يرتقب أن يقوم فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال الأيام القليلة القادمة بزيارة عمل وتفقد لولاية غرداية، التي تعرضت في الفاتح من شهر أكتوبر الماضي إلى كارثة طبيعية مهولة نتيجة فيضان ''وادي ميزاب ''مخلفا أكثر من 30 ضحية وخسائر مادية هامة، كما أتى الفيضان على ممتلكات خاصة وعمومية والبنى التحتية بعاصمة الولاية والبلديات الثماني الأخرى المنكوبة. وهذه الزيارة التي ينتظرها بشغف أهالي عاصمة ''بني ميزاب'' خصوصا، وسكان الولاية عموما، تندرج ضمن الزيارات الميدانية والجولات التي دأب فخامته على القيام بها لمختلف مناطق البلاد، وتكتسب أهميتها ودلالاتها ومضامينها ليس فقط من أنها أصبحت ملمحا مميزا في صيغة سياسية جزائرية للتفاعل الحي والمباشر بين رئيس الجمهورية والمواطنين على امتداد هذه الأرض الطيبة، ولكن أيضا مما يتخللها من حوار وطني مفتوح ومتجدد مع المواطنين، فضلا عما يتخلل هذه الجولات من فعاليات بالغة الدلالة فيما يتصل بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية من ناحية، وعلى صعيد العلاقة الخاصة والعميقة بين فخامته والمواطنين من ناحية ثانية. وهو ما يجعل منها أحد أهم وسائل التفاعل السياسي وتوجيه، التنمية وقيادة الرأي العام وتعريفه بأولويات العمل الوطني وحثّه على العمل في إطارها. غرداية تتزين استعدادا للحدث قبل أسبوع على زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى غرداية، سجلت »الشعب« حضورها بعين المكان، حيث الأشغال والترتيبات المتعلقة بها جارية على قدم وساق على مدار 24 ساعة بالمواقع ال 12 للبناءات الجاهزة التي تم تمكينها من بعض مقومات الحياة الأساسية. هذا ما وقفنا عليه بموقع ''وادي نشو'' التابع لبلدية غرداية وتتوسطها وبلدية ''بريان''، وكذا موقع ''بوهراوة'' الواقع على نحو (3 كلم) من عاصمة الولاية، وحي »الحمرايات« التابع لبلدية العطف. فالموقع الأول الذي به (5) مواقع للشاليهات تمتد على مساحة شاسعة على جانب الطريق الرئيسي والوحيد الرابط بين »غرداية« و»بريان« بعمق نحو 2 كيلومتر شمالا، سبق حسب ما ذكره لنا أحد أعيان المنطقة أن اقترحه السيد عبد المالك نوراني عند ماكان وزيرا للتهيئة العمرانية في بداية الثمانينات لاحتضان مشروع مدينة جديدة بطابع حديث يتماشى والنمط العصري للمدن، وهذا بهدف المحافظة على الطابع الخاص لغرداية ذات التراث الضارب في أعماق التاريخ والمعالم الأثرية المصنفة من طرف منظمة »اليونسكو«، غير أن هذا المشروع الحضاري سرعان ما (سقط في الماء) بمجرد مغادرة الوزير لمنصبه وقدوم والي جديد؟! وبقدر فرحة المنكوبين بسكناتهم الجديدة التي ستكون لهم ملاذا مؤقتا يأويهم، في إنتظار إنجاز المشاريع السكنية الموجهة إليهم، بقدر تخوف أبناء غرداية من احتمال(تفسخ )ممكن أن يطرأ على الطابع الخاص والمميز للمدينة، بسبب إقامة قرى بأكملها بالبناء الجاهز، وما يمثل ذلك في نظر العديد منهم من (تشويه) لها ولمعالمها التي تنفرد بها على المستوى الوطني وحتى المغاربي والعربي. وأكثر ما يخشاه هؤلاء أن يصبح المؤقت دائما و(تذوب) المعالم الأثرية لغرداية، ومعها خصوصيتها.. كما عبّر لنا العديد من المنكوبين الذين اتصلنا بهم عن مخاوفهم من البقاء مدة طويلة في الشاليهات المجهزة بمكيفات كهربائية وبقدر يسير من مستلزمات المطبخ والأثاث الذي يتلاءم وهذا النوع من السكنات وحجمها. وقد روعي في تصميم الشاليهات المنجزة من طرف المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية (ة.ض.خ.