مرّت عشرة 10 أيام على فيضان وادي سهل بني ميزاب الذي روع سكان ولاية غرداية مخلفا وراءه قتلى ومصابين ومفقودين وخسائر مادية تقدر بالملايير، ما تزال آثار النكبة حتى وإن خفّت تطبع المشهد العام بإقليم تراب الولاية ولا سيما بالمناطق المنكوبة الموزعة عبر 9 بلديات من مجموع 13 بلدية. لكن يوما بعد يوم يتحسن الوضع بصفة ملموسة وتفرض فسحة الأمل نفسها بعد أن كانت الصورة قبل أيام قاتمة تماما خصوصا في عيون المنكوبين وذلك لهول الكارثة وفضاعة المصيبة، ومع كل هذا الذي حدث وأصاب أهلنا بولاية غرداية فليس هناك ما يدعو لليأس ولا حتى القلق. صحيح أن النفوس مجروحة وهناك عائلات رزئت في أفراد منها (34 ضحية) وأخرى جرّدها الطوفان في رمشة عين من كل ما كانت تملكه من حطام الدنيا وأصبحت بدون مأوى ولا أثاث ولا مال بعد أن جرفت المياه الطوفانية التي كانت تتدفق بقوة خارقة قدّرها الأخصائيون بنسبة 900 متر مكعب في الثانية كل شيء صادفها في طريقها بسبب غضب الطبيعة الذي تعرضت له المنطقة بعد أكثر من قرن( آخر طوفان 1901). ربّ ضارة نافعة! الأكيد أن مبعث التفاؤل نابع من الإيمان بقضاء الله وقدره ولكن أيضا في الإصرار على إعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في المناطق المنكوبة حيث الجهود الجبارة للسلطات العمومية والدولة الجزائرية التي تدخلت بقوة منذ الساعات الأولى للكارثة من أجل التكفل بالمنكوبين والمتضررين لا يتركان مجالا لأي شك، هذا ما تؤكده الإجراءات والتدابير العاجلة المتخذة، ورسالة رئيس الحكومة السيد أحمد أويحيى لأعيان الولاية المنكوبة ومنتخبيها المحليين وسكانها في لقائه والوفد الوزاري المرافق له وبعده ممثلي وسائل الإعلام الوطنية حين قال: »ستصبح الكارثة الطبيعية هذه بعد أربعة أشهر من اليوم مجرد ذكرى من الذكريات اليومية لسكان غرداية«، ملحا على التزامات الحكومة والدولة الجزائرية بإعادة إعمار المنطقة وتعويض المنكوبين بما يتيسر من مساعدات مالية وتدابير وإجراءات إتخذها مجلس الحكومة في إجتماعه الأخير. وبقدر حجم الخسائر والخراب في المنشآت القاعدية والسكن والفلاحة الذي كان كبيرا بقدر ما يكون المبلغ الذي رصدته الحكومة (2000 مليار سنتيم) ملبيا للإحتياجات (ربما يفوق ما أفسده الدهر)، ومن شأن هذا المبلغ الضخم أن يعطي صورة أخرى للولاية في ظرف سنتين أو ثلاث على أقصى تقدير، من الآن وفي انتظار ذلك تتواصل على قدم وساق جهود الإغاثة والتضامن وإزالة كل آثار النكبة التي تقوم بها مختلف المصالح والمؤسسات والتنظيمات بكافة المناطق المنكوبة حيث تم تجنيد كل الإمكانيات المادية والبشرية وعلى كافة المستويات. بناءات عمومية على ضفتي الوادي تعاني ولاية غرداية مثلها مثل العديد من الولايات الأخرى من »مافيا« العقار التي لها إرتباطات مع بعض الأطراف تنشط في »الممنوعات« تحت قبعة حزب معين، ولا تتردد هذه »المافيا« في القيام بأي شيء للوصول إلى أهدافها والتقرب من مصادر القرار، وهي حسب أحد أعيان المنطقة- سبب كل الكوارث التي وقعت بالولاية. التكالب