تقاوم رياح التغيير وتناضل من أجل الوفاء للخط الافتتاحي الذي رسمته نستطيع إعطاء اهتمام أكبر لهذا العنوان لتكون له مكانته المستحقة في الخارطة الإعلامية خضع مدير تحرير جريدة “الشعب” بن بلة فنيدس،، قبل أشهر قليلة لعملية جراحية وهو حاليا في فترة نقاهة، عمل بأم الجرائد كصحفي في القسم الدولي، ثم انتقل إلى القسم الوطني الذي عمل فيه صحافيا ورئيس قسم، قبل أن يرقّى إلى مدير تحرير، عمل بتفان وهو يعاني من آلام المرض في صمت وسهر على سير الجريدة، لا يترك أي سطر من أسطر المقالات التي تنشرها إلا وراجعه، ويدون ملاحظاته بقلمه الأحمر، يتابع كل كبيرة وصغيرة ولو على حساب صحته. رغم وضعيته الصحية التي بدأت تعرف بعض التحسن، إلا أنه أبى إلا أن يشارك احتفالية الشعب في ذكرى تأسيسها 55 بالحديث عن تجربته في أمّ الجرائد، من خلال هذا الحوار الشيق الذي أجريناه معه في منزله. - ”الشعب”: لا نرد إجهادك وأنت في فترة نقاهة، لكن وددنا أن تكون حاضرا بيننا في ذكرى تأسيس جريدة “الشعب” 55، من خلال هذا الحوار. فهل لك أن تقدم لنا تجربتك في الجريدة باختصار، من فترة الحزب الواحد إلى التعددية الإعلامية؟ فنيدس بن بلة: الشعب مدرسة حقيقية وليست شعارا، ممارسة في الميدان يحس بها كل من يعمل وكل من مر بهذه المدرسة العريقة التي تتكيف ولا تقبل، في اعتقادي، أن تكون أسيرة ظرف. ورغم ما قيل عن الحزب الواحد، كان هناك تعدد الآراء والتوجهات، كان هناك فضاء للتعبير عن الرأي والرأي الآخر بهدوء وبمهنية، بعيدا عن التهويل والمضاربة الكلامية، وهذا يحسب للجريدة ويعطيها هذه القيمة ويمنحها هذه المصداقية، وهذا كلام أقوله بدون مبالغة ولا مجاملة. من خلال تجربتي، شهدت مختلف التوجهات التي عرفتها الجزائر، التي كانت مترجمة بدقة ومحمولة من قبل الجريدة، عبر مختلف صفحاتها وأركانها ومنابرها، نجد فيها كل الأنواع الصحفية والآراء المعبر عنها، من خلال استطلاعات الرأي والروبورتاجات ومن خلال الحوارات وهذا ما يعطي ثراء لهذه الجريدة العتيدة. - ”الشعب” تغيرت وتطورت بدون أن تتخلى عن خصوصيتها؟ من خلال هذه الميزة لم تجد صعوبة ولن يلتمس القارئ إن كان هناك نوع من التحول، لأن هناك استمرارية بنفس الوتيرة وبنفس المنهجية. لاحظنا ذلك من خلال الملفات والتحقيقات، كانت دائما وجهة لمختلف الآراء، سواء تعلق الأمر بالنخبة المثقفة، أم بمثملي الأحزاب، إنْ على مستوى الجريدة الورقية أو الرقمية، أو حتى من خلال منبر الجريدة الذي يتمثل في المنتدى أو ضيف “الشعب” وهذا صراحة مكسب كبير لأم الجرائد، التي تقاوم رياح التغيير وتناضل من أجل الوفاء للخط الافتتاحي الذي رسمته، ومن أجل أن تكون فعلا ذات مصداقية وذات وجهة لمختلف الآراء ومختلف المواضيع. عندما نقول الوفاء لخطها الافتتاحي، ليس بالمفهوم الجامد، إنما بالمفهوم المتغير ويعني التحول في ظل الثوابت، والأخذ بعين الاعتبار المتغيرات دون التخلي قيد أنملة عن خصوصيتها، عن مصداقيتها وعن هذه الميزة التي كسبتها منذ زمان وهو رأسمالها الثابت والمتغير، وليس التغير بمفهوم الثورة على كل ما هو مكسب. - ما هي أهم الأحداث التي رسخت في ذهنك، سواء عندما كنت صحافيا أو مسئولا في الجريدة؟ أهم الأحداث التي ماتزال راسخة في ذهني، الإعلان عن دولة فلسطينبالجزائر، مازلت أتذكر جيدا كيف كان ذلك الطاقم الصحفي يعمل بدون انقطاع من الصباح إلى فجر اليوم الموالي وهو يتابع بحرقة ما يمكن أن يتوصل إليه الفلسطينيون من قرار تاريخي حول إعلان الدولة الفلسطينية، وكيف لعبت الدبلوماسية الجزائرية دور الوساطة، من أجل تذويب الخلافات والتقريب بين مختلف وجهات النظر والمواقف، وهو ما عشناه طيلة ليلة كاملة. «إعلان دولة فلسطين» و«قمة المصالحة» بالجزائر 2005... أحداث لن تمحى من ذاكرتي
