الشارع أمامهم و»أكامبو« وراءهم.. هذا هو حال بعض الزعامات العربية التي تعيش أسوأ أيام عمرها وحكمها الذي يضرب بجذوره في عمق التاريخ.. وبين الشارع و»أوكامبو« ليس من سبيل آخر لهذه الزعامات غير التنحي أو الفرار خاصة الذين يفضلون إنقاذ رقابهم، أما القلة المحظوظة التي قد تنجو من »تسونامي« التغيير فلا يبقى أمامها غير مواجهة الكثير من المتاعب وتقديم الكثير من التضحيات والتنازلات.. طريق الخلاص، إذن، سيكون للقلة المحظوظة أما للباقي، فالخيار واضح، إما التنحي عن السلطة أو التعرض في حالة التمسك بالحكم واستعمال القوة لإجهاض الثورة لمثل ما يواجهه الزعيم الليبي معمر القذافي من عقوبات وحصار وتهديد باستخدام القوة، وتلويح بالعصا وربما »مشنقة« الجنائية الدولية التي يبدو أنها أنشئت خصيصا لمعاقبة القيادات العربية فهي (الجنائية) لا ترى إلا الجرائم التي يرتكبها بعض هذه القيادات، أما الفظائع التي ترتكب في حق الشعب العراقي والفلسطيني والأفغاني والباكستاني، فلا يراها »لويس مورينو أوكامبو« ولا المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان، ولا حتى المدافعة عن حقوق الحيوان.. بصراحة الشديدة، لا أحد كان يتوقع مثل هذه الأيام السوداء التي تمر بها الأنظمة العربية، ولا أحد خطر بباله أن يجد الرئيس السوداني حسن البشير أنيسا له كمطلوب للعدالة الدولية بمثل هذه السرعة، فبعد أن كان أول رئيس عربي تصدر في حقه مذكرة توقيف بتهمة إرتكاب إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وبعد أن كنا نعتقد أن هذه السابقة لن تطال زعيما آخر لأن هدفها كان الضغط عليه للتنازل عن جنوب السودان والحكم فيها كان سياسيا وليس قانونيا، ها هو القذافي يوضع تحت مجهر »أوكامبو« الذي فتح تحقيقا في الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها ويرتكبها العقيد في حق شعبه، وبالتأكيد لن يطول الوقت ليصدر أمرا بالقبض عليه، ليلتحق بجاره البشير الذي تكون مصيبته قد هانت بعض الشيء من منطلق أن المصيبة إذا عمت خفت، وهي كما نرى ماضية لتعم، والخوف كل الخوف من أن يقود إلى تكرار النهاية المأساوية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي مازلنا نتساءل لماذا لم يطلبه أوكامبو للمحكمة أمام الجنائية الدولية رغم أنه اتهم هو أيضا بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وإبادة في حق الأكراد؟!. يبدو أن نهاية بعض الزعامات العربية اقتربت والأفضل للتي توجد في عين الإعصار أن تتنحى طواعية تفاديا لإراقة الدماء من جهة، وحفاظا على وحدة وأمن بلدانها، ولتدرك بأن سباحتها ضد التيار وعرقلتها لبناء الشرق الأوسط الجديد الذي يريد مهندسوه تسليم مشعل القيادة فيه للأجيال الشابة، ستدفع ثمنه غاليا هي، وللأسف سيدفعه معها الشعب الذي ينشد التغيير وتحسين ظروفه المعيشية لا أكثر ولا أقل. ويبقى في الأخير الإشارة إلى أنه مثلما نستنكر الأسلوب العنيف الذي يستخدمه القائد الليبي للحفاظ على نظامه، فإننا نستنكر أسلوب التمييز والكيل بمكيالين الذي تتعامل به القوى الكبرى والمحكمة الجنائية الدولية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجرائم التي ترتكبها دول تضع نفسها فوق القانون والعدالة، ورفضت التوقيع على قانون إنشاء الجنائية الدولية ما لم يستثن مواطنوها من المتابعة والمحاكمة.