س) التي فتحت على مستوى موقع »وادي نشو« مكاتب لها المعايير و المواصفات الدولية المعمول بها،لكن الملاحظة التي تفرض نفسها تتعلق بإهمال خصوصية(المجتمع المزابي) الذي لا يقبل أبدا أن تتقاسم عائلتان -حتى وإن كانتا من نفس الأسرة- شاليه واحد مهما كانت الظروف؟!. هذا ما أكده لنا أحد أعيان منطقة بلدية العطف، الذي ثمن في ذات الوقت جهود الدولة في احتواء الأزمة، وإعادة التأهيل والإعمار ضمن برامج أقرها السيد رئيس الجمهورية لفائدة المنطقة والمنكوبين، والتي سيتم الشروع فيها بوتيرة سريعة، مباشرة بعد الانتهاء من عملية إيواء المنكوبين بعد أن نزلت الدولة بكل ثقلها في الميدان. وكان أعيان بلدية العلف قد عبروا صراحة عن تحفظهم الشديد بشأن 150 شاليه التي تم إقامتها بمنطقة »الحمرايات« التي تقع بمعزل عن محيط أهل »بني ميزاب« بذات البلدية وفي مرتفع يصعب الولوج إليه، فضلا عن وجودها على بعد نحو 3 كلم من البلديةمركز ، علما أن أشغال تأهيل »الحمرايات« التي توجد بها مجموعة من السكنات العصرية التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري، والصندوق الوطني للتوفير والاحتياط ولكنها مهجورة تماما من أصحابها منذ إنجازها، جارية حثيثا وعلى نسق متسارع بدون توقف على مدار أيام الأسبوع. هيئة الأعيان للبلدية المذكورة والتي سجلت مؤخرا انسحاب رئيسها محمد الحاج محمد لأسباب نجهلها تعارض أيضا وبشدة إقامة ثانوية ومتوسطة بهذا الحي،حيث راسلت في الموضوع وزير التربية الوطنية السيد بوبكر بن بوزيد، معتبرة الموقع الذي اختارته السلطات الولائية ''لا يصلح على الإطلاق لتنفيذ المشروع، وأن القرار عشوائي''، مفضلين عليه المنطقة المسماة »عين زكري« بالدرجة الأولى ومنطقة »سدراتة« المقترحتين من قبلها وكذا من جمعيات أولياء التلاميذ وجمعيات الأحياء، ناهيك عن السلطات المحلية البلدية. ومن ضمن المبررات التي قدمها المعارضون إيضا لتدعيم موقفهم وحمل السلطات المعنية على التراجع على قرارها، :''وجود حي »الحمرايات« بعيدا عن أغلب أحياء بلدية »العطف« والغياب التام لخط نقل وخطورة المسلك المؤدي إليه،- وحتى وإن توفرت وسائل النقل في المستقبل-، فإن ذلك يستلزم تسخير 50 حافلة لنقل حوالي ألف طالب في الطورين المتوسط والثانوي يوميا، كما يفتقر هذا الحي الذي تسكنه ثلاث عائلات فقط حسب ما جاء في العريضة المرفوعة إلى وزير التربية الوطنية لكل المرافق العمومية والخدماتية التي تتطلبها المنطقة ستعمر بالسكان قريبا''. كما يصعب على الأساتذة الذين يقطن أغلبهم خارج إقليم بلدية »العطف« التنقل إلى »الحي« الو،اقع على بعد 12 كلم على الأقل من عاصمة الولاية. وتتخوف هيئة الأعيان، وجمعيات أولياء التلاميذ، وجمعيات الأحياء في العريضة التي تحوز »الشعب«، على نسخة منها من »التسرب المدرسي« و»ضعف التحصيل المدرسي« و»حرمان البنت من الدراسة بسبب بعد الحي وموقعه«، ناهيك بالأساس عن خصوصيات المجتمع وما يمثله في نظرهم من مخاطر حيث المحيط الذي يقع فيه يساعد على إنتشار كل ما من شأنه أن يضر بسلامة المتمدرسين وبالمجتمع في غياب مؤسسات جوارية!!. وعليه فهم يناشدون وزير التربية الوطنية لإعادة النظر في قرار السلطات الولائية، واختيار المنطقة الأنسب لإنجاز ثانوية جديدة، وقد أصبحت القضية الشغل الشاغل لهم، معددين مزايا منطقتي »حي زكري« ومنطقة »سدراتة«. ''فالأولى تتوسط جميع أحياء البلدة (على بعد 01 كلم فقط) والطريق إليها معبد، مما يسهل عملية النقل والتنقل، وقربها من مدينة غرداية (07 كلم)، وبمحاذاة الطريق الولائي رقم (105) إلخ''. ''أما حي »سدراتة« فهو أيضا قريب من جميع الأحياء