدثنا عن تجربتك في هذا المجال ؟
كنتُ مهتما منذ بداية استخدامي للأنترنت بإنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة مع صعوبة امتلاك التقنية لتحقيق ذلك وقتها عكس اليوم، إلا أن إصراري على تحقيق فكرة فتح فضاء خاص بي يعبّر عن أفكاري وآرائي وأنشر ما أكتبه من شعر وقصص وخواطر ومقالات تراودني باستمرار، البداية كانت عام 2005 حينما أطلقت خدمة المدوّنات المجانية ووجدتها فرصة جيدة للبدء والانطلاق نحو تحقيق الفكرة وأنشر بهذا الفضاء ما أكتب دون تعديل وحذف ومصادرة ورقابة تلغي الجزء الأهم منها على غرار ما نعرفه عن الإعلام التقليدي، حيث كانت فرصة النشر في الجرائد ليست بالفرصة سهل الحصول عليها ، فأطلقت مدونة " صمت الثورة " وكنتُ أدوّن فيها بشكل مستمر بالإضافة للنشر في عديد المواقع والمنتديات، كما لم أفوّت فرص النشر ببعض الجرائد " القليلة جدا " التي تفتح أبوابها لإبداعات الشباب رغم تعلّقي بالتدوين الإلكتروني الذي فتح لي فرصا وتجاربا أخرى وهذا من أجمل ما شدني إليه .. دائما هناك تجارب جديدة تدخلها بفضل التدوين والتواصل مع المدونين والمهتمين بالمجال .. الحرية التامة التي يتمتع بها المدون بعيداً عن كل أنواع الرقابة إلا الذاتية والضمير والأخلاق، اهتمامي بالجانب الثقافي والأدبي في المدونة ساهم في انتشارها واستقطاب القراء إليها، ما أضافته تجربة التدوين لي لم تضفه تجربة أخرى فهي تفتح لك المجال لطرق أبواب أخرى وتختصر وتُسهل لك التواصل مع أسماء عديدة والاستفادة من تجاربها وتبادل الخبرات معها، تعزز فيك ثقافة المساهمة والمشاركة وتبادل الأفكار وتسمو بك وتتجاوز بها التفاصيل الروتينية والعقد التي يعرفها المجتمع الذي نعيش فيه .. سلوك حضاري إنساني يلغي بشكل رهيب الهوّة والهوامش التي تصنعها قوانين المجتمع بين الأفراد في ظل عادات وتقاليد بالية ساهمت في تدهور العلاقات وإحساس الإنسان الذي يعيش فيه بالغربة القاتلة وهو في وطنه بين كل من عرفهم.
لماذا اخترت النشر الافتراضي لتدوين أشعارك ؟
لأنه ببساطة يمكن للكاتب أن ينشر جديده بحرية ونادرا ما يتعرض لمضايقات المقص أورفض النشر كما يحدث في الإعلام التقليدي وأخلاقه وضميره فقط ما يمكن أن تساهم في مراقبة واختيار ما ينشر، ويتمتع المدون بسقف حرية عال يمكنه من تمرير أكثر قدر من الرسائل مهما كان نوعها، بالإضافة إلى إمكانية انتشار ما تكتب ووصوله إلى عديد القراء داخل وخارج الوطن في وقت قصير جدا، هذا لا يعني أبدا عدم أهمية النشر عبر الجرائد والمجلات لأنها الأصل ولا يمكن للإعلام الالكتروني أن يحل مكانها فلكل منها إيجابياته وسلبياته وخصوصياته لذا لم أتخلى عن النشر خارج المجال الافتراضي .
