بعد أزيد من خمسة عقود من الاستقلال؛ استفقنا أخيراً لنطلق حملة تكتسي من الأهمية والإستراتيجية ما كان لزاماً علينا أن نطلقها قبل هذا الوقت بكثير !!.. "لنستهلك جزائري".. شعار براق لحملة نأمل أن لا تكون مؤقتة، أشبه ما تكون بموجة الشعور بالوطنية أثناء مواجهات كرة القدم في مثل ما سُمي بملحمة أم درمان!!.. بالله عليكم ما الذي ننتجه جزائرياً خالصاً حتى نستهلكه جزائرياً ؟!!. الأحرى بنا في هذه المرحلة الحرجة أن يكون شعارنا "لننتج جزائرياً".. ماذا تنتج مناطقنا الصناعية – إن كان بعضها ينتج أصلاً – أو ما تبقى منها بعد بيعها بالدينار الرمزي لكل الأغراض ما عدا الإنتاج والصناعة؟!!..أليس أفضلها مجرد ورشات تركيب لقطع منتجة في الخارج؟!!..حتى مواد الاستهلاك الغذائي أغلبها منتج هنا وهناك، والقليل الذي يحمل عبارة "صنع في الجزائر" أجزاؤه وتركيبته من مواد تثبيت ومنكهات وملونات منتجة في الخارج البعيد "الصين" أو القريب جدا "تونس والمغرب"؟!!. إذا ماذا نستهلك ؟!!. هناك من يقول متهكماً أنّ تبني الخطاب الرسمي لهذا المقال "لنستهلك جزائري" هو موافق تماماً لما يرويه لسان الحال؛ أي لنستهلك أنا وأنت جزائري وجزائرك !!.. أو بالأحرى ما تبقى من ثروات جزائرنا التي لم يستهلكها بعد غيرنا، والمحكوم عليها بموجب اتفاقيات مثل إيفيان وأخرى قد لا نعرفها بالنفاد والاستنزاف.. جميل أن نطلق هذا الشعار "لنستهلك جزائري" باعتباره خياراً استراتيجياً، وليس لكونه إكراهاً فرضته الظروف الاقتصادية وتقلبات سوق النفط العالمي؟!!. إنّ الترجمة الحقيقية لهذا الشعار لا تكون إلاّ بتشجيع المبادرات المحلية المنتجة، وتسهيل الإجراءات الإدارية أمامها، وتفعيل آليات دعم الاستثمار بما يحث الشباب على الابتكار والمبادأة والاستقلالية لا على الخداع والإتكالية والاستغلالية، وإعطاء الأولوية للنشاطات التي تثمّن مواردنا المحلية المغيبة أحياناً والمهدرة غالباً.. إنّ الاستهلاك المحلي لا يكون إلاّ في وجود إنتاج محلي، ونقصد بذلك زراعة أراضينا بما يوافق خصوصياتها، والاستفادة من فضاءاتنا السياحية المتنوعة، بدل هدر أموالنا في بلدان مجاورة لا تملك نفس المقدرات، حتى الأمنية منها والتي كانت إلى وقت قريب تصنع الفارق، واستغلال طاقاتنا الطبيعية المتجددة التي لا تزال غير مستغلة آيلة للنفاد بفعل الزمن.. إنّ مفهوم "الاستهلاك الجزائري" هو مفهوم شامل يتضمن الثقافة والعلوم والفكر قبل أن يمس الاقتصاد.. لا يمكننا أن نستهلك سلعاً جزائرية – رغم محدوديتها – وقد ترسخت في أذهاننا النظرة الدونية لمنتجات بلادي.. لا يمكننا أن نستهلك سلعاً جزائرية – رغم محدوديتها – وقد انقطعنا في عاداتنا ولباسنا وثقافتنا عن كل ما هو جزائري.. لا يمكننا أن نستهلك سلعاً جزائرية – رغم محدوديتها – ونحن مبهورين بكل ما هو غير جزائري حتى وإن كان وافداً من بلدان تفوقنا تخلفاً.. لا يمكننا أن نستهلك سلعاً جزائرية – رغم محدوديتها – ما دمنا لم نُثمن أفكارنا في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة وغيرها مما جادت به قرائح الجزائريين المهمّشين تاريخياً أو جغرافياً.. مختصر القول.. فلنعد الاعتبار لجزائريتنا.. لننتج جزائرياً حتى يمكننا أن نستهلك جزائرياً، لأن مقدراتنا الطبيعية والبيئية وموقعنا الاستراتيجي يخولان لنا أن نستهلك ويستهلك جيراننا أيضا جزائرياً، مثلما كان عليه الأمر في سبعينيات القرن المنصرم، أيام كان الطالب الجزائري الذي يتقاضى منحة شبه الراتب – ولا أقول الموظف المحترم – بإمكانه التجوال في كافة أنحاء أوربا بأجرته الشهرية، أيام كان الدينار الجزائري الواحد يعادل 174 ديناراً كويتياً ؟؟؟!!.