على العقار ومحاولة السيطرة عليه جعلت من المخطط العمراني بالولاية عموما أشبه بالفوضوي والدليل على ذلك وجود عشرات المئات من البناءات أنجزت على حافتي الواد، بما فيها بناءات عمومية، مثل: مؤسسات تربوية، مرافق إدارية... إلخ، غمرتها المياه كلها مما أدى إلى انهيارها و1200 مسكن من مجموع 6500 سكن متضرر بدرجات متفاوتة، ينكب حاليا أخصائيو وتقنيو مركز المراقبة التقنية للبناء (C.T.C) على تقييم درجات الأضرار التي لحقت بها لتحديد حجم الإعانات المالية اللازمة لإعادة تأهيل بعضها. ويفرض تغيير النمط العمراني نفسه بقوة في المشاريع السكنية التي سيجري إنجازها مستقبلا حتى لا تتكرر مرة أخرى مثل هذه الكارثة المروعة، هذا ما شدد عليه السيد أحمد أويحيى خلال الجلسة الذي جمعته بالسلطات الولائية وأعيان الولاية والمنتخبين المحليين يوم الأحد الماضي، بعد الاستماع إلى إنشغالات المنكوبين والمتضررين في المناطق التي استطاع أن ينزل فيها على اليابسة مباشرة بعد إطلاعه على هول الكارثة بواسطة طائرة هليكوبتر حلقت به فوق تلك المناطق وهي واحدة من عدة طائرات جندها الجيش الوطني الشعبي في عملية الإنقاذ. وفي هذا السياق أعلن والي الولاية السيد يحيى فهيم يوم الثلاثاء أنه لن يسمح مستقبلا بإنجاز أية بناية على مجرى ضفاف وادي ميزاب. وأشار في مداخلة له أمام أعضاء من الهيئة التنفيذية والمنتخبين المحليين والصحافة إلى أنه سيتم اقتراح تصور مستقبلي جديد للتهيئة والعمران لولاية غرداية مع الأخذ بعين الاعتبار التقلبات المناخية والمناطق المعرضة للفيضان. وعلى ضوء الزيارة الميدانية لرئيس الحكومة الذي كان مرفوقا ب 12 وزيرا واجتماعه بالسلطات والأعيان والمنتخبين المحليين تم ضبط الأولويات في مجال التكفل بالمنكوبين وإزالة آثار الكارثة، ويتصدر السكن هذه الأولويات من خلال برمجة أكبر حصة سكنية تعرفها الولاية منذ الإستقلال إلى اليوم وتحديدا عاصمتها، ويتمثل في برمجة مشروع لإنجاز ألفي وحدة سكنية ذات طابع إجتماعي إيجاري ومثل هذا العدد سكنات ريفية وذلك على مستوى تراب الولاية وفي ظرف أقصاه 18 شهرا من الآن، مشددا على ضرورة المحافظة على الطابع العمراني لغرداية المصنفة من طرف »اليونسكو« تراثا عالميا. كما يفرض إعادة إعمار المنطقة والتخفيف من حدة السكن على السلطات الولائية والبلدية رفع الحظر على البناء في الأراضي العقارية التي توجد تحت وصايتها من أجل تمكين المواطنين من بناء سكنات فردية بعيدا عن مناطق الخطر. ويقول العديد من المواطنين الذين تهدمت مساكنهم جراء الفيضانات -ممن التقينا بهم في بعض أحياء بلدية بونورة وغرداية والعطف - بأنهم اضطروا لبناء سكنات في الغابة أي داخل بساتين النخيل، لأنهم لم يجدوا بديلا عن ذلك مؤكدين أنهم يفضلون الغابة لقضاء فصل الصيف فقط ولكن وأمام رفض السلطات المعنية بيعهم قطعا أرضية وجدوا أنفسهم مجبرين على اقتطاع أجزاء من الواحة التي تعود ملكيتها إليهم للبناء فيها، وكانت الفاتورة باهظة الثمن لهم كمنكوبين ومتضررين وللدولة على حد سواء. واستشهد أحد أعيان بلدية العطف بمنطقة صخرية تقع على مرتفعاتها تسمى »زيرزراطو« أدرجت في صنف (أ) وهي من ضمن المناطق المحظورة للبناء؟! وتساءل بعضهم بمرارة وحيرة: ''أين سنبني بيوتا تأوينا وأولادنا إذا كانت مدينة غرداية وبني يزڤن وبونورة والعطف تحيط بها الجبال والمرتفعات الصخرية من كل جهة؟''