جثة الجنرال بلونيس كثيرة هي الأبحاث والدراسات التي تحدثت عن تاريخ الحركات المناوئة للثورة لاسيما تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية تحت قيادة "محمد بلونيس". وهي الحركات التي أنشأت بعد انطلاق حرب التحرير و كانت لها نتائج وخيمة على المسار الثوري وخاصة في الولاية السادسة. وفي هذا الصدد قامت مؤخّرا مجلة "ميموار" الناطقة بالفرنسية، في عددها ال 19 لشهر ديسمبر 2013 بنشر دراسة عن حركة "بلونيس". مجلّة "ميموار"افتتحت دراستها بتسليط الضوء على الأهمية الكبرى للثورة التحريرية باعتبارها استطاعت أن تلم شمل وشتات كل الأطياف السياسية في بداية الثورة في نوفمبر 1954. كما أنها تطرّقت أيضا الى سعي القوات الفرنسية في تجنيد عملاء لها خاصة في الأشهر الأولى من الثورة بعد علمها بالصراع الذي نشب بين "جبهة التحرير الوطني" و"الحركة الوطنية الجزائرية" التابعة لمصالي الحاج والتي تزايد أتباعها خاصة في الولاية الثالثة والرابعة وحتى بوابة الصحراء. حيث أشارت ذات المجلة الى أن "محمد بلونيس" كان من بين قادة "الحركة الوطنية الجزائرية" وهو الذي قالت عنه المجلة بأن لقبه الحقيقي "بن ونيس" ويلقب ب"بلونيس"وأنه من مواليد 1919 رغم أن العديد من المؤرخين يؤكدون بأنه ولد سنة 1912. وحسب ذات المصدر، فان "بلونيس" كان قد انظم إلى الحركة الوطنية سنة 1940 وشارك في أحداث 1945 في وقت مبكر حيث ألقي عليه القبض عدت مرات وأدخل السجن. وحينما وقع الانفصال داخل الحركة الوطنية بداية الخمسينيات بين المركزيين والمصاليين، ومع اندلاع الثورة، قاد بلونيس أولى الفصائل تحت اسم "الحركة الوطنية الجزائرية" وكوّن لنفسه مليشيات وصل تعدادها إلى 500 جندي في منطقة برج بوعريريج. كما امتد نطاق نشاط جيشه إلى حدود منطقة القبائل وفي عديد النواحي حتى وصل إلى الغرب والشرق. أما في الجنوب فقد وصل نشاط جيشه الى ولاية الجلفة. وقعت بينه وبين جيش التحرير عديد المواجهات في معاقل جيش التحرير خصوصا في منطقة "ملوزة" و"بني يلمان" سنة 1958 رغم أن العديد من المؤرخين يؤكدون بأن المنطقة لا تسمى "ملوزة" بل "بني يلمان"،بالإضافة إلى أن أحداث "بني يلمان" وقعت في ماي 1957 وليس سنة 1958. كما اعتبرت ذات الدراسة أن أحداث "بني يلمان" كانت سببا مباشرا في التحاق بلونيس إلى الجيش الفرنسي وبأنه الوحيد الذي يمثل الشعب الجزائري وبأن جبهة التحرير الوطني لا تمثله. وهو ما جعله يطلق على جيشه تسمية (الجيش الشعبي الوطني الجزائري) حيث صار مكوّنا من حوالي 3000 رجل مسلح، و تم إنشاء مقرا له في دار الشيوخ. وصارت له منطقة شاسعة ينشط بها وتمتدّ مابين "أومال –سور الغزلان" و"آفلو" في الجنوب. ولكن تسلطه واستبداده جعله يخسر حلفاءه ليصبح رفاقه أعداء له، لاسيما وأنه قد ارتكب العديد من الانتهاكات ضد السكان المدنيين. هذه التصرفات أرهقت كاهل حلفاءه الفرنسيين