«السليل»، ساعة ونصف علقت فيها حناجر الحضور و رسخت لذاكرة مفصلية من تاريخ الجزائر..، صيحات و أهاليل من على صرح دار الأوبرا جعلت الأبدان تقشعر و الانفاس تحبس، والعيون شاردة وراء كل حركة أداها رجالات العرض: لوحات فنية ونصوص إمتزجت بروح الوطنية واستذكار لحظات، الأمس القريب، لمن عايشوها عن قرب وتأريخ لهذه الذاكرة الحاضرة في تاريخ الجزائر لتكون ملحمة عنوانها: الوفاء لمبادئ نوفمبر و ورقة طريق للجيل الجديد حتى يقترب أكثر من تضحيات أبناء وطنه... إعتراف فني ملحمي من النخبة المثقفة لأفراد الجيش الوطني الشعبي نظير إسهامهم الكبير في خدمة الفرد والمجتمع والدولة، جسدته في عمل أوبيرا ضخم شهدته، أول أمس، دار الاوبرا بوعلام بسايح، جلب الاهتمام وصنع الفرجة وسط الحاضرين الذين تفاعلوا بقوة أمام هذا المزيج بين الرصاص وقلم الرصاص.. ملحمة جسدت علاقة تاريخية حتمية بين الجيش الوطني الشعبي وجيش التحرير الوطني، فالأول سليل الثاني، ولطالما كان الثاني عنوان الأول وقدوته ومرجعيته.. وإن كان المشهد الفني قد اهتزت له المشاعر لعظمته، إلا انه يبقى عملا خجولا أمام عظمة ما قدمته هذه المؤسسة العسكرية للأمة الجزائرية، خصوصا في العقدين الأخيرين حيث انتقل نقلات كبيرة في الاحترافية والعصرنة والتطور. فالعمل أبرز أهم إسهامات جنود الخدمة الوطنية في مختلف مناحي التنمية وتضحياتهم الجسام فكانت البداية بلوحة إنشاء الوحدة الإفريقية، شريان الحياة الاقتصادية من الجزائر الى مالي والنيجر، مرورا بصحرائنا الشاسعة، لغواط، غرداية وعين صالح، ليرسم بعدها أكثر من 120 فنان لوحة خضراء عكست الإسهامات الكبيرة في الثورة الزراعية، معّرجين عن السد الأخضر وكذا إنشاء 1000 قرية فلاحية. التضحيات كانت كبيرة فمن انقد ضحايا زلزال الأصنام وفيضانات باب الوادي مع صون وحدة الأمة الجزائرية واسترجاع أمنها واستقرارها من خفافيش الظلام، إبان العشرية السوداء . وزير الثقافة عز الدين ميهوبي وفي كلمة افتتاحية، أكد أن «هذا العمل يعد بمثابة هدية بسيطة من المثقف الى أخيه الجندي هو اعتراف وعرفان نظير إسهامهم الكبير في خدمة الوطن.» و «وردة شكر وزهرة عرفان قد لا تكفي»، يضيف ميهوبي قائلا: « لتعبر عن إمتنان المثقف لهذه المؤسسة العظيمة التي غرست لنا بذرة الاستقلال ..سقتها وتعهدتها لتكبر اليوم وطنا كامل السيادة والحرية». هو نتاج طبيعي، يقول: «للمنظومة الأمة الذي شكل عناصر الجيش فيها أهم أسسها فكان من بين أولوياتهم حماية الهوية الجزائرية بحماية تراثها وموروثها الثقافي لتتعداها الى حماية الشخصية الثقافية». ونحن إذ نحيي، يقول ميهوبي: «رفقة إخواننا أفراد الجيش الوطني الشعبي الذكرى الخمسين لدخول مرسوم الخدمة الوطنية حيز التنفيذ، فإننا نستفز ونحرك من خلال هذه الاوبيرات ذاكرة الأجيال التي مرت على هذه التجربة الوطنية المتميزة والمثيرة فمن خلال الخدمة الوطنية ارتفعت الأسوار وامتدت الطرقات واخضرت الصحراء». من خلالها أيضا استطرد ميهوبي: «التقى الجزائريون في وجدان إنساني مشترك، فشكل لهم هذا الحدث محطة هامة غذّت في أنفسهم قيم الوطنية ومبادئ الالتزام والوفاء وتغليب المصلحة العليا للبلاد ولعل انتصار الجزائر على التحديات الخطيرة التي واجهتها يعود بالدرجة الأولى الى حقنة المناعة التي تلقاها هؤلاء الشباب أثناء فترة أدائهم لواجب الخدمة الوطنية». المناسبة هي فرصة، يقول وزير الثقافة: «لإبراز أهم الإسهامات المقدمة من طرف جنود الخدمة الوطنية في مختلف مناحي التنمية وهو تحية للجيش الوطني بكل قياداته وأفراده، وهو فرصة للترّحم على شهداء هذا الواجب وتذكر نضالات أحيائه». وقفة تخليد لأبطال معركة البناء من جهته، أكد مدير الإيصال والإعلام والتوجيه للجيش الوطني الشعبي اللواء بوعلام مادي في كلمته بالمناسبة: «أن الجزائر عامة والجيش الوطني خاصة يحتفلان في هذا الأسبوع، بمرور 50 سنة على تأسيس الخدمة الوطنية، هذه اللّبنة المتينة والأساس الصلب الذي أقرته القيادة العليا في ذلك الوقت من أجل تحقيق التنمية الشاملة للبلاد الى جانب تعزيز صون الجيش الوطني الشعبي لحماية الوطن». هي مناسبة وقف حيالها اللواء مادي باسم الفريق احمد قايد صالح ، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي وقفة تقدير واحترام لكل أبطال الجزائر ممن خاضوا هذه التجربة الناجحة وساهموا وشاركوا في تشييد وبناء الجزائر المستقلة ودافعوا عن الوطن ولعل أهم رصيد لهذه الخدمة، هي تعميق أواصل المواطن بين أبناء الشعب الواحد وتثمين علاقات التضامن والأخوة. 50 سنة تمر على تأسيس الخدمة الوطنية، وهي فرصة يقول اللواء ماضي: «نقف فيها وقفة تخليد للحدث وتقييم للأداء والتمعّن في مسيرة الرجال الذين كانوا خير خلف لخير سلف، 50 سنة من العطاء أرادت من خلالها وزارة الثقافة أن تشارك فيها من خلال هذا العمل الفني الرائع الذي تثمنه القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي». من جهته، وبعد أن عرّج في تصريح ل»الشعب»، على أهم اللوحات الفنية التي تم تجسيدها بغية ابراز مختلف اسهامات الجيش الوطني الشعبي في بناء الجزائر المستقلة، «أكد مخرج العمل الاوبرالي «السليل» فوزي بن براهم أن « العمل كان بمثابة تحية وتقدير للجيش الوطني الشعبي بكل قيادته وأفراده وهو فرصة لنترحم على شهداء هذا الواجب ونذكر نضالات أحيائه». أما كاتب السيناريو رابح ظريف، اعتبر بدوره هذا العمل الفني بمثابة «هدية من المثقف الى الجندي فكلاهما يجمعهما الرصاص، فهذا يحارب بقلم الرصاص والأخر برصاص. فالملحمة تسرد 50 سنة من الخدمة الوطنية، عكست معها مسيرة الجزائر المستقلة».