لا يمكن الحديث عن ثقافة أصيلة، ورائدة، تسهم في دفع عجلة التقدم والتنمية، دون الحديث عن المثقف والعناية به ماديا ومعنويا، وتثمين جهده تثمينا يشجعه على العطاء، ويحفزه على الإبداع والعمل المتواصل الخلاق.. ذلك لأن كل حديث عن الثقافة دون الحديث عن المثقف والإهتمام به، هو كالحديث عن البناء، ووضع الأسس والقواعد في غياب المهندس!. إن المثقف أديبا، وكاتبا، وصحفيا، وشاعرا، وفنانا إلى آخر ما في الثقافة من روافد وفروع، هو ضمير الأمة وقلبها النابض. ويمكن لنا أن نتصور بعد ذلك حاله الذي يستغني عن قلبه وضميره، إن أمكنه ذلك طبعا؟!. بيد أن هناك مسألة مهمة يجب الإجابة والحسم فيها بكل صراحة، وواقعية، وهي أي نوع من الثقافة نريد؟. ثقافة المظهر أم ثقافة الجوهر، ثقافة الحفلات والمهرجانات أم ثقافة البناء ووضع الأسس السليمة الراسخة لصرح ثقافي مجيد يكون لنا منارة للمستقبل، وقلعة حصينة، ننطلق منها إلى غمار معركة العولمة، دون أن نتأثر بتيارات الهواء والأهواء، ولا أن تعصف بنا الرياح والعواصف، وما أكثرها في هذا الزمان؟!. إن المثقف الذي يعاني شظف الحياة ويقضي عمره يبحث عن مسكن يحميه وعائلته من غائلة الدهر، لا يمكن أن يفكر ولا أن يبذل أي جهد إبداعي.. أنى له أن يستطيع ذلك هو وعائلته يعانيان ضنك العيش. إن المثقف لابد أن يكون بطبيعته مرهف الحس، وهو على ذلك لا يتحمل الإهانة والنوم على الرصيف. وتمنعه طبيعة تكوينه الثقافي والأخلاق من السقوط في مستنقعات الفساد.. والمثقف مهذب، مؤدب على خلق كريم تأنف نفسه وتعاق الرّقاعة، واستعمال الطرق الملتوية لقضاء شؤون حياته.. وهو فوق كل ذلك كله منارة مشعة تهدي إلى السبيل الأقوم.. إنه من الجحود والسفاهة العقلية أن نهمل المثقف.. ونتشدق عن الثقافة ونصنف كل من يحمل (الڤنبري). وليته يحسن العزف عليه مثقفا وهو لا يحسن أو ربما يجهل كتابة وقراءة الأبجدية.. كل الأشياء تخضع إلى قواعد ومقاييس وقوانين وإلا عمّت الفوضى، وسرنا في طريق مسدود.. وعندما نتأكد من نوع الثقافة التي نريدها.. تصبح عندنا ثقافة ولا يبني الثقافة إلا المثقف.. فأية ثقافة نريد؟ ثقافة البناء والتشييد أم ثقافة نسيج العنكبوت..؟!. بقلم / صلاح الدين المقراني