كان من الطبيعي ان تؤدي الإضطرابات العنيفة التي شهدتها العديد من الدول العربية الى انعكاسات سلبية مباشرة على مستوى أداء الإقتصاد، خاصة في تلك الدول التي لاتزال تعاني من تداعيات الازمة المالية العالمية، وكانت من بين احد الأسباب التي اججت الاحتجاجات على نحو غير مسبوق. وحسب تقارير البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، فان عددا كبيرا من الدول العربية ستشهد تباطؤ في معدل النمو الاقتصادي سواء في تلك الدول التي انجزت ما بات يعرف بالثورة كما هو الحال بالنسبة لتونس ومصر، او في تلك التي لا تزال تعيش على وقع الاضطرابات الدموية، كما يحدث حاليا، في كل من ليبيا واليمن وسوريا، بينما تكون الاوضاع قد هدأت نسبيا في كل من الاردن والبحرين وعمان. وفي مقابل ذلك، فان دولا عربية اخرى استطاعت استباق الأحداث من خلال الاسراع في زيادة الانفاق العمومي لشراء السلم الإجتماعي ومكنها من ذلك، تدفق إيرادات النفط، التي شهدت خلال فترة الإضطرابات ارتفاعات قياسية سمحت لدول مثل الخليج العربي او الجزائر برفع مداخليها الثمينة لتغطية التكاليف الباهضة من جهة ومواصلة نموها الإقتصادي من جهة اخرى. التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي توقع للدول النفطية في الوطن العربي، ما عدا ليبيا، تحسنا في العائدات المالية ومن بينها الجزائر حيث سجل في ذات التقرير زيادة متوقعة في الناتج الداخلي الخام من 3،3٪ سنة 2010 الى 3،6٪ سنة 2011، وزيادة اخرى محسوسة في ميزان الحسابات الجارية من 9،4٪ في العام الماضي الى 17،8٪ هذه السنة، وتراجع طفيف ب 0،04٪ فقط السنة القادمة. هذه المعايير الايجابية وبحسب ذات التقرير وضعت الجزائر في المرتبة الرابعة عربيا بعد كل من الكويت وقطر وليبيا، و قبل دول نفطية اخرى مثل الامارات العربية، مما يعني ان «الافامي» يتوقع حالة من الاستقرار الهام للإقتصاد الوطني خلال العامين: الجاري والقادم، ومن المرتقب ان ينعكس هذا الوضع على مزيد من التحسن في ملف التشغيل بعد التراجع المسجل في نسبة البطالة من 10٪ في سنة 2010 الى نسبة متوقعة بقدر ب 9،8٪ هذا العام و9،5٪ العام القادم، بينما من المنتظر ان تعرف ظاهرة التضخم زيادة في نسبتها قد تصل الى 5٪ هذه السنة ليتراجع الى 4،3٪ في سنة 2012 مقابل 6،9٪ مثلما اشار التقرير، الذي يؤكد على ان هذه النسبة تبقى مقبولة الى حد ما مقارنة مع تلك المسجلة في بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا. واذا كان تقرير صندوق النقد الدولي قد ابدى نوعا من التفاؤل حول مسار النمو الاقتصادي في الجزائر، الا انه توقع ان تعرف دولا عربية اخرى المزيد من التراجع في النمو الاقتصادي بسبب حالة الفوضى التي تسود قطاعات رئسية مثل السياحة والتجارة والتصنيع وتباطؤ حركة تصدير السلع والخدمات خاصة اذا تعلق الأمر بدول مستوردة للنفط الذي يباع بأسعار مرتفعة جدا، مما يعني المزيد من الاعباء المالية، في ظل تراجع تدفق الاستثمارات الخارجية. وما تخشاه هذه الدول العربية هو ان تراجع النمو قد يؤدي الى مزيد من تغذية الإضطرابات الاجتماعية، التي قامت اساسا ضد الفقر والبطالة، وهو ما عبر عنه تقرير الأفامي ملحا على ضرورة إحداث إصلاح جذري حقيقي يشمل كل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وقد لن ينجز قبل خمس سنوات على احسن تقدير، هذا بالنسبة لدول أتمت «ثورتها» مثل مصر وتونس، اما الدول الاخرى التي لا تزال تشهد اضطرابات عنيفة، فانه كلما استغرقت زمنا طويلا كلما تعقدت الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية بها، كما هو الحال في كل من اليمن وليبيا وبدرجة اقل في سوريا، التي لا تزال الى حد ما متماسكة. الكثير من الغموض لا يزال يكتنف مسار ومصير الاضطرابات المتنامية في العديد من الدول العربية، لكن المؤكد الوحيد ان التداعيات ستترك آثارا عميقة على استقرار المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.