ليقرروا كسر التحالف معه، ونزع سلاح قواته. فقد كان من الصعب تحمل خيبة الأمل. حيث شعرالجنرال بلونيس بالخيانة وهدد بأن يترك مقر قيادته في نهاية يونيو 1958، لكنه لقي حتفه بعد أسبوعين من طرف المظليين على حدّ تعبيرالمجلة. وفي مقال آخر تحدثت مجلة الذاكرة حول الروايات المتعددة حول مقتل بلونيس. فقد أكدت أن بلونيس تم تصفيته يوم 23 جويلية 1958 بمنطقة "رأس الضبع" بأولاد عامر. حيث أكد صاحب المقال بأن بلونيس اعتقل من طرف الفرنسيين وبأنه قتل بالتعذيب في زنزانته حسب شهادة أحد المساجين الجزائريين الذين لم تذكره المجلّة بالاسم. كما أشار صاحب المقال أيضا الى إصدار مقتل بلونيس وهذا من قبل مجموعة من جيش التحرير الوطني التي أطلقت عليه النار. حيث تم ذلك بعد اكتشاف رسالة سُلّمت من طرف أحد أتباع الحركة الوطنية والذي أكد بأن القائد عمر ادريس، نائب العقيد أحمد بن عبد الرزاق،هو الذي أمر بتصفيته بإرسال المدعو "بلعيساوي" إلى"رأس الضبع" في مهمة القضاء على بلونيس هناك. وفي ذات السياق، أشارت مجلة "ميموار"إلى ما كتبه الكاتب الفرنسي "جاك فلت " في كتابه حرب "الجزائر 1954/1962" في روايته حول مقتل بلونيس. حيث أكد فيها بأن أحد الحركى كان رفقة الجيش الفرنسي في إطار البحث عن بلونيس، وحينما التقى بأحدهم يلبس "جلابية" ضن أنه من جيش التحرير، لكنه تفاجأ بأنه بلونيس وبذلك تم نقل جثته وعلقت على شاحنة ليطاف به في عديد المناطق لتوهم القوات الفرنسية عامة الشعب بأنها هي من قتلت بلونيس. كما أكد كاتب المقال بأن بلونيس قتل بالصدفة ولا يعتبره الجزائريون شهيدا بل رمزا للخيانة والتعاون مع العدو الاستعماري. أما بالنسبة لمؤلّف الكاتب الفرنسي "فيليب غايار" المعنون ب "التحالف"، نشرته دار "لارماتان" في عام 2009، فقد استند فيه الكاتب إلى وثائق وشهادات مختلفة حاول فيها إعادة بناء المكانة التي تشغلها "حرب الجزائر" خاصة نقاط الظل وانعكاساتها لا سيما لغز وفاة بلونيس. وقد قال ذات الكاتب بأنه يفضل الاعتماد على الرواية الرسمية، التي اعتمدها التأريخ الفرنسي، وهو التأريخ الذي يعلم الجميع أن حقائقه الأساسية مبتورة. أما فيما يخص المؤرخين والمؤلفين الجزائريين فقد تحدثت المجلة بدورها عن كتاب "تاريخ الولاية السادسة من بداية التأسيس إلى نهاية بلونيس ( 1954-1958 ) ، للكاتب "سليمان قاسم" والذي نشر في دار الكتاب العربي. حيث أن الكاتب قد اعتبر أن القضاء على بلونيس يعد علامة فارقة في الكفاح المسلح، وليس في ولايات الجنوب فحسب. وهو ما سمح بتحسين الاتصال بين الولايات المجاورة وشدد بذلك الخناق على الجيش الاستعماري الذي خسر بلونيس وقواته. إضافة إلى ذلك اعتبر الكاتب أيضا أن وفاة بلونيس لا يمكن أن تكون خدعة من الجيش الاستعماري، كما يدعي أصحاب الرواية الفرنسية الرسمية. أحد المجاهدين ألقي عليه القبض من طرف جيش بلونيس جثة الجنرال بلونيس