ثاني حدث هام يتمثل في القمة العربية أو “قمة المصالحة” 2005، شاركت فيها كممثل لجريدة “الشعب” في اللجنة الإعلامية التي تؤطر الإعلاميين العرب والصحافيين، ومن الداخل شاهدت من خلال هذه القمة التاريخية، كيف أن العرب “لأول مرة توصلوا إلى الاتفاق على نقطة واحدة حول الإصلاح وحول تدوير الأمانة العامة وحول الأخذ في الحسبان المتغيرات دون البقاء جامدين في قالب واحد، وبالتالي قمة الجزائر أحدثت نوعا من الزحزحة والحلحلة، ولو طبقت ما تمخض عنها من قرارات، ربما لتفادينا ما عرف بالربيع العربي وما خلفه من هزّات ارتدادية عاشتها المنطقة العربية من شرقها إلى غربها. بالإضافة إلى هذا، كإعلامي لازلت أتذكر زيارة الرئيس الأسبق اليمين زروال، الذي شارك في قمة عدم الانحياز في قرطجنة في كولومبيا سنة 1995، وكذا دورة الأممالمتحدة، كيف أن هذه الزيارة أعطت الصورة الحقيقية عن الجزائر الأخرى، غير تلك التي كان يروج لها من الخارج ومن الداخل؛ جزائر تغلبت فعلا على الإرهاب وحذرت في نفس الوقت الأمم الأخرى والدول الأخرى من هذه الآفة التي لا تعرف الحدود ولا الأوطان ولا الأديان، وأنه يضرب كل الدول بدون استثناء، ولا توجد دولة في منأى عنه، هذا الخطاب وهذه الرسالة كان لها وقع فيما بعد على مختلف الدول. دون أن أنسى مشاركتي في قمة الألفية الذي كان فيها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، والذي كان له الدور الكبير في حمل انشغالات دول الجنوب ومطالبة الدول الغربية بدمقرطة العلاقات والحوار بين مختلف الدول والأديان والثقافات. - كيف تقيم، من موقعك كمسئول “مدير التحرير”، مضمون الجريدة في ظل التطورات التي تعرفها الساحة الإعلامية؟ الجريدة تعمل في ظروف صعبة ولا يمكن أن تكتفي بما تقدم وأن تأخذ في الحسبان التطورات، ولابد أن تتطور باستمرار، لأن الإعلام ممارسة يومية وهو تطور، سواء على مستوى العنوان في حد ذاته، أو على مستوى المورد البشري، الذي يحتاج إلى تكييف وإلى مرافقة وتأطير وإلى رسكلة، وهذه الديناميكية هي التي تشكل “الدينامو” والقوة المحركة للعنوان، لكي تكون له مكانة فعلا في الساحة الإعلامية، التي تعرف تنافسا حادا. الاهتمام بالمورد البشري... القوة المحركة للعنوان مهما تكلمنا على المضمون، لكن لابد من الذهاب أبعد ولا نكتفي بما يقدم على مستوى الكتابة والصورة. بمثل هذه النظرة والقناعة نستطيع فعلا إعطاء اهتمام أكبر لهذا العنوان، ليكون له فعلا مكانته المستحقة في الخارطة المتعددة المتشكلة في الجزائر، والتي تعرف منافسة حادة، والرقمية تجعل من الجريدة تواجه تحدي القيمة باستمرار، آخذة في الحسبان المتغيرات في الداخل والخارج. - خلال مسيرتك المهنية، ماالطموح الذي أراد فنيدس بن بلة بلوغه، وهل تحقق له ذلك أم لا؟ زمان كنت مهتمّا بالسياسة أكثر من الإعلام. طيلة مساري العلمي والجامعي، كانت لي رغبة أن أكون دبلوماسيا وكنت أقاوم في كل مرة زملائي الإعلاميين الذين كانوا في كل مرة يضغطون عليّ على مستوى الإقامة الجامعية، واستطاعوا في الأخير أن يؤثروا في ويغيروا مساري. رغبتي كانت أن أكون دبلوماسيا لكن الإعلام أسرني أصدقك القول، أنه لم أفكر في يوم ما أن أدخل مجال الإعلام، لكنه جذبني وتركني أسيرا لم أستطع الإفلات منه. من خلال تجربتي في المجال، وجدت أن الإعلام بقدر ما هو معاناة هو ملذة، وهو أيضا ابتكار ونشوة حياة وصرخة حرية، لأن من خلاله يمكن للإنسان أن يعبر عن مكبوتاته، كما أنه بحر بقدر ما يغوص فيه الإنسان يشعر باللذة والرغبة في الاكتشاف أكثر وهذا ما أشعر به وما عشته. - كلمة بمناسبة احتفال أمّ الجرائد بذكرى تأسيسها في 11 ديسمبر 1962؟ تحياتي لطاقم الجريدة من مسيريين وإعلاميين، خاصة تحية إكبار لهذه الأسرة الإعلامية التي تحتضنها جريدة “الشعب”، رغم المتاعب ورغم الصعوبات لكنها تقاوم من أجل التغيير، ومن أجل أن تكون لها مكانة في هذا الفضاء العجيب، فضاء الإعلام الذي كسر الحواجز وقرب المسافات وجعل العالم قرية واحدة. «الشعب” التي ولدت في زمن الاستقلال، هي الرائد والمنبر من أجل الحفاظ على الاستقلال وأتمنى مزيدا من المكاسب لهذا العنوان العريق في عيده.