محمد وادفل يقول أحد الحكماء: الإفراط في المزاح مجون والإقتصاد فيه ظرافة. ويقول آخر: المزاح كالملح في الطعام. وقال أحد الشعراء: أفد طبعك المكدود بالهم راحة قليلا، وأضف إليه شيئا من المزاح، ولكن إذا أعطيته المزاح فليكن بمقدار ما تعطي الطعام من الملح. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن الفكاهة بالتفصيل، ولكن من المفيد تقديم النماذج التالية: 1 خرج أبو بكر الصديق بعد البيعة ومعه ميزان ورزمة ثياب تحت يده، وخرج إلى السوق فقالوا له: ما هذا؟ قال: أكتسب لعيالي، أجمع المسلمون لأيّهم وفرضوا له في كل يوم أجرا من بيت مال المسلمين! قدم عليه زعماء وملوك اليمن فلما شاهدوا ما عليه من التواضع وما عليه من الوقار والهيبة نزعوا ما كان عليهم من الحلي والتيجان. 2 كان من الوفود ملك حمير ومعه ألف عبد وعدد من أفراد عشيرته وعليه التاج والحلي الموشاة، فلما شاهد هيئة أبي بكر ألقى ما كان عليه لدرجة أنه كان يمشي في أسواق المدينة وعلى كتفه جلد شاة. فزع أهل عشيرته وقالوا: فضحتنا بين المهاجرين والأنصار! فقال لهم: لقد كنت ملكا جبّارا في الجاهلية وتريدون منّي أن أكون جبّارا في الإسلام لن تكون طاعة اللّه إلاّ بالتواضع والزّهد في الدنيا وكان آخرما نطق به: »ربّ توفّني مسلما والحقني بالصالحين«؟! 3 كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يجوب شوارع المدينة ليلا حتى أصابه شيء من التعب، فاستند إلى جدار فسمع صوت إمرأة تقول لابنتها: اخلطي الحليب بالماء. رفضت البنت تنفيذ الأمر وقال: واللّه يا أمي ما كنت لأطيع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في العلن وأعصيه في الخفاء، فإذا عمر لا يعلم فإن إله عمر يعلم. سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هذا الكلام وعاد إلى مقر الخلافة وقال لرجل كان معه: يا أسلم إمض إلى ذلك البيت وحاول أن تعرف إذا كان للبنت زوج، فذهب واستطلع الأمر ثم عاد وقال لأمير المؤمنين: إن الفتاة تعيش مع أمّها وليس لها زوج والأم أيضا ليس لها زوج. زوّج عمر بن الخطاب تلك الفتاة لابنه عاصم لأنه أعجب بخلقها وأمانتها، وقد ولدت البنت التي أصبحت زوجة عاصم بنتا. عندما كبرت تزوّجت وولدت عمر بن عبد العزيز الذي اشتهر بالعدل في الرّعية عندما كان خليفة للمسلمين.