، ملتمسين بذلك من السلطات المعنية إعادة النظر في قرار الحظر. مشروع كلّف 700 مليار سنتيم ولكن ..؟ يقول أحد العارفين بخبايا الأمور بالمنطقة أن مشروع صرف المياه الذي أنجز بغرداية وكلف 700 مليار سنتيم لم يأت بالنتائج المأمول منها، فعوض ذلك تم تنفيذ عملية أقل ما يقال عنها غريبة ومسرفة للمال العام والجهد تتمثل في تبليط أرضية الوادي في بعض أجزائه إلى غاية حي »سالم أوعيسى«، وكما نعلم الأرضية الترابية تمكن من امتصاص المياه بخلاف التبليط الذي ينجم عنه إرتفاع منسوبها وبالتالي تتسبب في فيضانات الوادي وغمر السكنات والبناءات المحاذية له''. وأوضح في هذا السياق، أن توسيع الوادي في بني يزڤن التابعة لبلدية بونورة من جانبيه بمساحة 40 م عرضا، جنّب السكان فيضان الوادي خلال هذه الكارثة. إشاعة كادت أن تُسفر عن ضحايا آخرين! تلعب بعض الأطراف في غرداية على الإشاعة وتعمل على تغذيتها وبثها وكانت إشاعة إنفجار سد يقع بناحية الضاية بن ضحوة التي انتشرت مثل الهشيم في النار صبيحة يوم الفيضان قد خلقت حالة من الذعر الشديد في صفوف سكان منطقة سهل وادي ميزاب متسببة في حالات إغماء لنساء حوامل ومصابين بأمراض مزمنة مثل داء السكري والضغط الدموي، وكاد الوضع نتيجة هذه الإشاعة أن يفلت عن السيطرة عندما هرع الناس إلى الشوارع وهم في حالة يرثى لها ولم تهدأ النفوس إلا بعد صدور تكذيب بثته إذاعة غرداية المحلية. وربما كان مروج أو مروجو هذه الإشاعة المفجعة وراء الإشاعة المغرضة التي روجتها في أكثر من نشرة إخبارية محطة »الجزيرة« الفضائية، عن سابق تصور وإصرار حيث زعمت أن مدينة غرداية ''شهدت مظاهرة حاشدة شارك فيها 5 آلاف منكوب ومتضرر بسبب تأخر وصول المساعدات الغذائية وغيرها إلى المنطقة؟!''. »الجزيرة« تكذب، وعودتنا على مثل هذه الأكاذيب والترهات كلما تعلق الأمر بخبر يخص الجزائر من أجل الإساءة إليها، وهذه المرة تعمدت عدم الإعلان عن الكارثة إلا بعد مرور أكثر من 48 ساعة على حدوثها، لتطل علينا بعدها بأكذوبة في مستوى حجم الشهرة الإعلامية التي اكتسبتها على أساس الإثارة والأكاذيب. صحيح أن وصول المساعدات الغذائية وغيرها إلى بعض المناطق المنكوبة تأخر بسبب إستحالة الولوج إليها في البداية، كما أكد ذلك السيد أحمد أويحيى رئيس الحكومة. إلا أن الأمر تغير تماما، وباتت تلك المساعدات المختلفة وحتى حفاظات الأطفال في متناول كل المناطق المتضررة، حيث وزعت على المنكوبين والمتضررين. ولا نبالغ لو قلنا بأنه سجل فائض يزيد عن احتياجات المنكوبين في بعض المناطق، كما هو الشأن في قصور بلديتي العطف وبونورة على سبيل المثال. ------------------------------------------------------------------------