من بين ما استفزني مما قرأت لك " صمت الثورة" ما سرّ اختيارك لهكذا عنوان ؟
" صمت الثورة " العنوان الذي ولد مع الفكرة .. إنه الاسم الذي حافظت عليه على رأس المدونة برغم تغيير مكانها وظلّ في بالي طويلا من قبل إطلاقها، دائما على قناعة تامة أننا بحاجة إلى ثورة مستمرة فينا ترافقنا في كل تفاصيل الحياة، ما أقصده بصمت الثورة .. الثورة الصامتة التي لا تصدر ضجيجا .. لا تُلفت الانتباه ولا تجلب المشاكل واللصوص وأعداء الإنسان إليها ولا تدخلنا في صراع وصدام من أي نوع مع الآخر، الثورة التي تعمل في صمت وتظهر ملامح تغييرها وتأثيرها على المجتمع من دون أن تترك أثرا للخراب والدمار ودون إراقة قطرة دم واحدة كثقافة الهمجية التي تكرّسها اليوم ما تسمى بالثورات أوربيع / الدماء ، صمت الثورة هي ثورة بأسمى معانيها الإنسانية النبيلة والتي تولد مع الإنسان وترافقه في الحياة حتى آخر لحظة فيها .. بأقواله وأفعاله وفيما يكتب ويفكر أيضا، هذا الذي يسمى بالربيع العربي ما يشوه مصطلح الثورة .. والإنسان، لكنها حقيقة ونبيلة في أصلها ومعناها العميق مهما حاولوا استغلالها لتشويه مفهوم التغيير وربطه بالعنف والدمار والهمجية والفوضى، فالثورة التي لا تغيّر الفرد أولا وسلوكياته وتعزز فيه الأخلاق والإنسانية وتصالحه مع عقله هي انتحار واحتضار واتساع لمساحة الهمجية والغاب في الحياة كما يحدث في واقع اليوم مهما حاول إعلام الدعاية تسويق عكس ذلك فيما يقدمه من وجبات دسمة ومسمومة طبعا .
ألا تعتقد أن تأخر ظهور الثقافة الالكترونية بالجزائر أجهض ما تبقى من حرية التعبير لدى المدون ؟
الأكيد أن الثقافة الالكترونية في الجزائر ظهرت متأخرة مقارنة بتجارب في دول أخرى برغم ذلك برزت أسماء تدوينية فرضت نفسها في ظرف قياسي بجودة ما تطرح من أفكار لها أهدافها بطريقة راقية ومحترمة ، ثم لا أعتقد أن تأخرها أجهض الكثير من حرية التعبير في الجزائر فلم نلاحظ من قبل تضييقا واضحا على مدونين جزائريين هذا إن فرضنا أن التدوين بالجزائر يؤثر لذاك الحدّ الذي يستفزّ جهات معينة، لا يمكن لنا الحكم على توفر حرية التعبير في الجزائر من عدمها إلا حينما يؤثر التدوين بشكل ملفت، ولن يحدث ذلك إلا حينما يبتعد عما هوروتيني ومستهلك إذا ابتعد عن الوقوع في الخطأ والداء نفسه الذي أصاب وسائل الإعلام الأخرى من الجرائد والقنوات وحتى الكثير من المواقع الالكترونية التي سارت في نفس نهج الرداءة والهامش، حينما يلامس أوجاع الناس الحقيقية العميقة التي تاهت وانحرفت عنها بسبب تضليل الإعلام لها عبر عقود من الزمن وإهمالها واهتمامها بكل ما هوسطحي وقشوري وسقطت وأصبحت الناس تنفر منها بشكل رهيب بعدما فشلت فشلا ذريعا في ملامسة احتياجاتهم وأسباب شعورهم بالغربة .. السطحية داؤنا الذي يبقينا قيد المراوحة في المكان والمزيد من انتظار تجارب لم نقم بها أصلا ودواؤنا العمق الذي تهنا عنه كثيراً، نحن اليوم نعاني من ضياع وتيهان وغربة حقيقية بكل معنى الكلمة وساهم ما يسمى بالربيع العربي في اتساع الهوة أكثر ما بين الإنسان وعقله وضميره وإنسانيته، وأحس أنه مجرد سلعة وحقل تجارب يُفرغ محتواه لأجل تجربة جديدة ومحتوى جديد ، برأيي لا يمكن الانطلاق سواء بهذا الفضاء أوغيره إلا حينما نأخذ هذا الجانب المهم المهمل بعين الاعتبار ومن أكبر أهدافنا . ~ْ
