لم تكد تمرّ زيارة والي ولاية الجلفة الى مختلف المشاريع الإستثمارية عبر الولاية نهاية الأسبوع الماضي ... حتى تفجّرت معها فضيحة تمس في العمق منظومتي التكوين والتشغيل بعاصمة السهوب ... ولتفتح سؤالا محرجا حول مدى تكييف التخصصات التكوينية حسب معطيات السوق المحلي ومنحى تطور الإستثمارات واستغلال الموارد الأولية المتوفرة بولاية الجلفة. الوالي حل بالمنطقة الصناعية بعاصمة الولاية ووقف عند مصنع الآجر "النايلي لصناعة الآجر" ... وهناك سمع "جلاوي" بأذنيه شكوى من المستثمر حول أن المصنع مازال "في حاجة الى المزيد من اليد العاملة" حسبما نقله الموقع الإلكتروني الرسمي للولاية ... نتوقف هنا عند هذه العبارة حتى لا نمرّ عليها مرور الكرام لأنها تحكي قصة مصنع انتهت أشغاله بنسبة 100% ولكنه مازال يبحث عن اليد العاملة !! الأمر يمكن اعتباره فضيحة تضرب في العمق المنظومة التكوينية بولاية الجلفة ... لأن مصنع الآجر قد انطلق في الفترة التجريبية منذ آفريل 2015 ولكنه مازال يبحث عن اليد العاملة ... يعني طيلة أزيد من 06 أشهر منذ انطلاق مرحلة التجريب والى غاية اليوم !! ... لتزداد الغرابة أكثر فأكثر حين نعلم أن ذات المصنع موجود بالمنطقة الصناعية لبلدية الجلفة التي يناهز عدد سُكانها 400 ألف نسمة أكثر من نصفهم شباب من "الفئة النشطة" ... بل وأكثر من ذلك: مدينة الجلفة فيها 03 مراكز للتكوين المهني بقدرة 1000 مقعد بيداغوجي !! وتبلغ الغرابة مداها عندما نعلم أن عملية بناء المصنع المذكور استغرقت 36 شهرا وهي فترة كافية لتكوين اليد العاملة التخصصية بدبلومات تبدأ من شهادة الكفاءة المهنية الى دبلوم تقني سامي ... فأين هما مديريتا التكوين المهني والتشغيل؟ وأين هو التنسيق بينهما؟ وأين هي معطيات الطلب على اليد الشّغّيلة؟ وأين هي السياسة التكوينية الإستباقية المخطط لها ... حتى لا نقع في تكوين وتخريج البطالين لا قدّر الله ؟ والآن عود على بدء ... وتبقى المعضلة مطروحة فولاية مثل الجلفة تشكل استقطابا للمستثمرين بفضل عوامل الإنتاج والتسويق والإستهلاك انطلاقا منها بفضل موقعها الإستراتيجي. ونتيجة لذلك تعرف في الفترة الأخيرة جملة من المشاريع منها ماهو جديد تماما على الساحة الجلفاوية ويحتاج كفاءات ذات تكوين تخصصي غير متوفر البتّة بعاصمة السهوب. ومن بين هذه المشاريع نجد على سبيل المثال الخطوط السبعة للسكة الحديدية المكهربة بمسافة تفوق 700 كلم وبمحطات في 11 بلدية. وهذا يعني أن حظيرة النقل بالسكة الحديدية بولاية الجلفة ستحتاج الى "جيش" من الموظفين في الأسلاك التقنية والإدارية المتخصصة لأن الأمر سوف يتعلق بصيانة دورية للخطوط واصلاحات لأعطاب قد تلحق بامدادات الكهرباء وتسيير لعمليات مالية تتعلق بمداخيل النقل وتخليص التذاكر وادارة المحطات وغيرها ... فهل تم استباق هذا الأمر من طرف مديرية التكوين بولاية الجلفة؟ ومن طرف جامعة زيان عاشور؟ وهل تم التعاقد مع المديرية العامة لنقل بالسكك الحديدية؟ الخوف من تكرر فضيحة مصنع الآجر الذي لم يجد العمال سوف ينتقل أيضا الى قطاع الصناعة الغذائية ... فمثلا لدينا موعد في نهاية سنة 2016 يتعلق بافتتاح مصنع لتحويل وتجفيف الفواكه بمنطقة النشاطات بمسعد. حيث أعلن المستثمر "عمر بن عمر" عن ضخّه لمبلغ 40 مليار سنتيم لإنجاح هذا الإستثمار. وبالتوازي مع ذلك هناك أيضا مشروع معتمد للمستثمر "أوباح ميلود" في نفس المجال ... فهل هناك عمل تكويني استباقي في مجال الصناعة الغذائية؟ ... للأسف لا ... خصوصا في جامعة الجلفة التي يوجد فيها تخصص "ماستر صحة ووقاية الأغذية ذات المصدر الحيواني" الذي يستجيب للمذبح الصناعي بحاسي بحبح ... غير أن هناك مشاريع معتمدة في الصناعة الغذائية حاليا تتعلق بأغذية ذات مصدر نباتي (الفواكه) !! تكييف التكوين المهني والجامعي بولاية الجلفة سوف ينعكس بالإيجاب على كل المشاريع المُزمع تجسيدها فلماذا لا يتم امضاء اتفاقات ثنائية بين هذه الهيآت والمستثمرين. فلا يجوز أن ننسى أنه لدينا على المديين القريب والمتوسط مشاريع مُوافَق عليها في الصناعات المكيانيكية (الحافلات البيلاروسية - الشاحنات الصينية) والمعدات الكهربائية ومواد البناء والعوارض الحديدية والإسمنت وتصفية المياه المستعملة وفضاءات الترفيه وتربية الدواجن والبيوت الجاهزة وصناعة المضخات والمطاحن وغيرها ... غير أنه يبقى في المقابل التزام على عاتق سلطات ولاية الجلفة لكي تجسّده. ويتعلق الأمر بالتجسيد السريع لمشاريع المعاهد الوطنية التي انطلقت كالمعهد الوطني للتكوين في البناء والأشغال العمومية والمعهدان الوطنيان المتخصصان للتكوين المهني في الجلفة وعين وسارة والقطب الجامعي الثاني 8000 مقعد بيداغوجي. وكذلك المعهد العالي للتكوين في شبه الطبي لأن له دورا أيضا في الإستثمار في السياحة الحموية من خلال تكوين الممرضين المتخصصين في "الطب الفيزيائي والتكييف العضلي" للمحطات الحموية بالشارف والمصران وقطارة ... ويبقى هناك أيضا التزام آخر بالضرب بيد من حديد ضد المستثمرين المستهترين الذين يعطّلون الإستثمار ويحرمون رجال الأعمال الجادين بحيازة عقار دون تجسيد أي مشروع فيه !! كل الأسئلة والتخوفات السابقة سوف تجد لها صدى لدى الشباب الذي يشكل رقما ديمغرافيا كبيرا بولاية الجلفة. ولهذا فإن المحذور هو أن تتحول هذه "الفئة النشطة" الى معول هدم وعامل يهدد الأمن والمجتمع ويرفع من مستويات الجريمة والإنحراف بولاية الجلفة اذا لم يتم ادماجها في برامج تكوينية ناجعة تستجيب لمعطيات سوق العمل بولاية الجلفة. وتصبح طموحات قطاعي التكوين المهني والجامعي بولاية الجلفة أكثر اتساعا اذا تم تكييفها وفقا لتكوين اطارات مؤهلة ومزوّدة بزاد معرفي لولوج عالم إستثمار الموارد الأولية والثروات المتوفرة بولاية الجلفة مثل الجلود لصناعة الأحذية والصوف للصناعات النسيجية و"الرمال" الغنية بالبلور المستخدم في صناعة الزجاج ومناجم مواد الصناعات الحمراء وسبخات الملح وغيرها. ولعل تشريح هذا الواقع يدفعنا الى طرح سؤالين ... سؤال محرج ... هل المنظومة التكوينية الجامعية والمهنية بولاية الجلفة مكيّفة حسب سوق العمل والإستثمار؟ وهل هناك لقاءات أو بنك موحد للمعلومات يوفّر آليات العمل لكل الأطراف المتدخلة في التكوين والتشغيل والصناعة؟ وسؤال دقيق ... متى تجتمع تلك الأطراف وتضع خطة استشرافية للتكوين تضع في الحسبان المشاريع الإستثمارية التي ستُجسّد في المدى القريب والمدى المتوسط والمدى البعيد؟ ... لأن "بن عمر" اذا فتح مصنعه في نهاية 2016 ولم يجد اليد العاملة، فإنه حتما سيلجأ الى جلبها من خارج مسعد التي سيبقى شبابها مجرّد متفرّجين !!