بدأت مأساة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948 كنتيجة حتمية للنكبة واحتلال الأرض وقيام كيان مغتصب فوقها، حيث لجأت عصابات الصهاينة إلى سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والترهيب ومصادرة الأراضي والمنازل لإرغام الفلسطينيين على الرحيل.. وفي ظل هذه الظروف المأساوية فرّ 957 ألف فلسطيني وأزيلت أكثر من 500 قرية. ومعلوم أن إسرائيل إن كانت مسؤولة مباشرة عن هذه المأساة، فهي لا تتحمل وزرها بمفردها، بل يشاركها المسؤولية الأنظمة العربية آنذاك التي أخطأت التقدير رغم أن نواياها حسنة ، حيث أخذ القادة العرب بعد احتلال فلسطين على عاتقهم مسؤلية تحريريها، ونصحوا الفلسطينيين باللجوء إلى الجوار ليضمنوا سلامتهم إلى حين أن تحرر الجيوش العربية أرضهم ليعودوا بعدها إلى ديارهم مرفوعي الرأس، فكان خروجا بلا عودة إلى يومنا هذا... وأخذت مأساة اللاجئين الفلسطينيين تكبر ككرة الثلج، خاصة بعد حرب 1967 وما تلاها من حروب ومجازر ارتكبها السفاح الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، لينتشروا اليوم في 58 مخيما موزعا في 130 دولة ويحملوا أكثر من 30 جنسية عدا جنسيتهم الأصلية. وتقدر مفوضية الأممالمتحدة للاجئين (الأونروا) عدد المهجرين الفلسطينيين اليوم بأكثر من 4.7 مليون لاجئ، لكن هذا العدد لا يشمل إلا اللاجئين المسجلين لديها أما غير المسجلين فأعدادهم أكبر بكثير، وهم موزعون على 12 مخيما بلبنان و10 مخيمات في الأردن و9 في سوريا و19 مخيما في الضفة الغربية و8 مخيمات في قطاع غزة، وتعتبر هذه المخيمات من أكثر المناطق التي ينتشر بها الفقر والبطالة والأمية ومستويات المعيشة المتدنية.. ورغم مرور أكثر من ستة عقود على بداية المأساة، فإن اللاجئين الفلسطينيين متمسّكون بحق العودة ويدعّمون هذا الحق بقرارات أممية تقضي بعودة المهجّرين الفلسطينيين إلى ديارهم، ومن هذه القرارات: القرار رقم 194 الصادر عقب الحرب عام 1948 والقاضي بضرورة السماح بعودة اللاجئين في أقرب وقت، مع دفع تعويضات عن أملاك الذين يقرّرون عدم العودة، ثم القرار رقم 242 الذي تزامن مع تزايد موجة اللاجئين بعد حرب 1967، وتلاه بعد حرب أكتوبر 1973 القرار رقم 338. ولم تُبدِ المعمورة قاطبة وفي مقدمتها الكبار المتآمرون مع الكيان الصيهوني أي إعتراض على تسوية أزمة اللاجئين، وحتى أمريكا أقرت بضرورة التسوية العادلة لهذه المعضلة ليختار اللاجئ الفلسطيني بكل حرية بين العودة أو البقاء حيث يقيم. لكن إسرائيل التي تجلس فوق الشرعية الدولية منذ قيامها لا ترى حلا لقضية اللاجئين إلا بتوطينهم، حيث يوجدون، أمّا باب العودة فهي تغلقه تماما ولا تفتحه إلا لمهجّرين جدد. الصهاينة يعتقدون بأن عودة اللاجئين تعني تصفية الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية التي يريدونها نقية من أية أجناس وعرقيات أخرى، كما يسوّقون جملة من اللاجئين لعلّ أهمها صغر مساحة إسرائيل وعدم قدرتها على استيعاب اللاجئين، وهذا التبرير مناقض تماما لسياسة جذب اليهود وتشجيعهم على الهجرة إلى دولة الميعاد وتصريحات المسؤولين الصهاينة بقدرة إسرائيل على استقبال 30 مليون يهودي، في حين أنها تضيق أمام عودة أبنائها. ومن المبررات الأخرى وهي الأقرب إلى الصواب خوف الصهاينة من الغلبة الديمغرافية الفلسطينية، فلو عاد اللاجئون لأصبح اليهود أقلية ولانتهت سيطرتهم وذابت غطرستهم. وأمام رفضها لحق العودة جملة وتفصيلا، تروّج إسرائيل للتوطين وتجعله الحل الوحيد وتتجاهل تماما حتى مسألة التعويض عن أملاكهم التي سلبت منهم، وعن سنوات التّيه والتشرد... لكنَّ عزاء اللاجئين الفلسطينيين الوحيد أن الدول العربية التي تحتضنهم ترفض المشاركة في هذه المؤامرة وتعارض فكرة تجنيسهم وتتمسك بحقهم في العودة إلى أرضهم... وفي انتظار أن تتكسر جدران الغطرسة الصهيونية وتأذن الظروف بالعودة المنتظرة، على اللاجئين الفلسطينيين أن يبعثوا ثقافة الصمود والحفاظ على فلسطينيّتهم كمفهوم وطني غير قابل للذوبان، وبلورة كل الجهود للتشديد حول حق العودة وتقرير المصير، والضغط على إسرائيل لتتحمل مسؤولية اللاجئين ولا تلقيها على ظهر الآخرين. ويبقى في الأخير الإشارة إلى أن تخصيص يوم عالمي للاجئ للبكاء على أطلال الإنسانية الموؤودة هو ذرٌّ للرماد في العيون، والمطلوب العمل من أجل إقرار عالم من دون لاجئين...