ستعقد قمة الثلاثية شهر ديسمبر المقبل في ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية مستقرة نوعا ما، وما يجعل القمة الحالية استثنائية هو الهدوء الذي يميز الجبهة الاجتماعية من خلال نقص الاحتجاجات والإضرابات التي كانت السمة الغالبة على سوق العمل في الجزائر. وستعرف قمة الثلاثية المقبلة حدثا بارزا يتمثل في طي إشكالية الأجور نهائيا، حيث عرفت معظم القطاعات في القطاع الاقتصادي العمومي والوظيف العمومي الاستفادة من الزيادات الجديدة، وهو ما جعل العامل الجزائري يتنفس قليلا بالمقارنة مع الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة وتدهور القدرة الشرائية، حيث امتص غلاء المواد الأساسية والتضخم معظم الزيادات وباتت ظروف العامل صعبة للغاية، في انتظار إصدار قانون تحديد هامش الربح في المواد الاستهلاكية، التي قد تقلل من المضاربة وفوضى الأسعار التي امتصت الزيادات. وستعلن المركزية النقابية والحكومة عن الخطوات المقبلة لتطوير العقد الاجتماعي والاقتصادي الذي يتضمن الكثير من المبادئ المهمة التي من شأنها النهوض بالاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، من خلال إرساء قاعدة صناعية صلبة وتوسيع الاستثمارات، لخلق مناصب العمل والثروة والتقليل من التبعية للمحروقات. كما ستتطرق أطراف الثلاثية إلى كيفية محاربة السوق الموازي والأمور المؤثرة على تطوير الصناعة المحلية التي تتعرض لمنافسة غير شريفة وغير متكافئة مع السلع والبضائع التي تأتي من خارج أوروبا. ويبقى على أطراف الثلاثية تفعيل الاتصال فيما بينهم وعقد لقاءات دورية لتقييم البرامج المسطرة وتحديد الايجابيات والسلبيات، وعرض الحلول لتجنيب الجبهة الاجتماعية التأويلات والشائعات التي لا طالما كانت في إضرام نار الفتنة وتكبيد الاقتصاد الوطني الكثير من الخسائر والمتاعب. وتشتكي الباترونا التي بقي دورها محتشما في إعطاء النفس الجديد للاقتصاد الوطني مطالبة بالمزيد من الجرأة للعب دور أكبر، بدلا من التركيز على المطالبة بالقروض وتخفيض الضرائب، مقابل عرضها لورشات خياطة وبعض السلع العديمة الفائدة والتي تتحدث عنها على أساس استثمارات ومشاريع لخلق الثروة والوصول إلى التصدير. وتبقى الجبهة الاجتماعية في الجزائر ضحية التحولات الاقتصادية والاجتماعية وتزيد المتاعب والمعاناة مع كل إجراءات تتخذها الدولة، لأن المضاربين والسماسرة يترصدون كل ما من شأنه تحسين القدرة الشرائية والوصول إلى مستوى معيشي يضمن الكرامة للجميع.