ويقع بجانب مجمع سكني فيه 500 سكن، مرشح للضعف، كما يجعله موقعه الإستراتيجي في منأى عن الفيضانات لبعده عن المجاري المائية''. وفي انتظار رد الوزير على العريضة، انطلقت بعد »بالحمرايات« أشغال إنجاز ثانوية ومتوسطة بالبناء الجاهز، بمحاذاة ال 150 شاليه، علما بأن جمعية »النهضة« تكرمت بالتنازل عن مقرها لوزارة التربية الوطنية بما يكفل لتلاميذ ثانويةالشيخ أبي عبد اللّه القرطاجي التي باتت خارج الخدمة، وكذا للمتمدرسين في الطور المتوسط بمواصلة الدراسة خلال هذا الموسم الجاري فقط، لتستعيد بعده الجمعية المذكورة مقرها. وتجدر الإشارة بهذا الخصوص ، إلى أن الدراسة بالعطف كانت معطلة في الأيام التي سبقت العطلة الشتوية بسبب إضراب التلاميذ الداعم لمطلب هيئة الأعيان والجمعيات ، و أكثر ما يخشاه أولياء التلاميذ إستئناف الإضراب عن الدراسة بعد العطلة مباشرة. أغلب الشاليهات متمركزة ببلدية غرداية تتوزع الشاليهات وعددها 2577 شاليه على 12 موقعا، 5 منها بمنطقة »وادي نشو« لفائدة 1550عائلة منكوبة، وموقعين بمنطقة بوهراوة (450 عائلة)، وواحد ببلدية متليلي (100 عائلة)، وموقع آخر ببلدية بريان (150 عائلة)، ونفس العدد بالنسبة لمنكوبي العطف، وكذا لنظرائهم في بلدية الضاية بن ضحوة، إضافة إلى موقعين آخرين بكل من بلدية القرارة (100 عائلة)، وبلدية بنورة (75 عائلة). ويرافق الشاليهات بكل المواقع مرافق عمومية للتعليم بأطواره الثلاثة، وفي بعضها قاعات للصحة الجوارية في إنتظار تجسيد مرافق خدماتية أخرى وفتح خطوط نقل عمومي يربط المواقع بالبلديات التابعة لها. ويدور حديث وسط المنكوبين عن (مجانية) النقل اليومي من أحيائهم الجديدة وإليها، ويتعلق الأمر هنا بالخصوص بأولئك الذين يسكنون في منطقتي »وادي نشو« و»بوهراوة«. وعلى ذكر »مجانية« الخدمات، يتساءل المنكوبون والمتضررون من الفيضانات عن موعد دخول قرار (إعفاء) سكان المناطق التي أعلن عنها منكوبة بصفة رسمية من دفع فواتير الكهرباء والغاز والماء لمدة عام كامل حيز التطبيق؟! أحياء ما تزال تعيش آثار النكبة بالرغم من مرور 3 أشهر على النكبة و لا تزال مظاهرها قائمة بقوة وباتت (ديكورا) في بعض الأحياء، خصوصا بالشوارع الخلفية لمدينة غرداية، هذا ما وقفنا عليه بأحياء (بابا السعد) و(كركوة) و(مرماد) إلخ.. بحيث لم يتم بعد إزالة الأتربة ومخلفات فيضان الوادي التي قذف بها إلى هذه الأحياء ومناطق أخرى، ناهيك عن آثار الفيضانات على الطرقات بما جعلها غير صالحة للاستعمال على الإطلاق، علما بأن الأشغال التي أجريت بها لتجديد شبكة الصرف الصحي التي أتلفتها الكارثة الطبيعية زادت في تدهور الأوضاع والمحيط أيضا.، مما جعل الصورة بها مخالفة تماما للصورة التي هي عليها اليوم في الواجهة التي وقع التركيز عليها وتلميعها بمناسبة الزيارة المرتقبة لفخامة رئيس الجمهورية إلى المنطقة. وإذا كانت آثار الكارثة جسيمة ويصعب احتواءها ومحوها في ظرف زمني وجيز، في وقت لم يقفل فيه بعد نهائيا عملية تقييم وحصر الأضرار التي ألمت بمنازل المنكوبين والمتضررين وبممتلكاتهم، فإن أصحاب النفوس الضعيفة يستغلون (مكرمة) الدولة بمساعدتهم ماليا ومعنويا على إجتياز المحنة، ليطالبونها بتعويضات تفوق أضعاف أضعاف ما فقدوه في الكارثة. وخير دليل على ذلك أن ثلاثة أفراد من أسرة واحدة قيموا الأضرار التي ألحقت بممتلكاتهم (أثاث البيت بالخصوص) بأكثر من 22 مليون دينار، هذا ما تبينه بوضوح نسخة نحوزها لوثيقة إحصاء خسائر الكارثة الوطنية؟! ------------------------------------------------------------------------