في كل سنة يحج الأدباء إلى دور الثقافة للمشاركة في المهرجانات والملتقيات الثقافية ، هل تعتقد أن مثل تلك المبادرات كفيلة بمحو التهميش والقطيعة المفروضة على المثقف الجزائري ؟
تقام مهرجانات وملتقيات أدبية على مدار العام ويحج الأدباء إلى دور الثقافة ويُكرّمون وتتناقل الحدث وسائل الإعلام بأنواعها ، لكن الأجدر أن ننتبه لدور المثقفين كنخبة إزاء مجتمعهم بما أنهم حماة أفكارها ومشاريعها الثقافية والحضارية ونتساءل أين دورهم في بنائه و في أي خط تسير هذه الحركة ! ، المشكلة أنهم صنعوا عالما خاصا بهم يكاد يكون منعزلا تماما عن المجتمع الذي من المفروض هو الغاية ... عن انشغالات الناس وآهاتهم ، أصبح واضحا أن غالبية هذه المهرجانات والملتقيات الثقافية أصبحت مظهرية أكثر منها هادفة لمد جسور تواصل بين الشعب و " نخبته " و صناعة جوّ توعي و بناء أساس نهضة حقيقي بمبادئ مستمدة من مرجعيتنا كعرب و مسلمين ... تحولت في أغلبها إلى واجهة إعلامية تخدع الكثيرين و تظاهرات موسمية دخلت في الروتينية ، فارغة المحتوى والغاية و إلا ما سرّ تدهور المجتمع ثقافيا وأخلاقيا بالرغم أننا من عقود نقيم هذه التظاهرات على مدار العام مما يعني أن الخلل في عمق وصميم هذه المبادرات ، برأيي أي مبادرة ثقافية أو غيرها تكلف الدولة إمكانيات ضخمة لا تنعكس على المجتمع بشكل إيجابي وتساهم في تأسيس لوعي إنساني وحضاري حقيقي هي نفاق وازدواجية وافتراء على الإنسان واستنزاف له وللوقت والثروة ومساهمة في تكريس الرداءة واتساع مساحة الهامش والغربة وإنها أخطر مما يُقترف بمنابر السياسة وإعلام الدعاية!
مع آخر حبات مطر تطفيء لهيب حوارنا هذا ما الذي يستفز منير سعدي كشاعر ومدون وما الذي يرضيه ؟
يستفزّني أن نظلّ على هذه السطحية التي تستنزف فينا الإنسان والحياة ونهمل كل ما هو عميق يستعيد دورنا الحقيقي الذي تخلّينا عنه .. أن نتشبّث بازدواجيتنا في كلّ شيء ونهتم بما لا صلة له بنا ولا يتوافق أصلا و مرجعيتنا وثقافتنا الأمّ .. أن نركض وراء السراب ونساير الوهم وننصاع خلف الشعارات والخطابات التي تستغل الهوة الكبيرة بيننا وبين عقولنا لتحقق أجندات أخرى لاستبداد أسوأ وأخطر وتحولنا إلى مطيات وحقول تجارب لانتشال أي نواة روح يمكن أن تستعيد فينا الإنسان الضائع و المستلب .. يستفزني أن ننتظر نتائج تجارب لم نقم بها أصلا .. أن نقول لا ونحن لا نملك أي معنى إيجابي لها، ويرضيني أن نتصالح مع أنفسنا .. مع عقولنا .. أن نعود إلينا ونبحث في أعماقنا عن الأدوات العظيمة التي أودعها الله في قلوبنا ونتحرك بها بإيمان حقيقي نحو تغيير غير مشوّب بالحيرة والقلق والخوف ..
يرضيني أيضا أن يأتي المطر يوما ويشعر معنا أننا نستحقه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.