تنعقد الدّورة 30 لقمّة رؤساء دول وحكومات الاتّحاد الإفريقي بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا يومي السبت والاحد المقبلين، تحت شعار «الانتصار على الفساد: خيار مستدام لتحوّل إفريقيا». ويسبق القمّة اجتماع المجلس التّنفيذي للاتحاد على مستوى وزراء الخارجية المنعقد اليوم وغدا، في حين اختتم اجتماع لجنة الممثّلين الدائمين أمس الثلاثاء. أكّد رئيس مفوّضية الاتحاد الافريقي، السيد موسى فقي محمد، أنّ خيار شعار «الانتصار على الفساد» للقمّة الافريقية القادمة، لم يكن أمرا اعتباطيا أو دون مغزى، بل على العكس تماما، فمن خلال إعلانها العام 2018 عاماً أفريقيا لمكافحة الفساد، أعطت أجهزة صنع السياسات بالاتحاد الأفريقي دفعة قوية في جهودها الجماعية، الرّامية إلى تحقيق أفريقيا سلمية وآمنة. علاوة على ذلك، فإنّ الهدف الأساسي في أجندة 2063 من أجل التحول في أفريقيا، يرمي إلى غرس ثقافة الحكم الرشيد والقيم الديمقراطية، والمساواة بين الجنسين واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون، بينما تسعى الأهداف الأخرى للوصول إلى قارة سلمية خالية من الصّراعات. الفساد، وفق ما ذكره السيد موسى فقي، معضلة اللّحظة، بل كارثة الكوارث، فهو يؤثّر على حياة الناس بصورة يومية، بدءاً بالطّرق سيّئة البناء، والغش في التّعمير، وعدم المساواة في الحصول على الرّعاية الصحية والأدوية، إلى العنف والجريمة العابرة للحدود، فالخيارات السياسية المشوّهة بالأموال القذرة والجشع وغيرها من العلل والآفات الاجتماعية. إنّ انتباه المنتظم القاري الى هذه الظّاهرة المقيتة ليس وليد اليوم، بل يعود إلى زمن طويل، فعلى مدى السّنوات ال 15 الماضية، و منذ اعتماد اتّفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته، عملت الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية على رفع الوعي بآثاره المدمّرة على حقوق الإنسان، والحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وسعت للالتزام بمعايير مكافحته، لكن يبدو بأنّ المهمّة ليست سهلة، ممّا جعل أفريقيا تحدّد العام 2018 عاما لمحاربة آفة الفساد، وحدا برئيس الاتحاد الأفريقي لدعوة الدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية ومنظّمات المجتمع المدني للعمل جنبا إلى جنب مع المواطنين (المرأة والرجل والشباب على حد سواء)، من أجل رفع عبئه عن حياة الملايين من الأفارقة المتضرّرين، ولاسيما الفقراء والمجموعات المهمّشة في المجتمع. سلاح الأخلاق والرّدع لا شك أنّ الفساد هو - بعد المشاكل الأمنية - أكثر الآفات التي تعوق الأعمال التنموية في القارة السّمراء، التي أخفقت حتى الآن في القضاء عليه. وأوّل خطوة في علاج الفساد حسب الخبراء والمختصّين، هي الأخلاق وترسيخ مفهومها في الحياة العامة، والتّدريب على مكافحة الرشوة. وتشمل المبادئ التّوجيهية لمكافحة الفساد: رفع مستوى الوعي العام وتعزيز السّلوك الأخلاقي، وضمان عمل منسّق ضدّه على الصّعيدين الوطني والدولي، مع تحقيق الاستقلال للقائمين على الوقاية والفصل في الفساد، واتّخاذ التدابير المناسبة لضبط ومكافحة تلك الجرائم. طريق مكافحة آفة العصر هذه التي قصمت ظهر اقتصاديات الدول، يجب أن يكون عبر تعزيز الشّفافية في الإدارة العامة، وحرية وسائل الإعلام لتلقّي ونقل المعلومات بشأن قضايا الفساد، وإقامة نظام شفّاف يقود الجميع للمساءلة حال ارتكاب أي خطأ بغض النّظر عن مكانتهم السياسية أو غيرها من الاعتبارات، وإغلاق الباب أمام الرّشاوى. أفريقيا أدركت حجم الخطر الذي يشكّله الفساد، لهذا جعلته محور قمّتها القادمة، لكن من المهم الإشارة إلى أهمية أن لا تبقى مخرجات هذه القمّة حبرا على ورق، بل المطلوب إرادة فعلية لمحاربة هذه الآفة المدمّرة من خلال إنشاء و تفعيل الآليات اللاّزمة لمنعه، ومعاقبة المتسبّبين فيه وفي الجرائم ذات الصّلة، وتعزيز وتسهيل التّعاون بين الدول للقضاء عليه، بالاضافة إلى تعزيز التّنمية الاجتماعية والاقتصادية عن طريق إزالة العقبات التي تحول دون التّمتّع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية، وكذلك الحقوق المدنية والسياسية، وتوفير الظّروف المناسبة لتعزيز الشّفافية والمساءلة في إدارة الشّؤون العامّة.