أيّها الشّاعر الأصيل ؛ حينَ بثثتَ بأعينِنا موقفَك الرّاقيَ لأجلِ كرامةِ المرأةِ العربيّة _ و قد ادَّخرتَ ظنًّا جميلاً باسمِها اعتذارًا و فضلا _ كاد يحملني الشّعرُ إلى ضفافِ التّغزلِ المعتادِ الرّتيب،الذي ما زال َيجرُّ قلوبَ الشّعراءِ لوصفها _ قبلَ ألسنتِهم _ جرَّ اللّؤلؤةِ إلى محارتها،و إنْ هوى بنا إلى منازلَ يحسبُها المتلقي وهجًا من كلامٍ عابرٍ لا معنى له .و حينَ دعوتَنا لهذه المكرُمة _ في ظلِّ ما تُعانيه نساؤُنا العربيّاتُ اليومَ من لجَاءةٍ و تشريدٍ و خوفٍ _ طفَا بالخاطرِ تدلّلُها علينا ،و كلُّنا يقرأ على مَسْمعهنَّ ما نمدُّهنَّ من ألقٍ في أشعارنا فيهنَّ،و هُنَّ سببُه و مثيرُه !. _ أيّها الشّاعر الأصيل ؛ .. ها أنتَ تهبُنا شرفَ ريادةِ حرفٍ،يتحيّنُ هو الآخرُ نيلَ شرفِ الذّودِ عن شرفٍ أكبرَ،و نحنُ نصوّرُ الأنثى امرأةً عربيّةً ، عفيفةً ،كريمةً ؛ تارةً بالبُكاء على مجدٍ مغتصَبٍ،أو بالضّحكِ على حالتِنا المزريةِ،و تارةً بالتّأمُّل في آتٍ يُنزلها مكانَها اللاّئقَ بها.و لا مِن نصيرٍ غيرُ حبرٍ،و قافيةٍ، و لاعِجَة!.. ففكرةُ جداريّةِ الاعتذار إيَّاها تُقلّبُ النّورَ بينَ سديمٍ أدهمَ !..و هاهي تهبُها ناصرًا حُرًّا ، لا ذنبَ له و هو يقفُ إلى جانبها مُواسيًا على ورقٍ أبيضَ ، حينَ طغتِ الدّبابةُ ،و استشرَى هوسُ الرّصاص،و تكبّرَ المسؤولُ ،و دِيثَ الأبيُّ ، و جَارَ المجلسُ ؛ إنّها ترى تأنُّقًا في مِشيتِها العرجاءِ إثرَ قذيفةٍ خَسفتْ بيتَها ،و قتلتْ ولدَها ،و شرَّدتْ بعْلَها ، و تعيشُ برئةٍ واحدةٍ بأكسُجينِ تجلُّدِها و عزَّتها،تصطبرُ على ما تبقَّى في أيّامها غيرَ قانطةٍ و لا يائسةٍ، مردِّدةً " الحرّةُ تجوعُ ..و لا تأكلُ ثَدْيَيْها "..و كانت على ذلك إلى أنْ وقفتْ على أشعارنا المزدانةِ بأنفتِها القارَّةِ ،و بِذِلَّتِنا الطّارئةِ ، ترى فيها ردَّ عجزِنا _ باعتذارٍ خَفِرٍ_ رئةً ثانيةً لحياةٍ أفضلَ ،و لمستقبلٍ أصفَى و أ كرم ..! _ أيّها الشّاعر الأصيل ؛ .. كانت رؤيتُكَ الرّاقيةُ _ إلى سبْقِ المنصّةِ لهثةَ حُرٍّ وراءَ تصويبِ الفكر ،و تأثيثِ الرُّؤى الحرَّى بالأحاسيس ،و المبعثرةِ بالخاطر _ حصافةً تُحسَبُ لك!..إذ كلُّ مرّةٍ كنّا ندوِّنُ الأشعارَ فُرادى و لا يُؤْبهُ لها ، و نحتاجُ بنَفَسكَ القَشيبِ هذا إلى تكتُّلِ زهْوِنا الحسيرِ ،ليُصبحَ جداريّةً ، تُخلِّدُ قولةً واحدةً في هذا الكيانِ المنكوءِ، أنشودةً عبقةً بشذَى ياسمينةٍ ، نتنشَّقُ ضَوْعَها،و نخشَى ضياعَها ،و هي تعيشُ بيننا ..و نعيشُ بها..و معها..! ..إنّني أرى _ و نحن نتأنّقُ بقصائدِنا فيها على الرُّكُح و المنابر _ أنّنا نزدادُ شهرةً بمدحِنا لها ، بينما تزداد تعاسةً و شقاءً بقهرِ الحاكم ،و بقِصَر يدِ المحكوم.و لكنَّ الجميلَ في كلِّ هذا أنّكَ قُلتَ كلمتَكَ ، ولم تحرمْنا أنَ نوشّحَ بها ظلَّ أشعارِنا ،عساها تمسحُ عنها دمعةً ،و تسوقُ في ذاتِ الحين إلى عينيْها المنهكتينِ من جُورِ الكَرى ،و تعسُّفِ الأرقِ ،و سَوْطِ الخوفِ فرحةً تجعلُنا نقولُ ما تبقّى في جداريّةٍ ثانيةٍ من أناشيدِ الفرح و الانتصار. فشكرًا لك.. و عُذرًا للمرأة العربية . محبّتي صديقي..أخوك يوسف. الجزائر / أفريل 2014