في مثل هذا اليوم كنت أفتح عينيّ على مائدة مزيّنة بأشهى أنواع الحلوى , رغم كبرها كانت تصر على أن تبدأ لنا العيد بطريقتها أدركت اليوم أنها كانت طعم العيد ...وطعم البيت وطعم كل الحياة . حاولت أن أخبئ عينيّ ... ستفضحني دمعتي مع أوّل كلمة لأولادي ... فأسرعت مهرولا دون أن أشرب قهوتي ، وعند الباب التفت إليهم أصرخ : أسرعوا لقد تأخّرتم عن الصّلاة . وفي المسجد كنت شاردا لم أسمع حتى الخطبة ...هي نفسها الكلمات يردّدها إمام الجامع كل عيد ... الذي اختلف هو إحساسي ..لم أشعر بهكذا حزن في حياتي ، كنت أحدّث نفسي أبحث في خباياها عن نور يبدّد ظلمتها ، فإذ بابني يمسك يدي ويقول مبارك العيد يا أبي...: مبارك العيد يا صغيري هنّأت جموع المصلّين وخرجنا من المسجد والبيت كان وجهتنا . أوقفني إبني ممسكا ذراعي وقال : اشتقت لجدتي يا أبي , هلاّ ذهبنا إليها ؟ وهنا لم أستطع إمساك دمعٍ كنت أغالبه حتى لا يراه أبنائي فنزل ليبلل كتفيه .... ومشينا إلى المقبرة والصمت رفيقنا حتى وقفنا على قبرها سلّمنا وقرأنا الفاتحة ... وأمام تلك القبور وقفت لحظات تأمّل ، أسال حالي : أترى زادي سيكفي لهذا اليوم وسرحت في ملكوت الله أتذكر مالي وما علي واستوقف أفكاري صوت إبني بعيدا وهو يحدّث قبر جدّته : اشتقت إليك جدّتي وعدتك ألا أبكي وقد فعلت . ووعدتك أن أكون إبنك الصّالح حتى يبقى ذكرك في الحياة حدّثها عن كل شيء حتى عن الجيران . ... وفي طريقنا إلى البيت استوقفنى قائلا : أريد عيديتى يا أبي ، استغربت طلبه فقد كنت أنا من يعطيهم أول عودتي من الصلاة ، في ذهول أدخلت يدي في جيبي وأخرجت ورقة بمائة دينار فقال : زدني يا أبي فمددت يدي وأخرجت أخرى وهنا قال: انتظرني قليلا لن أتأخر ، وجرى مسرعا دون أن ينتظر رأيي ، وفي لمح البصر وصل آخر الشارع المقابل، ولا تزال الدهشة تغمرني طرق الباب وفتحوا له ، مدّ يده إليهم وعاد يحدّثني وهو يبتسم : أتعلم يا أبي؟ لأوّل مرّة أطرق هذا الباب من دون جدتي ، عند هذه الأرملة كانت تخبئ لي عيديتي حتى أكبر فأصبحُ غنيّا مثلك تُرى كم أصبح عندي الآن؟ ابتسمت وتمتمت قائلا " كانت تفعلها معي أيضا " . فسألني : ماذا تقول يا أبي ؟ فأجَبتُه : دعنا نتسابق من يصل باب البيت أوّلا وأطلقنا ضحكة ردّت صداها السماء .