قرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبول الاجتماع بزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، دون تحديد مكان وتوقيت اللقاء، وهي خطوة أثارت تساؤلات على الصعيد العالمي بشأن مصير أخطر أزمة نووية، بينما كان لها تبعات في الداخل الأمريكي. لا يتوقّف ترامب عن مفاجأة العالم وأقرب المحيطين به، ولا يبدو أن ممارسته الحكم لمدة 13 شهرا قد غيّرت هوايته في اتخاذ القرارات المباغتة وغير المتوقّعة، وحتى تلك التي يعتبرها مستشاروه أنها أسوأ الخيارات. وفي آخر خرجاته، اختار الرئيس ال 45 للولايات المتحدةالأمريكية، إقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون، عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بدل الطرق الإجرائية المتعارف عليها. وحسب وسائل الإعلام الأمريكية، فإنّ ترامب لم يكلّف نفسه عناء إبلاغ تيلرسون بتنحيته مسبقا أو تحذيره بتفادي معارضة توجّهاته، بل فضّل طريقة وصفت ب «المهينة». وقبل تيلرسون، أقال الرئيس الأمريكي المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، بشكل مباغت، حيث شاهد الأخير خبر تنحيته يمر عبر شريط الأخبار على التلفاز. وترك ترامب في اليومين الماضيين مهمة إقالة نائب مدير ال «أف بي آي»، أندرو مكابي، للمدعي العام جيف سيشنز، وحدث ذلك قبل يومين من تقاعده ممّا حرمه حسب صحيفة الواشنطن بوست من معاشه التقاعدي. مسلسل الاقالات والاستقالات في الادارة الأمريكية لم يتوقف منذ الربيع الماضي، وامتد هذه المرة لمستشار ترامب للسياسات التجارية غاري كون، ومديرة الاتصال بالبيت الأبيض هوب هيكس، كما سقط مع تيلرسون 5 موظفين كبار بوزارة الشؤون الخارجية على رأسهم ستيف غولدستاين الذي قدم رواية مخالفة عن إقالة تيلرسون. ماذا يريد ترامب؟ التغييرات الشاملة التي حدثت على فريق الرئيس الأمريكي منذ توليه لمهامه بشكل رسمي في ال 20 جانفي 2017، جعلت المراقبين يتساءلون عمّا يريده ترامب بالضبط؟ فالأشخاص الذين تخلى عنهم الواحد تلو الآخر، ساهموا بشكل فعّال في بلوغه منصب الرئاسة، وبذلوا جهودا مضنية لنجاحه أثناء الحملة الانتخابية، فلماذا يتخلى عنهم بعدما بات رئيسا؟ وبالعودة إلى كتاب «نار وغضب»، الذي صدر حديثا وكشف خبايا كثيرة عن البيت الأبيض في عهد ترامب نقلا عن 200 مصدر، يظهر حجم الاختلاف بين ترامب ومقرّبيه، فهو لم يتخلّص من أسلوبه المباغت في اتخاذ قرارات جريئة وغير معهودة يرى الفريق المحيط به أنها متسرّعة ومضرّة. والواضح أنّ ترامب سئم من مستشارين وكتاب دولة لا يتوقّفون عن معارضته وتوجهيه في غالب الملفات، وعلى رأسهم وزير الخارجية ريك تيلرسون الذي خصّص جزءاً معتبرا من جولاته في الأشهر الماضية لتخفيف حدة خطابات الرئيس وتبعاتها على السياسة الخارجية الأمريكية، مثلما حصل في الملف الكوري الشمالي والأزمة الخليجية وخطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة. ويعتقد الرئيس الأمريكي أنّ الوقت قد حان ليحيط نفسه بأشخاص ينفّذون أوامره وتوجّهاته دون تقديم ملاحظات أو اعتراضات، والبداية ستكون من الملف الكوري الشمالي. البحث عن إنجاز نقل مؤلف كتاب «نار وغضب»، الصحفي الشهير مايكل وولف، عن أحد مستشاري الرئيس الأمريكي، قوله «إنّ دخول ترامب معترك الانتخابات الرئاسية، كان لغاية الشهرة ولم يكن ليكترث حتى لو هزم أمام ميركل». ولاشك أنّ ترامب وبعدما أصبح رئيسا، سيبحث لنفسه عن إنجازات غير مسبوقة، وسعيه للتميز هو ما جعله ينتهج أسلوبا في الحكم يختلف عن سابقيه من الرؤساء. وعكس سابقه أوباما، الذي حاز على جائزة نوبل للسلام في عامه الاول من الحكم، لم يحقّق الرئيس الأمريكي الحالي إنجازا بارزا على الصعيد الدولي، عدا تأجيج مشاعر العرب والمسلمين بقراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة، والاعتراف بها كعاصمة للاحتلال الاسرائيلي. ويريد ترامب تسجيل خطوة فارقة في صناعة السلام الدولي، من شبه الجزيرة الكورية، بعدما وافق على لقاء الزعيم الكوري الشمالي بشكل مفاجئ. ورغم خطابه التهديدي وتبادله الشتائم مع كيم جونغ أون، رضخ الرئيس الأمريكي للرأي القائل بضرورة التفاوض مع كوريا الشمالية، وسيفعل ذلك بفريق جديد على رأسه المدير السابق لوكالات الاستخبارات المركزية مايك بومبيو الذي عينه على رأسه الخارجية. وقال ترامب في تغريداته إنّ صفقة كبيرة تحضّر مع الزعيم الكوري الشمالي، ولم يخفي أنّها «قد تنجح وقد تفشل». التّناقض والفشل لم تنكشف بعد الخطوط العريضة للمحادثات التي ستجمع بين كيم جونغ أون ودونالد ترامب في ماي المقبل، لكن من الواضح أن مهمة الأخير ستكون في غاية الصعوبة. فبعد سنوات من مقاومة الحصار وتخصيص المال والجهد لبناء قدرات حربية نووية يمكنها استهداف الاراضي الأمريكية، من المستبعد جدا أن يعيد الزعيم الكوري الشمالي كل شيء بناه إلى نقطة الصفر، وحتى وإن كان ذلك مقابل حماية نظامه. وتشير المعطيات أنّ كيم يحقّق تقدّما بخطوات أمام الرئيس الأمريكي في هذه اللعبة الخطيرة، إذا استطاع بلوغ غاية «الندية»، من خلال إجبار أمريكا القوة العظمى على التباحث معه كزعيم دولة بعدما كان في نظر القادة الأمريكيين السابقين مجرد متهوّر يهوى إطلاق الصواريخ. واستنادا إلى التجارب النووية التي أجرتها بيانغ يونغ منذ الصيف الماضي، بات جليا أنّها امتلكت القدرة والمؤهّلات التقنية على امتلاك السلاح النووي، في أي وقت وتحت أي ظرف، وما على الغرب إلا تقديم تنازلات حتى لا تقدم على الخطوة الأخيرة. وعليه فإنّ الرئيس الأمريكي أمام مهمّة تحقيق إنجاز دبلوماسي منقوص، أو الإقدام على خطوة غير محسوبة العواقب، إذا ما أخذ بالحسبان فشل المفاوضات مع كوريا الشمالية، وعودة كل طرف إلى لغة التهديد السابقة. تحرّكات ترامب في الملف الكوري الشمالي، تكشف أيضا عن تناقض واضح في سياسته تجاه القضايا النووية، فمن جهة يبحث عن اتفاق تاريخي مع بيانغ يونغ، ومن جهة أخرى يريد تمزيق الاتفاق النووي مع إيران، والذي يرى البانتغون أنه مناسب.